الدولة بين حسن غصن وعلي شبلي

مدة القراءة 5 د

وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَمَن قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا فَلَا يُسْرِف فِّي الْقَتْلِ ? إِنَّهُ كَانَ مَنصُورًا[ (الآية 33 من سورة الإسراء).

تختصر هذه الآية القرآنية إشكال خلدة بين حزب الله من جهة، والعشائر العربية من جهة أخرى. قُـتِل حسن زاهر غصن عام 2020 بدمٍ بارد من أجل صورة علّقها علي شبلي واعترض عليها البعض، وكان المغدور حسن غصن بينهم فأصابته رصاصة شبلي فوقع على الأرض أمام عيني والدته التي هُرعت إليه دون جدوى، إذ كان قد فارق الحياة.

تدخّل الكثيرون من وسطاء ومشايخ عشائر، ودائماً كان السعي عنوانه محاسبة القاتل، فتعهّدت الدولة وأجهزتها بالقبض على الفاعل ومحاسبته، وتعهّدت مرجعيّته السياسية برفع الغطاء عنه تسهيلاً لمحاسبته، وتعهّدت العشائر، وهي وليّة الدم، بعدم التصعيد إفساحاً في المجال للدولة وسلطتها.

لو سُمِح للأجهزة الأمنيّة بتوقيف علي شبلي، وللقضاء بمحاكمته، ما كانت الأمور لتذهب إلى هذا الكمّ من التوتّر والقتل. ولو سُمح للأجهزة الأمنيّة، وللقضاء بمحاسبة كلّ مَن يحمل السلاح غير الشرعي لما كان بين أيدي الناس، من محازبين أو عشائر، سلاحٌ كي يقتلوا الأبرياء به

بعد 7 أشهر كان علي شبلي يتنقّل من منتجع سياحي إلى آخر، متفاخراً بظهوره في الأماكن العامة التي لا تبعد عن منزل الفقيد سوى القليل من الكيلومترات، إن لم نقُل الأمتار. وأكثر من ذلك بات يتباهى أنّه حرّ، وأن لا أحد يمكنه توقيفه.

في 1/8/2021 في أحد المنتجعات تلك، تقدّم أحمد شقيق حسن وأخرج مسدسه وأطلق رصاصاته على علي شبلي، فخرّ الأخير صريعاً على الأرض أمام أعين والدته أيضاً. حتى هذه اللحظة، تسير الأمور مساراً طبيعياً لا قانونياً، فالقاتل قد قُتِل على نفس الهيئة التي ارتكب بها جريمته.

أوقف حزب الله قاتل علي شبلي، وخلال ساعتين أقدم على تسليمه لاستخبارات الجيش اللبناني. وهذا التصرّف هو رسالة واضحة من الحزب وقيادته بأنّه يريد أن ينهي القضية عند هذا الحدّ. ثمّ تُرجِم بطلب الحزب عدم إطلاق الرصاص واستفزاز الناس في موكب التشييع، وهذا ما لم يحصل. وصل موكب التشييع إلى المكان الذي سقط فيه الطفل حسن غصن، حيث وُضعت له صورة كبيرة، وأطلقوا النار عليها، وقاموا بنزعها مطلقين النار بالهواء، فأقدم بعض الشبّان من العشائر على إطلاق النار عليهم، فكان ما كان، وسقط أربعة أشخاص، واحد منهم طبيب لا علاقة له بشيء، وثلاثة منهم كانوا يحملون السلاح وذخائره.

في السياق الطبيعي، ودائماً بعيداً عن القانون، قام وليّ الدم بقتل القاتل، لكنّ هذا الوليّ أسرف في القتل في اليوم الثاني، كما تقول الآية الكريمة، “وإن كان الشرع قد منحه سلطان ولاية الدم، أي بقتل القاتل أو الحصول على ديّة نقدية”.

