الحزب يستنجد بإيران لمواجهة بكركي: أيّ حوار؟

مدة القراءة 5 د

من يتابع كواليس الأيام التي سبقت “سبت استنهاض الهمم الوطنية” في بكركي، بعد وصول الأوضاع السياسية والاقتصادية إلى الطريق المسدود، يجد أنّ البطريرك بشارة الراعي تعرّض لسلسلة ضغوط اتّخذت أشكالًا مختلفة، ونقلتها شخصيات عدّة. كان هدفُها الأساس تحييد سلاح “حزب الله” عن خطاب البطريرك، والتخفيف من لهجة الرفض لفشل الحكم في إنقاذ لبنان، والأهم منع القوى السيادية من الدخول إلى قلب بكركي والتموضع حول سيّدها، والسعي لوقف استدامة التقاء هذه القوى، وتعطيل التنسيق في ما بينها، للإبقاء على الواقع كما هو، وإسقاط محاولة التغيير السلمي التي يطرحها البطريرك الراعي من خلال المؤتمر الدولي لأجل لبنان، لصيانة الدستور والحفاظ على العيش المشترك.

لم يكن ردُّ الأمين العام لـ”حزب الله” حسن نصرالله على طروحات بكركي، والتهديد بالحرب الأهلية، سوى إشارة الانطلاق لمساعي تعطيل ما يعتزم البطريرك الراعي القيام به ذلك السبت، فكانت الهجمة المتواصلة من نواب التيار الوطني الحرّ، الذين حاولوا تبرير فِعلة كبيرهم، بتوجيه رسالة الشكوى إلى الفاتيكان ضدّ بطريرك الموارنة، ثم جرّبوا سرقة طروحاته عبر الادّعاء بأنّ خطاب بكركي هو خطاب التيار البرتقالي.

بعد سبت 27 شباط وجد “حزب الله” نفسه أمام وقائع جديدة، لا تحاصر رئيس الجمهورية وتياره في الساحة المسيحية فقط، بل تحاصر الحزب نفسه، بعد انكشاف حليفه المسيحي أمام خطاب الكنيسة المتّشح بالوطنية والمتمسك بالطائف والدستور، ورفض أيّ تغيير يمسّ الكيان.

لم يكن ردُّ الأمين العام لـ”حزب الله” حسن نصرالله على طروحات بكركي، والتهديد بالحرب الأهلية، سوى إشارة الانطلاق لمساعي تعطيل ما يعتزم البطريرك الراعي القيام به ذلك السبت

جاء موقف البطريرك الراعي مع “لقاء سيدة الجيل”، و”المبادرة الوطنية” و”التجمّع الوطني” يوم الجمعة الفائت، ويوم السبت في لقاء التضامن الكبير مع بكركي، ليؤكِّد على الملَأ أنّ خط الشرعية التاريخية المسيحية، هو خطّ الشراكة الإسلامية المسيحية: الدستور، وثيقة الوفاق الوطني، وقرارات الشرعية الدولية. وما حدث في بكركي شكّل مسمارًا كبيرًا في نعش الثنائية المارونية – الشيعية، التي عاش وهمَها بعضُ الموارنة من جهة، والشيعة من جهة ثانية، باعتبار أنّها كافية لحكم لبنان. وما حصل أنّ المرجعية المسيحية الأعلى في لبنان والمشرق، نزعت الغطاء عن “حزب الله” في الشارع المسيحي.

في المقابل، حقّق المسيحيون بعد يوم التضامن مع بكركي إنجازات ثلاثة:

ـ أسقطوا غطاء الرئيس عون وأوهام إنجازاته.

ـ غادروا الخوف من مواجهة “حزب الله”.

ـ استعادوا وحدة الساحة المسيحية على عناوين جامعة، بعدما فرّقتها نزاعات الأحزاب المسيحية، سواء بين القوات وعون وتياره، أو بين الكتائب والقوات. والآن استعاد الجمهور المسيحي وحدة الموقف، وأصبح عون محشورًا في الزاوية، وباسيل عاد ليسترضي البطريرك بعدما بعث إلى الفاتيكان مذكّرة تتحدّث عن ضياع حقوق المسيحيين في لبنان.

الأهمّ في هذا المسار، تنشيط الاتصالات بين قيادات تشارك في تحركات الثورة، تنتمي إلى حزبي القوات اللبنانية والكتائب، وانعقاد لقاءات تؤسّس لتفاهم حول كيفية مواكبة الفرصة التي تتيحها مبادرة بكركي، وهذا من شأنه أن يقدِّم مقاربات جديدة، تتيح لقيادتَيْ الحزبين الخروج من مأزق الاشتباك الحاصل، المبني على الاختلاف في وجهات النظر حول إدارة الصراع مع “حزب الله”.

