مصير لبنان1/2: علي عبد الله صالح… أو الكاظمي؟

مدة القراءة 4 د

إنّها آخر المعارك التي يُفترض أن يخوضها اللبنانيون للاختيار بين الدولة وبين كيانات مقسّمة متناحرة. يمكنهم استلهام مثال واحد، من استسلم في المنطقة، مثل بشار الأسد أو علي عبد الله صالح، كان مصيره إما الأسر الكامل أو القتل.

ومَن واجه كما هو الحال في العراق مثلاً، كان له حضوره وانتصاره. ومقتدى الصدر نموذج واضح، ومصطفى الكاظمي واجه ونجا وها هو يستمرّ.

لا بدّ للّبنانيين من الاختيار بين هذين المشروعين. أحدهما أنتج مشاريع جهادية متعدّدة قامت على استنهاض أحقاد تاريخية طائفية ومذهبية وقومية وثقافية، ذات بعد سياسي، وكانت أداتها الأساسية تدمير كلّ المؤسسات التي يجتمع المواطنون حولها، كما حدث في إيران حيث هُمِّش الجيش الإيراني لمصلحة الحرس الثوري، والإمساك المسلّح بكلّ القطاعات الاقتصادية والإنتاجية، وهو نموذج تمّ تعميمه في العراق من خلال الحشد الشعبي وتدمير الجيش العراقي، وإدخال العراق في أزمات كهربائية وغذائية وتعليمية هائلة بفعل ضرب المرتكزات الأساسية لمؤسسات الدولة وقدرتها. وهو ما جرى استنساخه في سوريا، حيث حاولت إيران إنشاء “قوات الدفاع الوطني” بديلاً للجيش السوري، وزرعت بذور الفُرقة الاجتماعية والمناطقية والطائفية، وهو أكثر ما يختبره اللبنانيون أيضاً.

إنّها آخر المعارك التي يُفترض أن يخوضها اللبنانيون للاختيار بين الدولة وبين كيانات مقسّمة متناحرة. يمكنهم استلهام مثال واحد، من استسلم في المنطقة، مثل بشار الأسد أو علي عبد الله صالح، كان مصيره إما الأسر الكامل أو القتل

طريق التنازلات الطويل

اختبر اللبنانيون طريق التنازلات على مدى طويل، ولا سيّما رؤساء حكومات منهم الذين قدّموا كلّ ما يلزم تحت شعار الحفاظ على الاستقرار والدولة، فنظروا إلى ما ملكته أيديهم ولم يجدوا غير الهباء، لا بل وجدوا أنفسهم خارج التأثير وخارج المعادلة. ما ينطبق على سُنّة لبنان يسري على سُنّة سوريا والعراق، علماً أنّ السُنّة هم المرادف العلميّ الأساسيّ والوحيد لِما تعنيه الدولة الوطنية. تُخاض المعركة من خلال محاولة خلق كيانات جديدة هدفها ضرب الكيانات المركزية، وهدفها الأبعد ضرب مرتكزات الدول الكبرى ذات الاقتصادات المزدهرة والقوة البشرية الكبيرة والثروات الهائلة.

تشير الأوضاع في العالم وفي منطقة الشرق الأوسط إلى مرحلة مشابهة لحقبة ما قبل الحرب العالمية الأولى وما بعدها، حين انتقل العالم من نظام إلى آخر. قبل 100 سنة، كان هناك مشروع لتصغير الكيانات، وإنهاء عصور الإمبراطوريات الكبرى. يومئذٍ قُسِّمت سوريا إلى 5 دويلات، في توجّه واضح لضرب حلم “القومية العربية” أو المملكة العربية المتحدة. لعبت تناقضات الدول على صراع القوميات لتصغير الكيانات، فكان مشروع تقسيم سوريا إلى دولة للعلويين، وأخرى للدروز، وثالثة للسنّة، ورابعة للأكراد، وخامسة للمسيحيين هي جبل لبنان. حينذاك اجتمع السوريون على عنوان الثورة السورية الكبرى والمطالبة بسوريا موحّدة، واستفادوا من مقوّمات قوّة ومن تناقضات دوليّة نجحوا عبرها في رفض المشروع.

إقرأ أيضاً: مستقبل الحزب: ميليشيا طالبان.. أو دولة الكاظمي؟

وإذا كان الصراع في تلك الفترة يقوم على عنصرين أساسيّين، صراع على منابع النفط، وسباق صناعي، فإنّ الصراع الحالي يرتكز على ممرّات النفط والغاز والتفوّق الاستثماري والتكنولوجي، وهو الذي يفرض الدخول في مثل هذه الحروب والمعارك لتدمير البنى الاجتماعية الوطنية، أو دولة المواطنة، لمصلحة خلق كيانات متناقضة دينياً أو طائفياً أو عرقياً أو ثقافياً. وإذا كان الصراع قبل 100 عام مداره الهوية القومية، فحالياً يتجلّى أفق الصراع في عناوين متخيّلة مثل “محور إيران” و”التوجّه شرقاً”، فيما للبنان لسانيّاته الأخرى، مثل “التحالف المشرقي” أو “تحالف الأقليّات”. وهذه كلّها تحتاج إلى مشروع سياسي مبني على فكرة واضحة قوامها الحفاظ على العروبة بمعناها الدولتي، ومردودها المنفعي والإيجابي على المواطنين والسكان في اختيار الاستقرار والتقدّم على حساب المعارك الدائمة. إنّه مشروع لا يمكن له أن يبقى محصوراً بلبنان، ولا ببلورة تحالفات انتخابية تقوم على هذا الأساس الجامع، بل يجب أن يتعدّى المرحلة الآنية والانتخابية، ويتخطّى الحدود اللبنانية إلى رحاب عربية وإنسانية أوسع يتّجه إليها كلّ مَن لديه إيمان بفكرة الدولة لا الدويلة، من المحيط إلى الخليج.

مواضيع ذات صلة

“استقلال” لبنان: سيادة دوليّة بدل الإيرانيّة أو الإسرائيليّة

محطّات كثيرة ترافق مفاوضات آموس هوكستين على وقف النار في لبنان، الذي مرّت أمس الذكرى الـ81 لاستقلاله في أسوأ ظروف لانتهاك سيادته. يصعب تصور نجاح…

فلسطين: متى تنشأ “المقاومة” الجديدة؟

غزة التي تحارب حماس على أرضها هي أصغر بقعة جغرافية وقعت عليها حرب. ذلك يمكن تحمّله لسنوات، لو كانت الإمدادات التسليحيّة والتموينية متاحة عبر اتصال…

السّودان: مأساة أكبر من غزّة ولبنان

سرقت أضواء جريمة الإبادة الجماعية التي ترتكبها إسرائيل في غزة، وجرائم التدمير المنهجي التي ترتكبها في مدن لبنان وقراه، الأنظار عن أكبر جريمة ضدّ الإنسانية…

على باب الاستقلال الثّالث

في كلّ عام من تشرين الثاني يستعيد اللبنانيون حكايا لا أسانيد لها عن الاستقلال الذي نالوه من فرنسا. فيما اجتماعهم الوطني والأهليّ لا يزال يرتكس…