لبنان بين ثنائيّتين وربط نزاع أميركي – فرنسي

مدة القراءة 6 د

ثلاث قناعات تحيط بالواقع اللبناني في هذه المرحلة:

– الأولى: أميركية. تصارح الإدارة الأميركية نفسها، في اعتراف تامّ، بعدميّة تمكّنها من فرض أيّ حل بمفردها في لبنان.

– الثانية: فرنسية. تقابل الصراحة الأميركية في معرفة الإدارة الفرنسية لقدرتها في محدودية الوصول إلى النتائج النهائية الناجحة في إصلاح الواقع اللبناني.

الثالثة: مشتركة. تتمثّل في حاجة كلّ من الدولتين إلى الغطاءين العربي والإقليمي. تعوّلان على الاستفادة قدر الإمكان من حالة التقارب السعودي (العربي) – الإيراني، من أجل تثبيت ركائز التسوية المستقبلية.

 

جنوب لبنان أكثر من 200 يوم من الحرب

يتعرّض لبنان منذ أكثر من 200 يوم لقصف إسرائيلي ممنهج على أنغام “الموانع الضابطة” لقواعد الاشتباك.

زادت على كلّ هذه المؤثّرات والمآسي ولوج لبنان عصر الانهيارات الاقتصادية والماليّة والسياسية، التي تهدّد بنيته المجتمعية. يرزح بحكم موقعه الاستراتيجي تحت جملة من الصراعات الثلاثية الأبعاد، التي تتأجّج “فيه، معه وعليه”.

خرجت إلى العلن بشكل جليّ وبوضوح العديد من المؤشّرات المهدّدة، ومن أبرزها:

– هجر حروب الظلّ والتقاتل بالوكالة، عبر مشهديّة التراشق الإيراني – الإسرائيلي المنظّم، ولو أنّها في العمق مسرحية اتفاقية من أجل حفظ نفوذ وحقوق وهيبة الأطراف الأساسية المتصارعة، ما عدا العربية منها.

– توسّع الاشتباكات، وتغيّر مفهوم الاستهدافات المكانيّة، والترهّل في قواعدها على الأرض اللبنانية. بعدما فشل “مفهوم الإشغال” ودُمّرت ” فكرة الإسناد” على الحدود الجنوبية مع فلسطين المحتلّة، مما يعرّض الاستقرار والسلم لخطر أكبر.

– التحوّل السلبي في المناعة اللبنانية المجتمعية. تبدّل المزاج اللبناني نتيجة ديمومة المشاكل المتزايدة في حدّتها. أبرزها أزمة الوجود السوريّ. قبات الأمن القومي اللبناني في خطر كبير.

يتعرّض لبنان منذ أكثر من 200 يوم لقصف إسرائيلي ممنهج على أنغام “الموانع الضابطة” لقواعد الاشتباك

ربط النزاع الأميركي – الفرنسي

ينشد الطرفان الأميركي والفرنسي، عبر هذا التقارب، الابتعاد قليلاً عن وضعية “المنافسة الباردة” فيما بينهما على الأرض اللبنانية. إذ أثّرت تلك السلوكية كثيراً على عدميّة الحلول المحلّية، والعرقلة الجذرية للاستحقاقات اللبنانية، حيث الاستفادة الإيرانية والإسرائيلية. كان لا بدّ من إعادة تنظيم الاختلافات في وجهات النظر حول طريقة إدارة الأزمة.

يتأرجح لبنان في الواقع بين ثنائيّتين:

1- محلّية: تتألّف من قوى الممانعة المتمثّلة في فريقَي الحزب وحركة أمل وحلفائهما، الرافضة لمعظم الحلول والاستحقاقات الدستورية والسياسية.

2- دولية: هي الأميركية – الفرنسية، مع الدول المؤلّفة الباقية للفريق الخماسي، وما بينهما من القوى المعارضة اللبنانية. تنادي هذه التوليفة بالمؤسّسات على قدر استطاعتها. تتطالب بتطبيق الدستور اللبناني والقرارات الدولية، مع إلزامية تحقيقها عبر التوافق، المكرّس للدولة فقط.

فرضت الأحداث الطارئة الأخيرة تحرّكاً سريعاً. ورسمت حالة من ربط النزاع الأميركي – الفرنسي حول الملفّ اللبناني. يتّفق الطرفان الأميركي والفرنسي على إلزامية التكامل فيما بينهما، على الرغم من كلّ الفوارق الموصوفة بين الأسلوبين، والاختلاف السياسي التامّ بين المدرستين. حيث تنطلق اللبنات الأساسية للحلّ من مجموعة الأفكار والمسوّدة الفرنسية، لكن عبر الخطوات التكتيّة المشتركة، التي قد تكون في أغلب الأحيان أميركية، نظراً لما تملكه أميركا من وزنات، وما لا تستطيع أن تقدّمه فرنسا.

من هنا كانت الزيارة التي قام بها المبعوث الرئاسي الفرنسي جان إيف لودريان لأميركا، وسلسلة لقاءاته مع شخصيات الإدارة الأميركية، إضافة إلى المبعوث الرئاسي الأميركي هوكستين. ترتكز خطوات المرحلة المقبلة على ضرورة الفصل بين الملفّات السياسية والحدودية، على الرغم من تمحور كلّ النشاطات والمهمّات حول المعيار الأمنيّ الحدودي، صلة الوصل، وهمزة الوصل وكلمة السرّ المكرّسة لجميع الاستحقاقات.

