يوم الجمعة 22 آذار سقط مشروع القرار الأميركي لوقف إطلاق النار في غزّة بالفيتو الروسيّ والصينيّ. ويوم الإثنين الذي تلاه تمّ التصويت على قرار مجلس الأمن “بوقف فوري لإطلاق النار في غزة في رمضان تحترمه الأطراف ويؤدّي إلى وقف ثابت ومستدام”. ودعا القرار إلى “الإفراج الفوريّ وغير المشروط عن جميع الرهائن، وضمان وصول المساعدات الإنسانيّة“. للمرّة الأولى نجح مجلس الأمن الدوليّ في اتّخاذ قرار وقف إطلاق النار بعد مرور أكثر من خمسة أشهر على الحرب الوحشية على غزّة. ... لكن يبدو أنّ رئيس حكومة إسرائيل بنيامين نتانياهو وحركة “حماس” يتّفقان على عدم تنفيذ قرار مجلس الأمن.
بحسب ما نقلت الوكالات والمصادر والمتابعون في عاصمة القرار العالميّة، كان “الويك إند” الدبلوماسيّ في نيويورك حافلاً. فقد عمل مندوبو الدول الأعضاء غير الدائمين الذين أعدّوا قرار مجلس الأمن لضمان عدم سقوطه بالفيتو الأميركيّ. القرار الذي يطلب وقف فوري لإطلاق النار في غزّة خلال شهر رمضان والإفراج الفوري وغير المشروط لجميع الرهائن.. وهكذا كان. طلب رئيس الجلسة اليابانيّ التصويت على القرار. فرفع أيديهم 14 مندوباً. ثمّ طلب من معارضي القرار التصويت. فبقيت كلّ الأيادي على الطاولة. وحين نادى الممتنعين عن التصويت رُفعت يد واحدة. إنّها يد سفيرة الولايات المتحدة الأميركيّة.
أميركا معزولة؟!
هل يعكس مشهد ليندا توماس غرينفيلد في الجلسة عزلة أميركا عالمياً في ما خصّ الحرب الإسرائيليّة على غزّة؟ الجواب نعم ولا.
نعم، لأنّ غالبية حلفاء واشنطن (خاصّة الأوروبيين) الذين لحقوا بها في الدعم “المطلق” لإسرائيل بعد هجوم 7 أكتوبر (تشرين الأوّل)، ينادون منذ أسابيع بوقف فوري لإطلاق النار وزيادة إدخال المساعدات. وندّدوا بـ”مجزرة الطحين” التي تكرّرت، ولا تزال.
يبدو أنّ رئيس حكومة إسرائيل بنيامين نتانياهو وحركة “حماس” يتّفقان على عدم تنفيذ قرار مجلس الأمن
الجواب أيضاً لا، لأنّ أميركا ليست معزولة في ملفّ الحرب على غزّة، أقلّه لثلاثة أسباب:
1- إنّ إدارة بايدن هي التي أرادت أن يمرّ قرار وقف إطلاق النار في مجلس الأمن لعدّة أسباب سنوردها. لذلك لم تستعمل الفيتو ضدّه.
2- إنّ حلفاء واشنطن، وتحديداً الأوروبيين، يدعون إلى وقف فوريّ لإطلاق النار، لكنّهم مستمرّون في دعم إسرائيل في ما يسمّونه “حقّ الدفاع عن النفس”.
3- إنّ الأوروبيين لا يمكنهم الابتعاد كثيراً عن الموقف الأميركيّ في إسرائيل. فمن جهة ليست لديهم أوراق قويّة يلعبونها في ملفّ الصراع الإسرائيليّ – الفلسطينيّ بمعزل عن واشنطن. ومن جهة أخرى، هم بحاجة إلى واشنطن في مواجهة الخطر الروسيّ الآتي عبر أوكرانيا.
خلاف بايدن – نتنياهو
السؤال هو: لماذا أرادت واشنطن أن يمرّ قرار مجلس الأمن؟
الأسباب متعدّدة:
1- الخلاف الشخصيّ بين بايدن ونتنياهو. فالكيمياء غير موجودة في الأصل بين الرجلين. وللتذكير فإنّ الرئيس الأميركي جو بايدن انتقد بشدّة حكومة نتنياهو “الأكثر تطرّفاً” في تاريخ إسرائيل. كما انتقد الإصلاحات القضائية التي أدّت إلى انقسام عمودي في المجتمع الإسرائيليّ حتى عشيّة هجوم 7 أكتوبر.
