الإنتخابات: الإستعدادات للمجتمع المدنيّ و”التجييش” للسلطة

مدة القراءة 5 د

لا ضمانات سياسية تؤكّد أنّ الانتخابات النيابية ستجري في موعدها المنتظر، الربيع المقبل، وتحديداً في شهر أيّار. وحده ضغط المجتمع الدولي هو المؤشّر الجدّي إلى أنّ الدول المعنيّة بالملفّ اللبناني تسعى جاهدة إلى دفع السلطة اللبنانية إلى احترام المواعيد الدستورية. أمّا تلك الأخيرة فقد تكون حساباتها الانتخابية عائقاً صعباً أمام هذا الاستحقاق، خصوصاً أنّ الاستطلاعات تدلّ على تراجع حضور العديد من القوى السياسية، وفي طليعتها “التيار الوطني الحر”، الشريك المسيحي الأبرز لقوى الثامن من آذار التي تقبض على الأكثرية النيابية. وقد يؤدّي تراجع العونيّين إلى تراجع هذه الأغلبيّة، إن لم يكن خسارتها.

لذا ليس مستبعداً احتمالُ تأجيل الانتخابات. مع ذلك تتصرّف كل الأحزاب والقوى السياسية على أساس أنّ الاستحقاق قائم في زمانه، وما سياسة شدّ العصب، التي تتخلّل خطابات المسؤولين، إلا دليل ساطع على أنّ هذه الأطراف بدأت استعداداتها العمليّة لدخول مدار الانتخابات.

يعمل حزب الكتائب على توسيع نطاق تحالفاته مع مجموعات من “الثورة”، إلى جانب نواب مستقيلين، منهم، على سبيل المثال، ميشال معوّض ونعمت إفرام

فها هو رئيس تيار المستقبل سعد الحريري يلجأ إلى حضن طائفته استعداداً لسيناريو الاعتذار وخوض الانتخابات من بين صفوف المعارضة، فيما رئيس “التيار الوطني الحر” جبران باسيل يشمّر عن ساعديه لفتح نار المواجهة مع “القوات” لشدّ عصب الجمهور المسيحي، كما مع رئيس مجلس النواب نبيه بري، أسوة بما فعله في الاستحقاق السابق حين وصفه بـ”البلطجي”. وحده رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي يسلك درباً معاكساً باتجاه أبناء طائفته من باب تخفيف الاحتقان والعمل على تذليل الخلافات…

في المقابل، تُرصد حركة لافتة بين ما يُسمّى مجموعات الحراك المدني أو “الثورة” أو بعض النواب المستقيلين الذين قرّروا الخروج باكراً من المنظومة السياسية، التي تحالفوا معها لدخول برلمان 2018، وذلك من باب بناء تحالفات جديدة خارج تلك الشبكة الموصومة بعار جرّ البلاد إلى الانهيار والانفجار.

ويتبيّن، وفق المتابعين، أنّ هذه القوى لا تزال تتحرّك ضمن مجموعات منفصلة، فيما تمكّن بعضها من تشكيل إطار جامع. وينصبّ الجهد حاليّاً على تقريب المسافات وتذليل العقبات أمام التحامها ضمن مجموعة واحدة قادرة على خوض الاستحقاق بشكل موحّد، وعلى أساس مشروع واحد مُقنِع. في الواقع، يكاد يكون تفاهم هذه المجموعات التحدّي الأبرز والمهمّة الأصعب التي تواجه هذه القوى، مع العلم أنّ معظمها ليس طارئاً على الحياة السياسية، وبينها أحزاب عتيقة، وأنّ العديد منها خاض تجربة الانتخابات الماضية وصار لديه من الخبرة ما يكفي لتجاوز الحواجز المانعة.

وتكمن أهميّة تفاهم هذه القوى في كون فشلها سيكون هديةً على طبق من فضة للقوى التقليدية التي ستقدّم نفسها للرأي العام أنّها الأكثر قوّة مقارنة بالمجموعات التي ستقدّم نفسها بديلاً، وإذا لم تتمكّن الأخيرة من خوض الاستحقاق موحّدة أو متفاهمة بالحدّ الأدنى وعلى أساس مشروع مُقنع، فإنّها ستكون بذلك تقدّم خدمة ذهبيّة لخصومها.