الدولة الغائبة هي كالمال السائب الذي يعلّم الناس السرقة. فعندما تغيب الدولة يستسهل الناس القتل، وفعل السرقة، وفعل الاعتداء وارتكاب كلّ الموبقات

لقد أخطأ المشيّعون باستفزاز العشائر من خلال الاعتداء على صورة الفقيد حسن. كذلك أخطأ شبّان العشائر بإطلاق الرصاص المباشر على المشيّعين بقصد القتل على الرغم أنّهم كانوا قادرين على إطلاق النار بالهواء لتفريق المستفزّين والمعتدين على صورة فقيدهم.

بعيداً عن الرواية الشرعية ومصطلحاتها من ولاية الدم، مروراً بالثأر، وانتهاء بالإسراف، كان يمكن للطرفين الاستغناء عن كل ذلك لو كانت الدولة وسلطتها موجودتين ليس بملّالات الجيش لفصل المتناحرين، ولا باتصالات الاستنكار من المسؤولين السياسيين، بل بقوة القضاء وفعالية وهيبة القوى الأمنيّة.

لو سُمِح للأجهزة الأمنيّة بتوقيف علي شبلي، وللقضاء بمحاكمته، ما كانت الأمور لتذهب إلى هذا الكمّ من التوتّر والقتل. ولو سُمح للأجهزة الأمنيّة، وللقضاء بمحاسبة كلّ مَن يحمل السلاح غير الشرعي لما كان بين أيدي الناس، من محازبين أو عشائر، سلاحٌ كي يقتلوا الأبرياء به.

هو غياب الدولة الذي قتل حسن غصن، وهذا الغياب أيضاً هو مَن قتل الضحايا الأربعة الذين سقطوا يوم الأحد.

الدولة الغائبة هي كالمال السائب الذي يعلّم الناس السرقة. فعندما تغيب الدولة يستسهل الناس القتل، وفعل السرقة، وفعل الاعتداء وارتكاب كلّ الموبقات.

إقرأ أيضاً: مداهمات خلدة مستمرّة والجيش تفادى الأفظع!

لا تسألوا علي شبلي لماذا قتل حسن غصن، فمَن أعطاه السلاح، وربّما رخصته، كان يقول له: “إفعل ما تشاء، نحن خلفك”، ولا تسألوا شقيق حسن لماذا قتل علي شبلي، فمَن أعطاه السلاح هو أيضاً مَن قال له “حقّك تأخذه بيدك”. ولا تسألوا شباب العرب لماذا قتلوا 4 من المشيّعين، فلقد قالوا لهم جميعاً إنّ البقاء للأقوى، وإنّه لا دولة تحمي وتحصّل الحقوق.

ما حصل في خلدة من الممكن أن يحصل، لا بل يحصل أسبوعياً في بريتال والهرمل وعرسال وعين بورضاي وعلى الطريق الدولية في البقاع، حيث الخطف والسلب والافتراء على الناس. حرِّروا الدولة قبل أن تعتقلوا مطلقي النار، فتحرير الدولة وحدها يلغي النار ومطلقيها.

مواضيع ذات صلة

رُمّانة ماجدة الرومي ليست هي السبب!

المطربة والفنانة اللبنانية الشهيرة ماجدة الرومي، كانت نجمة الأيام القليلة الفارطة، ليس بسبب إبداعها وجمال صوتها “الكريستالي”، ولا بروائع أعمالها الغنائية، وهي تستحق هذا كله،…

“استقلال” لبنان: سيادة دوليّة بدل الإيرانيّة أو الإسرائيليّة

محطّات كثيرة ترافق مفاوضات آموس هوكستين على وقف النار في لبنان، الذي مرّت أمس الذكرى الـ81 لاستقلاله في أسوأ ظروف لانتهاك سيادته. يصعب تصور نجاح…

فلسطين: متى تنشأ “المقاومة” الجديدة؟

غزة التي تحارب حماس على أرضها هي أصغر بقعة جغرافية وقعت عليها حرب. ذلك يمكن تحمّله لسنوات، لو كانت الإمدادات التسليحيّة والتموينية متاحة عبر اتصال…

السّودان: مأساة أكبر من غزّة ولبنان

سرقت أضواء جريمة الإبادة الجماعية التي ترتكبها إسرائيل في غزة، وجرائم التدمير المنهجي التي ترتكبها في مدن لبنان وقراه، الأنظار عن أكبر جريمة ضدّ الإنسانية…