التطرّف بين حقيقته والميزان الأميركيّ

2024-05-11

التطرّف بين حقيقته والميزان الأميركيّ

ليس كلّ مَن حمل السلاح بطريقة غير قانونية إرهابياً من وجهة نظر الولايات المتحدة. في عام 2000 قتلت القوات الأميركية قاسم سليماني، زعيم فيلق القدس الإيراني وبمعيّته أبو مهدي المهندس باعتبارهما إرهابيَّين. غير أنّها لا تعتبر الكثير ممّن كانوا أتباعاً مخلصين للاثنين ولا يزالون يحملون صورهم ويقيمون لهم أنصاباً تذكارية إرهابيّين.

 

ليس خافياً على أحد أنّ فصائل الحشد الشعبي التي يموّلها العراق هي أذرع إيرانية تتلقّى التعليمات مباشرة من الحرس الثوري الإيراني الذي وضعته الولايات المتحدة على قوائم الإرهاب عام 2019. وهو ما لم يجد قبولاً لدى الاتّحاد الأوروبي الذي سبق لبرلمانه أن اعتبر بالأغلبية تلك الجماعة منظّمة إرهابية. وفي ذلك تلعب أوروبا الدور نفسه الذي لعبته حين انسحبت الولايات المتحدة من الاتفاق النووي بقرار من رئيسها دونالد ترامب. وهو دور منافق يزيد الموقف الغربي من مسألة الإرهاب غموضاً والتباساً إلى درجة أن يشعر المتابع بالريبة من الميزان الذي يستعمله الغرب في تعريف الإرهاب.

دواعش لكن أبرياء

لقد شنّت الولايات المتحدة حرباً على الإرهاب بعدما سمحت لتنظيم داعش باحتلال الجزء الأكبر من العراق. وترويع سكّانه المدنيين وممارسة كلّ أنواع العنف الجسدي والنفسي بحقّهم. انتهاءً بالسماح له بتدمير آثار الحضارة القديمة في العراق وسوريا. ثلاث سنوات أعلن فيها ذلك التنظيم الإرهابي دولته التي شهدت إقامة أكبر سوق للسبايا في العصر الحديث. وحين اتُّخذ قرار الانتهاء من تلك المسرحيّة تمّ تدمير مدينة الموصل. التي هي ثاني المدن العراقية من حيث الكثافة السكّانية والمساحة. من غير أن يتمّ تقديم واحد من زعماء التنظيم الإرهابي إلى محاكمة علنيّة يتعرّف العراقيون من خلالها على ما حدث لهم. مُحيت الموصل من أجل أن تُمحى آثار داعش فيها. أمّا الدواعش الذين تضمّهم السجون العراقية فأغلبهم من ضحايا نظام المخبر السرّي. إضافة إلى أنّ هناك الكثير من النساء اللواتي تمّ اعتقالهن بشبهة انتماء أخوتهنّ أو أولادهنّ إلى التنظيم الذي لم تُعلَن حتى اليوم هويّته.

لقد شنّت الولايات المتحدة حرباً على الإرهاب بعدما سمحت لتنظيم داعش باحتلال الجزء الأكبر من العراق

القرار السّياسيّ هو الأقوى

هناك ما يُريب فعلاً في الحرب على الإرهاب. علاوة على أنّ الميزان كان مختلّاً دائماً. ما شهدته سوريا منذ عام 2011 يؤكّد أنّ الولايات المتحدة قد وضعت كلّ ثقل حلفائها في المنطقة من أجل دعم وتمويل وإسناد جماعات وتنظيمات إرهابية. وهو ما أثبتته الوقائع على الأرض واعترفت الولايات بجزء منه حين صنّفت تنظيم جبهة النصرة جماعةً إرهابية. أمّا أن يكون القرار السياسي الأميركي أقوى من البداهة القانونية فذلك أمر يمكن فهمه من خلال تفحّص العلاقة بالحزب.

