يُفترض أن تأخذ أحداث خلدة حيّزاً من كلمة الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله يوم السبت المقبل في ذكرى حرب تموز، في وقت رُسِمت علامات استفهام كبرى حول إدارة الحزب لـ “الخلاف الصدامي” مع العشائر العربية في آب الماضي، وصولاً إلى القتل الثأري الموثّق على هواتف المدعوّين إلى زفاف “البانجيا”، انتهاءً بإطلاق الرصاص على موكب تشييع المسؤول في حزب الله علي شبلي في خلدة، في مشهد دموي قاسٍ كان يمكن أن يقود إلى “جهنّم” فتنويّة.
يكتسب موقف قائد الجيش العماد جوزيف عون من حاصبيا في اليوم التالي لأحداث خلدة أهميّة لافتة، وقد أتى في إطار الردّ المباشر على اتّهامات طالت المؤسسة العسكرية بالتقصير، وصولاً إلى التواطؤ المباشر.
الجيش، وفق المطّلعين، لم يكن أمام مجموعات عسكرية معادية يَسهل اصطياد عناصرها. فحاملو السلاح تحصّنوا في المنازل والبنايات وبين الناس، ثمّ انتقلوا إلى سطوح الأبنية
وتضمّنت الرسالة، بعيداً عن صيغة المصادر العسكرية، تأكيداً على دور الجيش في هذه المرحلة الصعبة والمصيرية، وطلبت “عدم الانجرار خلف الأصوات الشاذّة المُفبرِكة والمشوِّهة للحقائق التي تحاول حرف الجيش عن مساره، ولا خلف انتقادات وشائعات بتنا نعرف مَن وراءها، وتهدف إلى جرّ البلاد إلى استفزازات لا تُحمد عقباها”.
وكان بيان قيادة الجيش العالي النبرة، بعد وقوع الاشتباك المسلّح، الذي هدّد “بإطلاق النار على كلّ مسلّح يكون على الطريق في منطقة خلدة، وكلّ مَن يُقدم على إطلاق النار من أيّ مكان آخر”، قد تماهى مع الأداء على الأرض الذي، بتأكيد مطّلعين، لا يُصنّف في خانة التقصير، بل في سياق محاولة تفادي الأسوأ والأفظع.
فالجيش، وفق المطّلعين، لم يكن أمام مجموعات عسكرية معادية يَسهل اصطياد عناصرها. فحاملو السلاح تحصّنوا في المنازل والبنايات وبين الناس، ثمّ انتقلوا إلى سطوح الأبنية. وفي حالات من هذا النوع، من شأن وجود الجيش كـ”قوات فصل” بين الطرفين أن يُحدث مجزرة حقيقية لا أحد قادراً على توقّع تداعياتها. نتحدّث هنا عن أمتار قليلة تفصل بين تلّة عرب خلدة وفيلا علي شبلي، وعن تحصّن الفريق الأول داخل الأبنية، والفريق الثاني في الفيلا.
وفق المعلومات، شهدت الساعات الماضية اجتماعات تنسيقية بين المفتي عبد اللطيف دريان وممثّلين عن الرئيس نبيه بري الذي شكّل حلقة الوصل مع حزب الله، وزارت دريان وفودٌ من رجال الدين والعشائر العربية.
وتشترط عشائر “عرب خلدة” من أجل تسليم الدفعة الأولى من المتورّطين منها، أن يقوم حزب الله بالمثل فيسلِّم دفعةً شاركت في إطلاق النار أيضاً، ولا سيّما أنّه توجد فيديوهات توثّق إطلاق النار من فيلا علي شبلي.
وفق المعلومات، شهدت الساعات الماضية اجتماعات تنسيقية بين المفتي عبد اللطيف دريان وممثّلين عن الرئيس نبيه بري الذي شكّل حلقة الوصل مع حزب الله، وزارت دريان وفودٌ من رجال الدين والعشائر العربية
ولعلّ الخطورة الكبرى لكمين خلدة تمثّلت في أمرين:
– الأوّل هو محاولة كسر هيبة الجيش، المُستنزَف أصلاً في ظلّ الاستعراض المتكرّر لمجموعات مسلّحة، ومن مختلف الانتماءات، أمام القوى الشرعية، فيما تنشغل السلطة اليوم عن الأزمات الخطرة، على نحو وقح، في تقسيم خارطة النفوذ في الحكومة المقبلة، وتغرق في فنجان توزيعة الحقائب السيادية واختيار الوزراء.
وفي هذا السياق، لا فارق بين الاستعراض المسلّح لعشائر “عرب خلدة” في يوم تشييع الطفل حسن غصن في 28 آب 2020، وبين مشهد التشييع “المسلّح” للمغدور علي شبلي قبل أيام، الذي أدّى إلى أن تطلق عناصر من “عرب خلدة” النار على المشاركين فيه بسبب ما قيل إنّها “استفزازات ومحاولة لعب بالنار”.
– الثاني كان احتمال تمدّد “مشروع الفتنة” في خلدة صوب مناطق تماس أخرى ساحلاً وبقاعاً وشمالاً، وهو المحظور الأكبر الذي ضغط الجيش من خلال أدائه على الأرض والاتصالات التي تولّاها مع المعنيّين لعدم حدوثه. وهنا تسقط فعلياً نظرية الطابور الخامس. فحضور هذا “الطابور” لم يكن ليؤدّي إلى الحسم العسكري سريعاً، وكان يمكن أن يفتح “أبواب جهنّم” في مناطق أخرى من ضمن أمر عمليّات معيّن.