2- الخلاف المتعاظم بين إدارة بايدن وحكومة الحرب الإسرائيليّة حول استمرار الحرب على غزّة. وقد تظهّر هذا الخلاف بشكل كبير وعلنيّ بعدما طلب نتنياهو من الجيش الإسرائيليّ إعداد خطّة للهجوم على رفح. وهو لا يفوّت فرصة أو مناسبة لتأكيد قرار الهجوم على المدينة التي تؤوي حوالي 1.5 مليون فلسطينيّ.
قرار مجلس الأمن بخصوص غزّة ملزم للدول الأعضاء في مجلس الأمن. إسرائيل عضو في الأمم المتحدّة. لكنّها لن تنفّذ القرار. وهذا ليس بالجديد
3- الخلاف في المفاوضات على إطلاق الرهائن. فقد أصبح مؤكّداً لواشنطن، التي تشارك في المفاوضات إلى جانب قطر ومصر، أنّ نتنياهو لا يريد التوصّل إلى اتّفاق لإطلاق الرهائن. ويريد استمرار الحرب لأنّ في ذلك استمراراً لحياته السياسيّة. لذلك يناور في المفاوضات. وتارة يمنع الوفد الإسرائيليّ من الذهاب إلى المفاوضات. وطوراً يُرسله لكن بصلاحيات مقيّدة.
4- دخول الولايات المتحدة الأميركية زمن الانتخابات الرئاسيّة التي يترشّح فيها جو بايدن لولاية ثانية. وهو ما يجعل كلّ القرارات السياسيّة في خدمة الحملات الانتخابيّة. وبايدن المتراجع في استطلاعات الرأي أمام منافسه دونالد ترامب، بحاجة إلى أصوات العرب والمنتقدين للحرب على غزّة بسبب الارتفاع الكبير في عدد الضحايا المدنيين.
لكلّ هذه الأسباب تكرّرت في الأسابيع الأخيرة الانتقادات الأميركيّة لنتنياهو. فقال بايدن إنّه “يؤذي إسرائيل أكثر من مساعدتها…”. ودعا السناتور تشاك شومر إلى انتخابات في إسرائيل، أملاً في التخلّص من نتنياهو الذي يجعل من إسرائيل “دولة منبوذة” على المستوى العالميّ ويشكّل “عقبة أمام السلام”. كما تمّ التلويح بإعادة النظر في المساعدات العسكريّة المستقبليّة إذا ما شرعت القوات الإسرائيليّة بالهجوم على رفح الذي يصرّ عليه نتنياهو.
هذا في ما خصّ الموقف الأميركي من القرار. ولكن ماذا عن موقف طرفَي الحرب.
الحرب مستمرّة في حصد أرواح الفلسطينيين قصفاً أو جوعاً في ما بقي من “الشهر الفضيل” وبعده، وربّما حتى رمضان المقبل
لن ينفّذ القرار
قرار مجلس الأمن بخصوص غزّة ملزم للدول الأعضاء في مجلس الأمن. إسرائيل عضو في الأمم المتحدّة. لكنّها لن تنفّذ القرار. وهذا ليس بالجديد بالنسبة للمجتمع الدوليّ. فهي منذ تأسيسها لم تنفّذ العشرات، لا بل المئات، من القرارات الأمميّة. بالتالي سيُضاف القرار 2728 إلى مجموع تلك القرارات.
حماس تنظيم مسلّح. ليست دولة. ترحيبها به لا يعدو كونه مناورة سياسيّة لتظهير نفسها حريصة على وقف المجزرة بحقّ الفلسطينيين ولإحراج إسرائيل. فهي لن تنفّذ البند المتعلّق بها. لن تطلق الرهائن كما جاء في نصّ القرار. إنّهم ورقتها الوحيدة الباقية بعد تدمير غزّة. وتراجع قوّتها العسكريّة بشكل كبير. وخسارتها كلّ غطاء سياسيّ بعد اتّفاق الجميع علناً أو ضمناً على إخراجها من المشهد الفلسطينيّ.
من هنا يبدو نتنياهو وحماس متّفقين على استمرار الحرب.
نتنياهو ربّما يراهن على وصول دونالد ترامب إلى البيت الأبيض وقلب المعادلة في البيت الأبيض لمصلحته. وللتذكير فهو قال في أحد اجتماعات حكومة الحرب مع رؤساء المجالس المحليّة إنّ الحرب على حماس قد تستمرّ حتى 2025.
حماس من جهتها باقية في الأنفاق. ليس لديها ما تخسره أكثر.
إقرأ أيضاً: “إزالة غزّة”… في وداع خطاب “إزالة إسرائيل”
بالتالي الحرب مستمرّة في حصد أرواح الفلسطينيين قصفاً أو جوعاً في ما بقي من “الشهر الفضيل” وبعده.
لمتابعة الكاتب على X: