“السياج الحدودي” جنوب لبنان جزءٌ من طفولة حسين شرتوني ويومياته. كذلك جنود العدوّ الإسرائيلي. ولعلّ الدجاجة نفسها، التي صار لها أخوات كثيرات في الأيام الأخيرة، وتقبع في قنّ يحاذي السياج، اعتادت التسلسل مراراً وتكراراً إلى الأراضي الفلسطينية المحتلّة، وتعرف طريق العودة إلى القنّ.
فالمنزل لا يبعد أكثر من 50 متراً عن الحدود، بحسب بعض أهالي البلدة، الذين يخبروننا أنّ الأب محمد شرتوني هو أحد مقاتلي حزب الله وليس غريباً عن تضاريس الأرض وزواريب المنطقة. وأنّ المنزل، بتصميمه المليء بالنوافذ، هو نقطة مراقبة واستطلاع متقدّمة، لكن بثوب مدني.
أحد الذين تردّدوا لزيارة محمد وعائلته، يتفاجأ كيف يتفادى وأطفاله الألغام: “هم يعرفون كلّ خطوة في هذه المنطقة”، يقول لـ”أساس”، رافضاً نشر اسمه.
غير أنّ “حسين بطل”، هذه حقيقة ثابتة بغضّ النظر عن النقاش الذي أثارته حادثة الدجاجة. هو بطل تمسّك بحقّه، حتّى وإن كان دجاجة.
المنزل لا يبعد أكثر من 50 متراً عن الحدود، بحسب بعض أهالي البلدة، الذين يخبروننا أنّ الأب محمد شرتوني هو أحد مقاتلي حزب الله وليس غريباً عن تضاريس الأرض وزواريب المنطقة. وأنّ المنزل، بتصميمه المليء بالنوافذ، هو نقطة مراقبة واستطلاع متقدّمة، لكن بثوب مدني
حسين الذي تحوّل إلى نجم بعد ساعات قليلة من حادثة إطلاق العدوّ النار فوق رأسه بسبب تسلّل دجاجته إلى الجانب الثاني من الحدود، تعرّض لعملية استثمار إعلامي كبيرة.
في اليوم الثاني سارعت بلدية الغبيري لتقدّم له مجموعة كبيرة من الدجاج، مع تغطية إعلامية حزبية. كذلك ترددت معلومات عن تقديم قناة “المنار” 20 دجاجة له، بعد مقدّمة أخبار في النشرة المسائية خصّص نصفها له قبل يومين. ونشر حزب الله صورة للطفل وهو يعانق صورة تجمع الإمام الخميني بالمرشد علي خامنئي.
هكذا صنع إعلام الحزب من الحادثة استثماراً في براءة الطفل حسين. وفي المقابل سخر خصوم الحزب من هذه الصورة، ليتحوّل الطفل، بفعله البريء، وهو لا يتعدّى عمره 9 أعوام ونصف العام، إلى خطّ نار، يتم التراشق به بين الحزب ومناهضيه.
المقاوم اليساري، والمعتقل السابق في سجون إسرائيل، محمد فرحات، تبرّع للطفل ببقرة ألمانية قيمتها 2500 دولار أميركي، ستصل من ألمانيا إلى بلدته عربصاليم مع شحنة أبقار، كون فرحات تاجر أبقار بين ألمانيا ولبنان. وكذلك تبرّع بعض أهالي عربصاليم بعلف للبقرة لمدة 6 أشهر: “فالبقرة لا تنتج فوراً. وتحتاج لشهرين كي تبدأ بإدرار الحليب”، يقول فرحات لـ”أساس”.
حسين نقل صورة جديدة لبلدة ميس الجبل الحدودية، التي نسمع عنها في الإعلام من خلال القنابل المضيئة وحوادث التسلل. هي صورة المدنيين وكيف يقضون يومياتهم على مقربة من الاحتلال، وتحت أضواء القنابل وتحت أصوات الرصاص والمدافع.
هو اليوم لديه الكثير من الدجاج، وبقرة. لكن مع ذلك بقي طموحه في مكان آخر. ففي اتصال معه، يتلعثم الطفل، الذي يتلقى دروسه في الصف الثالث الابتدائي. هناك من يلقّنه الكلام قرب الهاتف. يسرد ببراءة الحادثة التي سمعناها مراراً وتكراراً أمس وأمس الأوّل. وعند سؤاله: “شو بدك تصير بس تكبر”، يصمت ويجيب: “مرابط في حزب الله”. ويؤكد أنّ سبب الشجاعة التي أبداها يعود لكون “المقاومة في دمّي”.
حسين الذي تحوّل إلى نجم بعد ساعات قليلة من حادثة إطلاق العدوّ النار فوق رأسه بسبب تسلّل دجاجته إلى الجانب الثاني من الحدود، تعرّض لعملية استثمار إعلامي كبيرة
والد الطفل محمد شرتوني يحدّثنا من جهته عن الطبيعة الجغرافية، فيؤكد ما أخبرنا به الأهالي من أنّ المنزل مجاور للحدود وقنّ الدجاج قريب جدّاً من السياج. محمد الذي يعمل في مجال البناء وأحياناً لا يعمل أو يعمل في مهن أخرى. يوضح أنّ الوضع المادي للعائلة جيّد: “نحن لسنا بحاجة للمال. وقبلنا بالهدايا التي وصلتنا لأنّ النبي قبل الهدية”.
إقرأ أيضاً: مراطبين الغضب وبرندات الجوع على بلاط البوارج
حسين الذي بدأ باستلام هداياه، والذي تبرّع البعض لبناء قنّ دجاج له بعد ما كبرت “مزرعته الصغيرة”، ينتظر وصول البقرة الألمانية التي ما زالت قيد الشحن. البقرة التي قدّمها له المقاتل اليساري في “جبهة المقاومة الوطنية اللبنانية – جمّول”، هي هدية خلفيتها إنسانية بحتة.
هذا ما يشدد عليه فرحات في اتصال مع “أساس”: “لو كان الطفل من طرابلس أو عكار أو الناقورة كنت سأقدّم الهدية نفسها”، مشيراً إلى أنّه تواصل مع العائلة التي أكّدت أنّها ليست بحاجة، غير أنّه أصرّ عليهم كون الأمر بمثابة هدية، فقبلوها.
حسين الذي تحوّل إلى “ترند” بضحتكه ودجاجته، طموحه أبعد من مزرعة الدجاج وتربية الأبقار. طموحه أن يصبح مقاتلاً في حزب الله.