وقد واجه حزب الله سريعاً تهمة التغطية على عدم تسليم علي شبلي الذي اشتُبه بتورّطه بقتل الشاب حسن غصن في آب الماضي، ورفضه تسليم آخرين مع وجود بلاغات بحثٍ وتحرٍّ بحقهم (طرحت آنذاك فكرة تسليم مطلوبين من الطرفين)، وعدم الضغط لإتمام مصالحة “كاملة” مع عرب خلدة تنزع فتيل اللغم الثأري. إذ إنّ المعالجة “السياسية” التي لم تحصل هي التي أبقت بؤرة التوتّر “ناشطة” طوال عام كامل لم يكتفِ خلاله “عرب خلدة” بقرار إبعاد شبلي ثلاث سنوات عن منزله ومركز عمله.
لكنّ قيادة الحزب، وبتأكيد الأجهزة الأمنية كافّة، لعبت دور “الإطفائي” بين مشهد الجيّة وواقعة خلدة، فضغطت بشكل كبير لتفادي أخذ الحقّ باليد، والدليل تسليمها فوراً قاتل علي شبلي، الذي قبضت عليه بعد عملية القتل. وضغط الحزب على ذوي الضحيّة لعدم مرور موكب التشييع أمام منزله، ولم يحضر الحزب بثقله “المسلّح” يوم التشييع وفق ما يحصل عادة. لكنّهم لم يلتزموا بقرار عدم المرور أمام المنزل، مكان وقوع الاشتباك.
وهو واقع أدّى، وفق المعلومات، إلى حصول توتّر بين الحزب وذوي شبلي، وصولاً إلى استقدام عناصر مُدجّجة بالسلاح من مناطق بقاعية في بوداي واللبوة، وازت في “جهوزيّتها” عناصر “عرب خلدة” الذين كانوا بدورهم مدجّجين بالسلاح. وبدا لافتاً عدم “لفّ” نعش علي شبلي بعلم حزب الله.
وتؤكّد المعلومات أنّ عدداً من المطلوبين غادر خلدة إلى البقاع بعد الاشتباكات. وهو الأمر الذي تنفيه أوساط العشائر العربية، مؤكّدة أنّ كلّ ما تطلبه المؤسسات الأمنية والقضائية سنكون على استعداد كامل لتلبيته
حالياً، لا يزال الهدوء يسيطر على بؤرة التوتّر في منطقة خلدة، والجيش موجود بعديده اللازم تحسّباً لأيّ طارئ، بالتزامن مع ما يشبه “حالة الاستنفار” لمواكبة ذكرى الرابع من آب اليوم، فيما المداهمات مستمرّة، وقد أسفرت حتى الآن عن توقيف خمسة مطلوبين. مع الإشارة إلى أنّهم قاموا بتسليم أنفسهم بالتنسيق مع استخبارات الجيش.
وقد علم “أساس” أنّ اللائحة التي بحوزة الجيش تتضمّن نحو 20 مطلوباً سلّم حزب الله جزءاً كبيراً منهم إلى الجيش.
والشيخ عمر موسى المعروف بـ”عمر غصن”، الذي سلّم نفسه يوم الاثنين بعد ساعات من المفاوضات، ومعه نجله غازي، سبق أن أوقفته شعبة المعلومات إثر انفجار الشويفات الانتحاري عام 2014. إذ كان الشيخ غصن سائق “الفان” الذي ركب معه انتحاري الشويفات، وطلَب منه يومها أن يقلّه إلى مخفر الدرك في عرمون. وبعد الاشتباه بوجود حزام ناسف معه، حصل تلاسن واشتباك معه، حسب رواية غصن، فهرب الانتحاري، ثمّ حصل الانفجار في منطقة قريبة.
وأُوقِف أيضاً كلٌّ من إبراهيم شاهين (قاصر) وسهيل نوفل. وأُوقِف سوريّ من آل خليل، وقد تعرّض للإصابة أثناء وجوده على أحد أسطح البنايات، وادّعى في التحقيقات التي أجريت معه أنّه ناطور البناية، وقد صعد إلى السطح لمعاينة ما يحدث.
وتؤكّد المعلومات أنّ عدداً من المطلوبين غادر خلدة إلى البقاع بعد الاشتباكات. وهو الأمر الذي تنفيه أوساط العشائر العربية، مؤكّدة أنّ “كلّ ما تطلبه المؤسسات الأمنية والقضائية سنكون على استعداد كامل لتلبيته”.
إقرأ أيضاً: شهوة الدم بين المدنيين
وتُجمِع الآراء الأمنية على حصول كمين حقيقي كان ينتظر أيّ ردّة فعل من موكب التشييع. وكانت هذه الحادثة متوقّعةً في ظل الاحتقان القائم بسبب تمزيق صورة الطفل الشهيد حسن غصن، فاكتمل بها الجزء الثاني من عملية الثأر.
ويبدو أنّ ملفّ خلدة، ومن خلال التوقيفات التي حصلت، قد فتح بشكل أوسع ملفّ قطع طريق الجنوب بعد مرحلة 17 تشرين.