يدفع لبنان ثمن انضمامه إلى حلف يسمّي نفسه “محور الممانعة”. هذا الحلف معادٍ للولايات المتحدة والغرب عموماً ولكل ما هو عربي في المنطقة على وجه التحديد. هذا يجعل طبيعياً أن يصل البلد إلى وضع لا يستطيع تسديد ديونه الخارجية. لذلك، يبدو الخطاب الذي ألقاه رئيس مجلس الوزراء حسّان دياب خارج المشكلة الكبيرة المطروحة، بل المشكلة بذاتها.
في الواقع، كان حسّان دياب يُخاطب حسان دياب لا أكثر. ليس في الكلمة التي وجّهها إلى اللبنانيين السبت الماضي ما يطمئنهم. الشعارات الكبيرة عن الحاجة إلى الإصلاحات لا تعيد للناس أموالهم المحتجزة في المصارف. الكلام عن الحاجة إلى “خطّة لإعادة هيكلة القطاع المصرفي” لا يقدّم ولا يؤخّر في غياب الفهم العميق لأهمّية هذا القطاع والأسباب التي أوصلته إلى مرحلة الانهيار. من يتحمّل المسؤولية ليس المصارف وحدها. هناك مسؤولية اكبر تقع على عاتق السلطة السياسية التي رفضت في السنوات الـ12 الأخيرة، منذ غزوة بيروت والجبل في أيّار 2008، أيّ انصياع للقوانين والدستور ووضعت نفسها في خدمة “حزب الله” والطرف الذي يقف خلفه، أي إيران.
إقرأ أيضاً: عن حسّان “أبو الهول” دياب
بعد غزوة بيروت والجبل، تغيّرت قوانين اللعبة السياسية في لبنان إلى حدّ كبير. بدأ الحديث عن “الديموقراطية التوافقية” وصار “الثلث المعطّل” جزءاً لا يتجزّأ من هذه اللعبة. كان الهدف واضحاً كلّ الوضوح. صار مطلوباً أن يكون “حزب الله” صاحب الكلمة الفصل في لبنان. عاقب “حزب الله” الرئيس سعد الحريري الذي وقف بشجاعة في وجه المطالب الإيرانية التي سمعها خلال زيارته لطهران كرئيس لمجلس الوزراء في تشرين الثاني 2018. المطالب الإيرانية الثلاثة تتلخّص بإعفاء الايرانيين الراغبين في زيارة لبنان من التأشيرة، وتوقيع معاهدة دفاع مشترك بين لبنان و”الجمهورية الإسلامية”، والسماح لإيران بدخول النظام المصرفي اللبناني.
مع مرور الوقت، لم يعد لبنان عصيّاً تماماً على الرغبات الإيرانية. هناك توقّف شبه تام عن المقاومة، أي مقاومة ما يسمّى “المقاومة”، خصوصاً بعد انتخابات أيّار2018، التي أجريت بموجب قانون وضعه “حزب الله” وكانت بمثابة غزوة ثانية لبيروت والجبل ولكن تحت غطاء قانوني. من يتذكّر أنّ قاسم سليماني، قائد “فيلق القدس” في “الحرس الثوري”، الذي اغتيل مطلع السنة، أعلن أنّ إيران باتت تمتلك الأكثرية في مجلس النواب اللبناني؟ كان كلام سليماني مباشرة بعد انتخابات 2018.
الرجل يعيش في عالم آخر يمنعه من التعاطي مع الواقع اللبناني وتحوّل بيروت، على سبيل المثال وليس الحصر، قاعدة إعلامية وسياسية للحوثيين في اليمن
هناك عقاب إيراني للقطاع المصرفي اللبناني، الذي رفض قدر الإمكان، عن طريق رياض سلامة حاكم البنك المركزي، حماية البلد من عقوبات أميركية تعطّل نهائياً عمل المصارف. بغضّ النظر عن الأخطاء التي ارتكبها حاكم البنك المركزي وتجاوزات المصارف، تعتبر المطالبة بإعادة هيكلة القطاع المصرفي والشكوى من حجمه الكبير بمثابة محاولة انقلابية على كلّ المفاهيم والأسس التي مكّنت لبنان من الصمود في السنوات الـ51 الماضية، منذ توقيع اتفاق القاهرة المشؤوم في العام 1969.
مثل هذه الأمور المهمّة، من نوع الدور الذي لعبه “حزب الله” في تدمير المؤسسات اللبنانية والحياة السياسية في البلد، بطريقة مدروسة تعتمد سياسة النفس الطويل، لم تمرّ في بال حسّان دياب. لا يبدو أنّ رئيس الحكومة اللبنانية الجديد يعرف الكثير عن لبنان وتاريخ لبنان. الرجل يعيش في عالم آخر يمنعه من التعاطي مع الواقع اللبناني وتحوّل بيروت، على سبيل المثال وليس الحصر، قاعدة إعلامية وسياسية للحوثيين في اليمن ومكاناً تصدّر إليه ايران أزمة كورونا التي تعاني منها.
ليس بالكلام الكبير والشعارات والتوجّه إلى الذات لإرضاء ظاهرة نرجسية معيّنة، يمكن التصدي لحال الانهيار التي يعاني منها لبنان. ثمّة حاجة إلى الذهاب أبعد من ذلك، بل الذهاب إلى عمق الأزمة. في أساس الأزمة التي أدّت إلى الانهيار عزلة يعاني منها لبنان عربياً ودولياً والتدمير الممنهج لمؤسسات الدولة. كيف يمكن فكّ هذه العزلة؟ الأكيد أنّ هذا مستحيل في ظلّ “حكومة حزب الله” في “عهد حزب الله”… اللهم إلّا إذا جاء الفرج من إيران نفسها التي دخل نظامها مرحلة الترهّل. يبدو ذلك، للأسف الشديد، الأمل الوحيد بالنسبة إلى لبنان!