“الحركة” وإيران وثمار حرب غزّة

مدة القراءة 6 د

ما دامت “حماس” تضع وقف النار الدائم، هدفاً تسعى إلى بلوغه في مرحلة معيّنة. كما تعتبره شرطاً من شروطها لوقف حرب غزّة مع إسرائيل. يصلح السؤال: لماذا سمحت الحركة لنفسها بأن تخوض حرباً لا أفق سياسياً لها؟ أوليست الثمار مُعدّة لتقطفها إيران؟

لماذا تركت “حماس” إيران تشنّ حروبها في المنطقة على هامش حرب غزّة؟ هل تنجح “الجمهوريّة الإسلاميّة” في جني ثمار حرب غزّة في غياب قدرة “حماس” على ذلك؟

لا بدّ من الاعتراف بأنّ “طوفان الأقصى” هزّ أركان الكيان الإسرائيلي. حوّلت “حماس” حرب غزّة حرب حياة أو موت بالنسبة إلى الدولة العبريّة وكلّ مواطن فيها. في المقابل، لا يمكن لمن يطلب وقف النار اعتبار نفسه منتصراً في حرب غزّة. وهي حرب سمحت لإسرائيل بممارسة كلّ أنواع الوحشيّة وصولاً إلى جعل القطاع أرضاً غير قابلة للحياة فيها في المستقبل المنظور.

من السهل الدخول في حرب، أيّ حرب، خصوصاً أنّ الحروب متشابهة في معظمها. الصعب هو الخروج من الحرب من دون تحقيق هدف سياسي واضح محدّد سلفاً. على سبيل المثال، وليس الحصر، دخل الحزب، بطلب إيراني، بل هو افتعل، حرب صيف 2006 مع إسرائيل في لبنان. فعل ذلك وهو يدرك مسبقاً أنّ هدفه تحقيق انتصار على لبنان وليس على إسرائيل. في ضوء الانقلاب الذي نفّذه في 14 شباط 2005 عندما قرّر التخلّص من رفيق الحريري.

حرب 2006.. ضدّ لبنان وليس إسرائيل

كان لا بدّ من جرائم أخرى في حقّ لبنان من أجل تغطية الجريمة الكبرى المتمثّلة في اغتيال مشروع عودة لبنان إلى الحياة عبر شخص رفيق الحريري. نجح الحزب في حرب صيف 2006. حقّق ما يريده. لم تكن إسرائيل في حاجة إلى أكثر من القرار 1701. الصادر عن مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة. كي توقف “الأعمال العدائية” وكي تدع الحزب ينصرف إلى استخدام سلاحه في إخضاع اللبنانيين. الذين انتفضوا في 14 آذار 2005 وأخرجوا القوات السوريّة من لبنان لاحقاً.

مع دخول حرب غزّة شهرها السادس، يبدو مفيداً التوقّف عند بعض النقاط. في مقدَّمها أنّ “حماس” لا تستطيع استعادة موقعها السابق

تكمن مشكلة “حماس” في ما يخصّ حرب غزّة في أنّها لا تدرك أنّها خسرت الحرب وأنّها لا تستطيع جني ثمار تدمير غزّة على رؤوس أهلها. لا يوجد طرف إسرائيلي قادر على التفاوض معها من أجل استعادة “الإمارة الإسلاميّة” التي أقامتها في القطاع بعد منتصف عام 2007. والتي انطلقت منها لشنّ “طوفان الأقصى” الذي غيّر إسرائيل والمنطقة كلّها.

غزّة تضرب علاقة أميركا وإسرائيل

بين ما غيّرته حرب غزّة العلاقة الإسرائيليّة-الأميركيّة. لا يدلّ على ذلك أكثر من الكلام الصادر عن السناتور تشاك شومر زعيم الأكثريّة الديمقراطيّة في مجلس الشيوخ الأميركي. دعا شومر، الذي يشغل الموقع الأعلى في الولايات المتحدة بين أبناء الجالية اليهودية المنتخبين، إلى “انتخابات مبكرة” في إسرائيل. شنّ شومر حملة على بنيامين نتنياهو وصولاً إلى اعتباره مع حلفائه في الحكومة مجموعة من “العنصريّين”. دعا إلى قيام دولة فلسطينية إلى جانب دولة إسرائيل، ولم يخفِ احتقاره لرئيس الوزراء الإسرائيلي بقوله إنّ نتنياهو “ضلّ طريقه”.

لم تتوقّف الأمور عند ما قاله زعيم الديمقراطيين في مجلس الشيوخ. تبيّن لاحقاً أنّ الكلام الصادر عن شومر كان بالتنسيق مع الرئيس جو بايدن الذي لم يخفِ رغبته هو الآخر بالتخلّص من بنيامين نتنياهو.

هناك مأزق وقع فيه بنيامين نتنياهو. إنّه مأزق إسرائيلي قبل أن يكون أميركياً. توجد في إسرائيل أكثرية تريد التخلّص منه، لكنّ هذه الأكثريّة تؤيّد أيضاً استمرار حرب غزّة. يغيب عن بال “حماس” أن لا اعتراض أميركيّاً على استمرار حرب غزّة.

