عون والحريري: من يتراجع أوّلاً؟

2020-12-14

عون والحريري: من يتراجع أوّلاً؟


بات من المؤكّد أنّ الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون سيزور لبنان الأسبوع المقبل في 22 الجاري من دون تحديد دوائر قصر الإليزيه موعداً له في السراي مع سعد الحريري كرئيس حكومة تجاوز عتبة التكليف. ووفق المعلومات، لا جدول محدّداً للقاءات يجريها ماكرون مع القيادات السياسية كما فعل في زيارتيه الأولى والثانية. لكنّ دوائر قصر بعبدا تبلّغت من الجانب الفرنسي قبل أيام بموعد لقاء الرئيس الفرنسي مع رئيس الجمهورية ميشال عون في اليوم التالي لوصوله إلى بيروت.

في الواقع، أزمة الحكومة باتت ضاغطة بقوّة أمام مشهد الفوضى والانهيار والانحلال في آخر مقوّمات النظام. وقد سبق اللبنانيون وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لودريان باعتبار الدولة اللبنانية تشبه سفينة تايتانيك وهي تغرق. الفارق فقط أنّ لودريان أكّد لنا أنّ السفينة تغرق من دون موسيقى، فيما “البؤساء” والمفجوعون بطبقتهم الحاكمة ظنّوا لوقت طويل أنّ الغرق يحصل على أنغام أوركسترا شغاّلة تخفيفاً من حدّة الارتطام والاختناق في القعر.

هكذا تبقى ولادة الحكومة المفتاح الأوّل لأيّ إنفراج ولو ضئيل. وتشير مصادر مطّلعة في هذا السياق إلى أنّ “تشكيلة الحريري التي قدّمها إلى رئيس الجمهورية تنازل فيها الرئيس المكلّف عن امتيازات عدّة، منها عدم اختيار وزير سنّي لأيّ حقيبة سيادية، إذ خصّص حقيبة الدفاع لماروني والمال لشيعي والخارجية لدرزي والداخلية لأرثوذكسي، كما أنّه لم يسمّ أحداً من المحسوبين عليه”، فيما لم يُعرف إذا كان موقع نائب رئيس الحكومة سيؤول إلى وزير الداخلية أو إلى وزير أرثوذكسي آخر، مع تشدّد من الحريري بعدم ضمّ أيّ ضابط سابق إلى تشكيلته.

أزمة الحكومة باتت ضاغطة بقوّة أمام مشهد الفوضى والانهيار والانحلال في آخر مقوّمات النظام. وقد سبق اللبنانيون وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لودريان باعتبار الدولة اللبنانية تشبه سفينة تايتانيكوهي تغرق

وتفيد المعلومات بأنّ حقائب العدل والصحّة والاقتصاد والشؤون الاجتماعية في مسودّة الحريري وزّعت على شخصيات سنّية، فيما مَنَحَ رئيس الجمهورية حقائب الدفاع والبيئة والتربية  والإعلام والصناعة (الأرمني)، وخرجت الاتصالات من يدّ “الطبّاخ” اللبناني، تماماً كما الطاقة (الأرثوذكسي  جو صدّي) والمال (يوسف خليل)، ليكون الفرنسي عرّابها الأساسي. وقد جيّرت حقيبة الأشغال للحصّة الشيعية في الحكومة، كذلك حقيبة العمل.

وفي المقابل، فإنّ توزيعة الحقائب التي سلّمها عون للحريري تضمّ حقائب الدفاع والطاقة والعدل والداخلية ونيابة رئاسة الحكومة ضمن حصّة رئيس الجمهورية وفريقه السياسي.

حكومة الحريري هي حكومة الـ”ثلاث ستّات” المرفوضة بالكامل من جانب عون وباسيل. تصلّب متبادل في المواقف خلاصة سقفه “بهدلة” فرنسية مرتقبة وانهيار وشيك لأسس الدولة بتوقيع عون والحريري.

بعدما اتفق رئيس الجمهورية والرئيس المكلّف في بداية مشاورات التأليف على التهدئة الإعلامية والتشدّد في عدم تسريب معطيات عن مسار التفاوض حول الحقائب والأسماء جُرّ الطرفان تدريجاً إلى نشر غسيل بعضهما البعض مروراً بصيغة البيانات الحزبية وصولاً إلى السجال العلني بين مستشار رئيس الجمهورية الوزير السابق سليم جريصاتي والمكتب الإعلامي للحريري.

هي رسالة لجريصاتي عبر الزميلة “النهار” يذكّر الحريري فيها بأنّ هناك “مهلة معقولة” لتأليف الحكومة يجب أن لا يتجاوزها و”حيث نلت أكثرية تمكّنك من التأليف إذا أحسنت الالتزام بالمبادئ والنصوص الدستورية”، متّهماً إياه بأنّه أسير شروط وضعها سابقاً على مصطفى أديب ووعود قطعها للثنائي والقوى السياسية أو خائفاً من عقوبات محتملة أو مستغلاًّ تلك التي فرضت على جبران باسيل إضافة إلى رهانه على استحقاقات دولية. أمّا الاتّهام الأكبر فهو تأليب الرأي العام على رئيس الجمهورية  “عبر الصعود إلى قصر بعبدا لمجرد الصعود” أو الانقطاع عن زيارته!