ينشط يساريّون، بالتنسيق مع الحزب الشيوعي ومجموعات معارضة قريبة من هذا الخطّ، لتجميع أنفسهم ضمن لوائح واحدة. في المقابل، نشأت تنظيمات جديدة لم تلتحق بأيّ من المجموعات، بينها مثلاً “نحو الوطن” الذي يتردّد أنّه بدأ عمله التقني والعملاني على الأرض

حتى الآن، يتبيّن أنّ هذه القوى لا تزال تحاول التخفيف من وزن خلافاتها الزائد، ولا تزال تتحرّك ضمن مجموعات منفصلة، لكنّ بعضها قطع شوطاً لا بأس به من التنسيق، ونجح في إطلاق مبادرة إنقاذيّة، ووجّه نداء إلى الآخرين لتشكيل أوسع جبهة سياسية تخوض الانتخابات النيابيّة بلوائح موحّدة. وقد جمع هذا النداء كلّاً من “الكتلة الوطنيّة”، “المرصد الشعبي لمحاربة الفساد”، “تحالف وطني”، “بيروت مدينتي”، “منتشرين”، “شباب 17 تشرين”، “ستريت”، “ثوّار بيروت”، “زغرتا الزاوية”، “زحلة تنتفض”، “لقاء البقاع الثوري”، “شباب طرابلس”، “نقابيّون أحرار”، “حماة الدستور”، “وطني هويّتي”، و”ثورة لبنان”.

من جهته، يعمل حزب الكتائب على توسيع نطاق تحالفاته مع مجموعات من “الثورة”، إلى جانب نواب مستقيلين، منهم، على سبيل المثال، ميشال معوّض ونعمت إفرام.

على خطّ ثالث ينشط يساريّون، بالتنسيق مع الحزب الشيوعي ومجموعات معارضة قريبة من هذا الخطّ، لتجميع أنفسهم ضمن لوائح واحدة. في المقابل، نشأت تنظيمات جديدة لم تلتحق بأيّ من المجموعات الثلاث، بينها مثلاً “نحو الوطن” الذي يتردّد أنّه بدأ عمله التقني والعملاني على الأرض استعداداً للاستحقاق، وشرع يلتقي مرشحين محتملين، ويعمل على تجهيز المنصّات الإلكترونية للتفاعل مع الرأي العام.

إقرأ أيضاً: حكومة انتخابات: المجتمع الدولي… لعزل الحريري وسلامة؟

من جهة أخرى، تتكثّف الاجتماعات بين قيادات عونية سابقة والنائب شامل روكز لرسم إطار موحّد لخوض الاستحقاق.

اللافت في هذه المشهدية هو الدعم التقني الذي تبدي مؤسسات دولية عديدة استعدادها لتقديمه، ولا سيّما إلى مجموعات الحراك المدني لكي تكون بكامل استعدادها لمواجهة الاستحقاق، حيث سيكون استحقاق نقابة المهندسين أوّل الاختبارات الحقيقية لهذه القوى… فيما “تلهث” قوى السلطة لإقرار البطاقة التمويلية لتكون “فتات” رشوتها للناخبين.

مواضيع ذات صلة

التّمديد في زمن “النّكبة”: عجقة اقتراحات وفَصْل عن الرّئاسة

بين الخامس من تشرين الثاني الحالي و20 كانون الأول الثاني تاريخ تسلّم إدارة دونالد ترامب مقاليد السلطة ثمّة حقائق ستكرّس نفسها وتكون “شريكة” في رسم…

هوكستين إلى تل أبيب: هدنة خلال أسبوعين؟

لا وقت ضائعاً هذه المرّة بين الولاية والولاية. فالرئيس جو بايدن سبق أن اتّصل بالرئيس دونالد ترامب ودعاه إلى البيت الأبيض لتحقيق انتقال سلس للسلطة،…

الحزب مستمرّ… رغم التخوّف من ضرب المرافق الحيويّة والمطار

بعدما حُسمت الانتخابات الأميركية بوصول دونالد ترامب إلى الرئاسة الأميركية وفي ظلّ استمرار العدوان الإسرائيلي على لبنان دون توقّف واستمرار المواجهات الحدودية بين المقاومة الإسلامية…

مؤشّرات وقف إطلاق النّار… قبل نهاية العام؟

يواصل العدوّ الإسرائيلي عدوانه الهمجيّ على لبنان مرتكباً المجازر تلو الأخرى، غير عابىء بأيّ ضوابط دولية قد تلجمه أو تضع حدّاً لشراسة الهجمات التي ينفّذها…