ميقاتي يفرز الأراضي ويبيعها على كوكب زحل

مدة القراءة 3 د

يتحدّث رئيس الحكومة نجيب ميقاتي من كوكبه الآخر عن تقدّم في مسار التفاوض مع صندوق النقد الدولي، ويعبِّر عن أمله بتوقيع مذكّرة تفاهم في القريب العاجل. يعرف أنّ هذا هو المسار الوحيد الممكن لكبح الموجة التالية لانهيار الليرة، لكنّه أشبه بمَن يفرز الأراضي على كوكب زحل لبيعها.

 

تشير أرقام القطاع المالي إلى خطر كبير محدق بالعملة الوطنية. فبعد فائض طفيف سجّله ميزان المدفوعات اللبناني في تموز الماضي، وكان أوّل فائض بعد 19 شهراً متتالياً من العجز، عاد إلى تسجيل عجوزات كبيرة، باستثناء شهر أيلول الذي استقبل لبنان فيه حصّته من حقوق السحب الخاصة في صندوق النقد الدولي بقيمة 1.1 مليار دولار. وإذا كانت تلك الهديّة من صندوق النقد قد هدّأت الدولار لبعض الوقت، فإنّ مفاعيلها تبدّدت سريعاً بفعل إشكال الطيّونة، وما تلاه من تعطيل لمجلس الوزراء، ثمّ الأزمة مع دول الخليج.

في شهر آب وحده، وصل عجز ميزان المدفوعات إلى 593 مليون دولار، وهو رقم مخيف بالنظر إلى أنّ أشهر الصيف يُفترض أن تحمل تدفّقاً إيجابيّاً للعملة الصعبة من السيّاح والمصطافين. أمّا أن يصل العجز إلى هذا الحدّ، فهذا يعني أنّ الفرصة ضاعت، وأنّ الاستنزاف في الأشهر التالية سيكون أقسى.

يتحدّث رئيس الحكومة نجيب ميقاتي من كوكبه الآخر عن تقدّم في مسار التفاوض مع صندوق النقد الدولي، ويعبِّر عن أمله بتوقيع مذكّرة تفاهم في القريب العاجل

وأمام هذا الواقع، يدرك جميع مَن يعنيهم الأمر أنّ تفادي موجة الانهيار التالية لليرة ليس ممكناً إلا من خلال توفير تمويل عاجل للحساب الجاري من صندوق النقد الدولي، ومن العملة الصعبة التي توفّرها قروض البنك الدولي، لعلّ ذلك يمنحنا بعض الوقت لإصلاح العلاقات المتأزّمة مع دول الخليج، والتفاوض مع حاملي اليوروبوندز، للعودة تدريجيّاً إلى أسواق رأس المال.

هذا السبيل مغلق تماماً في ظلّ تعطيل الحكومة والأزمة مع الخليج. يتحدّث ميقاتي أمام المجلس الاقتصادي الاجتماعي عن تقدّم في إدارة الملفّات الاقتصادية والمالية، فيما لا يستطيع عقد اجتماع لحكومته. وكان قد صرّح قبل أسابيع بأنّه يأمل التوصّل إلى اتفاق إطاريّ في نهاية العام، وأن تكون القوانين الخاصّة بالاتفاق مع الصندوق جاهزة للعرض على مجلس النواب في الفترة الفاصلة بين انتخاب المجلس النيابي المقبل في آذار 2022 إذا حصلت، وانتهاء ولاية المجلس الحالي في أيار، فيما هو يعلم علم اليقين أنّ التفاوض مع صندوق النقد الدولي لا يمكن أن يتقدّم من دون وجود حكومة قادرة على الحكم وتقديم التعهّدات.

إقرأ أيضاً: رفع الدولار الجمركي 600%: استعدّوا لموجة تضخّم عاتية

مواضيع ذات صلة

آثار النّزوح بالأرقام: كارثة بشريّة واقتصاديّة

لم تتسبّب الهجمات الإسرائيلية المستمرّة على لبنان في إلحاق أضرار مادّية واقتصادية مدمّرة فحسب، بل تسبّبت أيضاً في واحدة من أشدّ أزمات النزوح في تاريخ…

استراتيجية متماسكة لضمان الاستقرار النّقديّ (2/2)

مع انتقالنا إلى بناء إطار موحّد لمكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب، سنستعرض الإصلاحات الهيكلية التي تتطلّبها البيئة التنظيمية المجزّأة في لبنان. إنّ توحيد الجهود وتحسين…

الإصلاحات الماليّة الضروريّة للخروج من الخراب (1/2)

مع إقتراب لبنان من وقف إطلاق النار، تبرز الحاجة الملحّة إلى إنشاء إطار متين وفعّال للامتثال لمكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب. تواجه البلاد لحظة محورية،…

لبنان “البريكس” ليس حلاً.. (2/2)

على الرغم من الفوائد المحتملة للشراكة مع بريكس، تواجه هذه المسارات عدداً من التحدّيات التي تستوجب دراسة معمّقة. من التحديات المالية إلى القيود السياسية، يجد…