حُصرت مهمّة هوكستين بموضوع النزاع والترسيم الحدودي البرّي إذ تقع عليه مهمّة النقطة الرابعة السابق ذكرها

إلّا أنّ ما تمّ الاتفاق عليه هو حصر الملفّ السياسي المتعلّق بالاستحقاق الرئاسي ضمن فريق الخماسية، على أن يكون ملحقاً أميركياً بوزارة الخارجية فقط، مع خطوة متقدّمة فرنسية في الملفّ الرئاسي الذي يتولّى الإليزيه إدارته فرنسياً من خلال المبعوث الرئاسي إلى جانب كلّ دول الخماسية. وتتمحور مهمّة لودريان حول:

– أوّلاً: إيجاد حلول للأزمة السياسية من خلال تقنية تقريب وجهات النظر المؤسّسة على التوافق. مدخله الخيار الثالث رئاسياً.

– ثانياً: مساعدة اللبنانيين كذلك على كسر صورة الجمود في السلطات وتحريك عجلة تداولها.

– ثالثاً: جعل فرنسا غير مضطربة ومتأخّرة في لبنان، باعتماد الكي دورسيه أو وزارة الخارجية الفرنسية. وبالتنسيق مع أميركا.

لبنان

زيارة وزير الخارجية للبنان والمنطقة

زيارة وزير الخارجية للمنطقة، ومنها بيروت، جاءت في سياق مواصلة الجهود الفرنسية – الأميركية، إضافة إلى الدولية والإقليمية. الوضع الجنوبي اللبناني كان الطبق الدسم فيها عبر الورقة الفرنسية المنسّقة إلى حدّ كبير مع الجانب الأميركي، والتي تقول بتصفير قواعد الاشتباك لمصلحة فصل الساحة اللبنانية عمّا هو دائر في قطاع غزة. وتسعى إلى تسخين مياه الحلّ الدبلوماسي، ومدخله تطبيق القرارات الدولية.

توجد فرصة مهمّة وسانحة جداً. تقضي بتطبيق القرار 1701 بطريقة “متدرّجة غير متدحرجة” على فرضية عدم إمكانية تنفيذ القرار دفعة واحدة. تهدف إلى:

1- إعادة الهدوء على الحدود الجنوبية اللبنانية مع فلسطين المحتلّة، مع وقف إطلاق النار.

2- سحب فتيل شبح المعركة المفتوحة والشاملة.

3- دعم الجيش ومساعدته على زيادة عديده وعتاده وتسلّمه المناطق التي ينصّ عليها القرار، مع سحب المجموعات المتحاربة على اختلافها دون تخصيص، ودون تحديد المسافة المحدّدة للانسحاب.

4- تثبيت الحدود البرّية، والانسحاب من المناطق والنقاط المتنازع عليها.

تصارح الإدارة الأميركية نفسها، في اعتراف تامّ بعدميّة تمكّنها من فرض أيّ حل بمفردها في لبنان

مهمّة هوكستين

حُصرت مهمّة هوكستين بموضوع النزاع والترسيم الحدودي البرّي. إذ تقع عليه مهمّة النقطة الرابعة السابق ذكرها. هذا بالإضافة إلى مساعيه للتوصّل إلى وقف إطلاق النار والعمليات العسكرية. وهو ما تتعاون معه فيه فرنسياً وزارة الخارجية والإليزيه، نظراً لارتباطه الوثيق بالملفّ السياسي وأزمة الاستحقاق الرئاسي.

إقرأ أيضاً: باريس تبحث عن “طانيوس شاهين” فرنسي

قدّم الإليزيه ما بات يعرف بالورقة الفرنسية. توافق مع الجانب الأميركي حول بنودها إلى حدّ كبير. تُعتبر من حيث الشكل والمضمون آليّة مسهّلة تساعد على تطبيق ما هو متعثّر من الدستور اللبناني والقرارات الدولية بشكل متناغم ومتفهّم لطبيعة الأحداث. هل تفعل فعلها؟ وهل تساعد في تطبيق القرارات الدولية وسحب فتيل الحرب؟ هل تحوّل النظريّات إلى واقع عملي ملموس؟ لا شيء مؤكّد.

 

لمتابعة الكاتب على X:

@ElMehiedine

مواضيع ذات صلة

رفيق الحريري: هل تتحقّق العدالة بتصفية الأداة؟

“المخيف في الأعمال الشرّيرة هو أنّها تُرتكب على أيدي بشر عاديّين” حنة أرندت   ليس المقصود بتفاهة الشرّ بأنّ فعل الشرّ بحدّ ذاته مسألة تافهة….

لبنان والسّيادة… ووقاحة “الشّعب والجيش والمقاومة”

جاء المبعوث الأميركي آموس هوكستين أخيراً. لا يزال يعمل من أجل وقف للنّار في لبنان. ليس ما يشير إلى أنّ طرفَي الحرب، أي إيران وإسرائيل،…

أرانب نتنياهو المتعدّدة لنسف التّسوية

إسرائيل تنتظر وصول المبعوث الرئاسي الأميركي آموس هوكستين، بعدما بات ليلته في بيروت لتذليل بعض العقد من طريق الاتّفاق مع لبنان والحزب، على وقع الانقسام…

كيف ستواجه تركيا “فريق ترامب الصّليبيّ”؟

عانت العلاقات التركية الأميركية خلال ولاية دونالد ترامب الأولى تحدّيات كبيرة، لكنّها تميّزت بحالة من البراغماتية والعملانيّة في التعامل مع الكثير من القضايا. هذا إلى…