الاعتراض هو على طريقة “بيبي” في تسيير هذه الحرب وإدارتها.

متى تقتنع حماس بأن لا دور لها في غزّة؟

مع دخول حرب غزّة شهرها السادس، يبدو مفيداً التوقّف عند بعض النقاط. في مقدَّمها أنّ “حماس” لا تستطيع استعادة موقعها السابق. ولا تستطيع بالتالي الاعتراض على تشكيل حكومة فلسطينيّة جديدة برئاسة محمد مصطفى ستضمّ مجموعة من تكنوقراط وشخصيات ذات وزن مشهود لها بالكفاءة فقط.

ما دامت “حماس” تضع وقف النار الدائم، هدفاً تسعى إلى بلوغه في مرحلة معيّنة. كما تعتبره شرطاً من شروطها لوقف حرب غزّة مع إسرائيل

هل تقتنع “حماس” أن لا مستقبل لها. وأنّها خسرت حرب غزّة وأعادت القطاع إلى تحت الاحتلال الإسرائيلي؟ هل يقتنع بنيامين نتنياهو، بدوره، بأن لا مستقبل سياسياً له. حتّى لو كان رهانه في المدى الطويل على عودة دونالد ترامب إلى البيت الأبيض؟

حرب غزّة

هل يقتنع رئيس السلطة الوطنيّة محمود عبّاس بأنّ عليه قبول الإصلاحات التي ستتولّى الحكومة التي سيشكّلها محمّد مصطفى تنفيذها؟ أم يعمل على عرقلة هذه الإصلاحات بالوسائل البيروقراطية؟

هناك إصلاحات متوقَّعة، فلسطينيّاً، تعني بين ما تعنيه أنّ استبعاد “أبو مازن” لأيّ شخصيّة فلسطينية. تمتلك حيثيّة ووزناً ما. عن المواقع القياديّة كان خطأ رهيباً أدّى إلى ترهّل السلطة الوطنية الفلسطينية وتحوُّلها إلى مجرّد شاهد زور على ما يجري في غزّة!

يبدو واضحاً أنّ المشهد الفلسطيني – الإسرائيلي ببعده الأميركي مقبل على تغييرات كبيرة. وليس صدفة ورود عبارة عن دور لإيران في التأثير على “حماس” في البيان الذي أصدرته “فتح”. وذلك في ضوء اعتراضات “حماس” على تكليف محمد مصطفى تشكيل حكومة. وجاء في بيان “فتح”: “إنّ رئيس الوزراء المكلّف محمد مصطفى مسلّح بالأجندة الوطنية لا بأجندات زائفة لم تجلب إلى الشعب الفلسطيني إلا الويلات ولم تحقّق له إنجازاً واحداً. هل تريد “حماس” أن نعيّن رئيس وزراء من إيران أو أن تعيّنه طهران لنا؟”.

يوجد تنبّه في “فتح” للدور الإيراني. يأتي ذلك في وقت تسعى إيران إلى توجيه رسالة إلى الإدارة الأميركيّة فحواها أنّ الميليشيات التابعة لها في المنطقة، بمن في ذلك الحزب، تعمل على حسابها وتخوض حروباً خاصّة بها.

إقرأ أيضاً: المنطق الوحيد في لبنان وغزّة: حسابات إيران

على من تضحك “الجمهوريّة الإسلاميّة”؟ فهي التي تعتبر “طوفان الأقصى” تصفية حسابات بينها وبين إسرائيل وأنّ في استطاعتها جني ثمار هذه الحرب والحروب الأخرى. التي تديرها على غير جبهة، بينها جبهة جنوب لبنان وجبهة البحر الأحمر!

مواضيع ذات صلة

إلى الدّكتور طارق متري: حول الحرب والمصالحة والمستقبل

معالي الدكتور طارق متري المحترم، قرأت مقالك الأخير، بعنوان: “ليست الحرب على لبنان خسارة لفريق وربحاً لآخر”، في موقع “المدن”، بإعجاب تجاه دعوتك للوحدة والمصالحة…

“حزب الله الجديد” بلا عسكر. بلا مقاومة!

أكّد لي مصدر رفيع ينقل مباشرة عن رئيس الوزراء الإسرائيلي قوله: “أنا لا أثق بأيّ اتّفاق مكتوب مهما كانت لديه ضمانات دولية من أيّ قوى…

هل تنأى أوروبا بنفسها عن عقدة محرقة غزّة؟

بعد 412 يوماً من الإمعان في إشعال المحرقة في فلسطين ولبنان، أصدرت المحكمة الجنائية الدولية أمراً باعتقال رئيس وزراء إسرائيل بنيامين نتنياهو ووزير جيشه المخلوع…

لبنان “صندوق بريد” بين إسرائيل وإيران

ما تسرّب من “المبادرة الأميركية” التي يحملها آموس هوكستين مفاده أنّه لا توجد ثقة بالسلطات السياسية اللبنانية المتعاقبة لتنفيذ القرار 1701. تقول الورقة بإنشاء هيئة…