راهن “حزب الله” على ما يمكن أن يصدر عن البطريرك الراعي من توضحيات بشأن خطابه أمام الآلاف الخمسة عشر في بكركي، لكنّ مقابلته مع قناة “الحرّة” لم تعطِه ما كان يطمح إليه من تراجع عن الثوابت التي أطلقها، وعن المؤتمر الدولي وعن دعواته للثوار بأن لا يسكتوا عن كبائر السلطة الحاكمة.

ما حدث في بكركي شكّل مسمارًا كبيرًا في نعش الثنائية المارونية – الشيعية، التي عاش وهمَها بعضُ الموارنة من جهة، والشيعة من جهة ثانية، باعتبار أنّها كافية لحكم لبنان

قبل 27 شباط وبعده نشطت قنوات التواصل مع بكركي، وحاول “حزب الله” استيعاب الموقف، لإدراكه أنّ الاشتباك السياسي المباشر مع البطريرك سيُسقط ما تبقّى من ورقة التوت عن حليفه المسيحي، ويضعه مباشرةً في مواجهة مع الكنيسة، لذلك أوكل مهمة الطعن والتهديد والتخوين إلى مفتٍ غير ممتاز، أرعد وأزبد، ولم يجد لكلامه النابي صدًى. وبالتوازي تحرّكت لجنة الحوار بين الحزب وبكركي، في محاولة لفتح الطريق أمام زيارة وفد قيادي حزبي إلى البطريرك الراعي. لكن يبدو أنّ هذا المسار لا يجد ما يكفي من الزخم لتحقيق الهدف.

تشير أوساط مطلعة على خطوط التواصل بين “حزب الله” وبكركي، إلى أنّ قيادة الحزب تعرّضت لصدمة كبيرة بسبب مواقف البطريرك الراعي، وبسبب التداعيات التي تركتها على المستوى المحلي والخارجي. لذلك، باتت قيادات الحزب تجد صعوبة في تجرّع ما تعتبره استهدافًا لها، وكسرًا للسقف الذي جهدت على مدى سنوات في تثبيته، لمنع التعرّض لوظيفة السلاح ودوره في الكارثة التي وصل إليها لبنان.

إقرأ أيضاً: الراعي يحفر جبل الاستقلال الثالث

من هنا، تستبعد هذه الأوساط حصول زيارة قريبة لقيادة “حزب الله” إلى بكركي، لأنّها ستشكِّلُ انكسارًا لها أمام جمهورها الذي استفاض في التعبئة وكيل الشتائم والتخوين ضدّ البطريرك، وانتقاصًا من “هيبتها” وانتصارًا لخصومها، وهزيمة سياسية لها. لهذا، سيكتفي الحزب في هذه المرحلة بالموفدين الوسطاء، الذين ينقلون الرسائل المتبادلة من دون فتح خطّ التواصل المباشر، بينما يتوقع بعض المتابعين أن ينظّم الحزب استعراضًا جماهيريًّا حاشدًا، يردّ على الخمسة عشر ألفًا التي أمّت بكركي، ويردّ فيه “الأمين العام” على مشروع الإنقاذ الوطني الذي أعلنه البطريرك، وشاركه في حمله اللبنانيون، وباتوا يستبشرون به لخوض المرحلة الجديدة من الصراع، والتي ستكون أقسى من سابقاتها، بسبب اجتماع النوائب كلها في عهد السقوط إلى جهنّم.

الأوضح هو دخول إيران على خطّ التعرّض للبطريرك…

مواضيع ذات صلة

اختبار اليوم الأوّل: الرّئاسة تضغط!

لم يعد مضمون اتفاق وقف إطلاق النار ببنوده الـ13 و”ألغامه” مُهمّاً بقدر الحاضنة الميدانية – السياسية التي ستواكب تنفيذه منذ دخوله حيّز التطبيق فجر الأربعاء،…

هدنة الـ60 يوماً: الحرب انتهت… لم تنتهِ!

بعد عام ونحو شهرين من حرب إسناد غزة، و66 يوماً من بدء العدوّ الإسرائيلي عدوانه الجوّي على لبنان، واغتياله الأمين العامّ لـ”الحزب” السيّد حسن نصرالله،…

ألغام سياسيّة أمام الجيش في الجنوب!

بعدما أصبح وقف إطلاق النار مسألة ساعات أو أيام، لا بدّ من التوقّف عند العنوان الأوّل الذي سيحضر بقوّة على أجندة “اليوم التالي” في لبنان:…

أميركا مطمئنّة.. ونتنياهو “يسرق الوقت”

عاد الموفد الأميركي آموس هوكستين من زيارته إلى المنطقة، ووصل إلى العاصمة الاميركية أمس. وقبل أن يصل إلى واشنطن كان قد طمأن عين التينة إلى…