الإرهاب

كلّ الصفات القانونية الدولية المتعارف عليها في ما يتعلّق بتعريف الإرهاب تنطبق على ذلك الحزب. بدءاً من اسمه الذي ينطوي على التمييز والاستعلاء والتكفير. أمّا دفاتره فكلّها حكايات تروي استقواءه على الدولة اللبنانية وانتصاره على الشعب اللبناني. وإذا كان الحزب لم يُعلن ولادة دولته. مثلما فعل تنظيم داعش بسذاجة أو امتثالاً لتعليمات مشدّدة. فلأنّه يخطّط أن يكون لبنان كلّه دولته. فليست إمارته أهمّ من أن يكون لبنان كلّه محافظة إيرانية.

السيستاني والصدر بين المقاومة والإرهاب

ما نتذكّره أنّ المرجع الشيعي الأعلى في العراق علي السيستاني كان قد أصدر فتوى بعد احتلال العراق بعدم جواز مقاومة المحتلّ. وهو ما أوقع جيش المهدي الذي كان يقوده مقتدى الصدر في حرج. أمّا حين حاصرت القوات الأميركية في عام 2004 النجف التي يقيم فيها الصدر فقد تمّ إعلان نقل السيستاني إلى لندن بغرض العلاج. وكان واضحاً أنّ السيستاني لم يكن يرغب في أن يكون شاهداً على خراب المدينة المقدّسة. وعلى الرغم من تلك الحرب الضروس لم يتمّ تصنيف مقتدى الصدر إرهابياً. ولم يُلحق تنظيمه بقائمة التنظيمات الإرهابية، حتى بعد ما ارتكبه في الحرب الأهلية من جرائم تمّ توثيقها بالأفلام. كان مقتدى الصدر عبر العشرين سنة الماضية جزءاً من العملية السياسية في العراق. إذا لم نقل إنّه كان عنصراً ضرورياً في التسوية الأميركية الإيرانية في العراق.

يمكن القول إنّ الإرهاب من وجهة نظر الولايات المتحدة لا يُقاس بميزان واحد وليس له تعريف يمكننا من خلال العودة إليه

النأي عن الموقف الأميركيّ

بعد كلّ هذا يمكن القول إنّ الإرهاب من وجهة نظر الولايات المتحدة لا يُقاس بميزان واحد. وليس له تعريف يمكننا من خلال العودة إليه أن نحكم بعدالة على ما يحدث. وهو ما يوجب على دول المنطقة بعدما اُبتُليت بالإرهاب أن تنأى بنفسها عن السياسة الأميركية.

إقرأ أيضاً: كما فشل العراق الأميركيّ سيفشل العراق الإيراني

وتطبّق المعايير الحقيقية على كلّ ما يقع خارج القانون في محيطها. فالميليشيات العراقية على سبيل المثال هي تنظيمات إرهابية كما هو حال الحزب في لبنان. وليس مهمّاً والحالة هذه ما تقوله الولايات المتحدة. فالدولة العظمى ترعى مصالحها قبل كلّ شيء. وما يهدّد أمن وسلامة واستقرار دول في المنطقة قد لا يكون بعيداً عن طريقتها في التفكير في مستقبل تلك المصالح.

مواضيع ذات صلة

“أبو مازن”.. اعتمر الكوفيّة وعد إلى أهلك في جنين

هي رسالة إلى “أبو مازن” ندعوه فيها إلى اختصار الطريق، والذهاب إلى حيث يجب الذهاب وسط هذا التهديد الكبير. الأخ “أبو مازن”. تحيّة وبعد. أنت…

مناظرة تكتيكيّة: هاريس نحو التّعادل وترامب يصوّب على الهدف

منذ إطلاق أوّل مناظرة رئاسية متلفزة عام 1960، لم تكتسب المناظرات التلفزيونية أهمّية في تحديد هويّة من سيصل إلى البيت الأبيض كانتخابات هذه السنة نتيجة…

صفقات أميركا مع إيران: العراق يتقدّم على لبنان

يشكّل العراق كما جرت العادة في العقدين المنصرمين الساحة الرئيسة للمساومات بين إيران وأميركا، على الصعيد الإقليمي. في هذا المجال تتقدّم تلك الساحة على ساحة…

الحجّار وسلامة.. شجاعة رجلين

بعيداً عن الشعبوية والشماتة، ما يجب تأكيده في قرار مدّعي عام التمييز القاضي جمال الحجار بتوقيف حاكم مصرف لبنان السابق رياض سلامة، أنّ أمامنا قصّة…