أمّا ردّ الحريري فكشف بشكل غير مباشر عن ضغطٍ يفرضه باسيل على رئيس الجمهورية، معتبراً أنّ الأخير يسعى لحكومة تمسك الأحزاب قرارها، ومذكّراً بأنّه اختار أربعة أسماء للحكومة كان طرحها عليه رئيس الجمهورية، قائلاً له: “وقف الانهيار ينتظر توقيع رئيس الجمهورية على مراسيم تشكيل الحكومة والتخلّي عن الثلث المعطّل لفريق حزبي واحد. وهذا “الثلث” لن يحصل أبداً تحت أيّ ذريعة أو مسمّى”.

حكومة الحريري هي حكومة الـ”ثلاث ستّات” المرفوضة بالكامل من جانب عون وباسيل. تصلّب متبادل في المواقف خلاصة سقفه “بهدلة” فرنسية مرتقبة وانهيار وشيك لأسس الدولة بتوقيع عون والحريري

ثمّ ردّت رئاسة الجمهورية على الردّ لتؤكد أنّ الاعتراض الرئاسي “قام أساساً على طريقة توزيع الحقائب الوزارية على الطوائف، وتفرّد الحريري بتسمية الوزراء وخصوصاً المسيحيين منهم من دون الاتفاق مع رئيس الجمهورية الذي لم يسلّم الرئيس المكلّف، لائحة مرشحين للتوزير، بل طرح خلال النقاش مجموعة أسماء كانت مدرجة في ورقة أخذها الحريري للاطلاع عليها، ولم تكن هذه الورقة معدّة للتسليم، أو لاعتمادها رسمياً بل أتت في خانة تبادل وجهات نظر”!

وأكّد عون أنّ “الصيغة التي قدّمها الحريري في آخر زيارة له كانت مختلفة عن الصيغ التي تشاور في شأنها مع رئيس الجمهورية”.

بدوره عاد وطالب المكتب الإعلامي للحريري بضبط ايقاع المستشارين، آملًا  من الرئاسة إعطاء توجيهاتها بوقف التلاعب في مسار تأليف الحكومة.

آخر الكلام في بيت الوسط: لا كلام سوى تحميل رئيس الجمهورية، ومن خلفه الوزير جبران باسيل، مسؤولية رفض تشكيلة حكومية متماهية بالكامل مع المبادرة الفرنسية ويصعب شطب أيّ اسم منها ولا فيتو شيعياً عليها وتصلح كفريق عمل لإدارة أصعب مرحلة في تاريخ لبنان بعد الطائف.

وتلفت مصادر بيت الوسط إلى أن “لا تعديل سيجريه الحريري على التشكيلة التي قدّمها للرئيس عون ضمن سياق الطرح غير المنطقي وغير العادل الذي قدّمه له رئيس الجمهورية في زيارته الأخيرة لبعبدا بل هو مستعدّ للتشاور حولها كمستند وحيد وفق الآلية الدستورية التي تعطي الرئيس المكلّف فقط حقّ تقديم تشكيلة وزارية”.

إقرأ أيضاً: مصادر الحريري: مش شغلة رئيس الجمهورية يقدّم مسوّدات حكومية…

وتوضح قائلة: “سقوط الحكومة في الحالات المحدّدة دستورياً يؤدّي إلى إسقاط رئيس الحكومة المحكوم بالثقة البرلمانية ولا تؤدي إلى إسقاط رئيس الجمهورية المحدّدة ولايته الرئاسية لمدّة ستّ سنوات بصرف النظر عن عمر الحكومات. والحكومة يشار إليها باسم رئيسها لا اسم رئيس الجمهورية، والدستور صريح بعدم إعطاء رئيس الجمهورية حقّ التصويت في مجلس الوزراء لتحييده عن الانقسام والفرز السياسي”، معتبرة أنّ “المطالبة بحصّة صريحة تحت تسمية الثلث المعطل يختزن مخالفة دستورية تجعل من موقع رئاسة الجمهورية سبباً في أيّ انقسام داخل مجلس الوزراء”.

مواضيع ذات صلة

لبنان بالخيار: حرب مفتوحة أم فصل المسارات؟

هو أشبه بفيلم رعب عاشه اللبنانيون منذ يوم الثلاثاء الفائت. في الوقت الذي بدأ الحزب بتحقيقاته الداخلية للوقوف على أسباب الخرق ومن يقف خلفه، تستعدّ…

ماذا أرادَ نتنياهو من عمليّة “البيجر”؟

دخلَت المواجهة المُستمرّة بين الحزب وإسرائيل منعطفاً هو الأخطر في تاريخ المواجهات بين الجانبَيْن بعد ما عُرِفَ بـ”مجزرة البيجر”. فقد جاءَت العمليّة الأمنيّة التي تخطّى…

ما بعد 17 أيلول: المدنيّون في مرمى الحزب؟

دقائق قليلة من التفجيرات المتزامنة في مناطق الضاحية والجنوب والبقاع على مدى يومين شكّلت منعطفاً أساسياً ليس فقط في مسار حرب إسناد غزة بل في تاريخ الصراع…

ألغام تُزَنّر الحكومة: التّمديد في المجلس أم السراي؟

ثلاثة ألغام تُزنّر الحكومة و”تدفشها” أكثر باتّجاه فتح جبهات مع الناقمين على أدائها وسط ورشتها المفتوحة لإقرار الموازنة: 1- ملفّ تعليم السوريين المقيمين بشكل غير…