القمّة الخليجيّة ـ الصينيّة والوزير “اللهيان” المغيّب!

2022-12-15

القمّة الخليجيّة ـ الصينيّة والوزير “اللهيان” المغيّب!

في القمّة الخليجية ـ الصينية بدا بوضوح وجلاء أنّ هناك إدارتين في إيران. الأولى هي الجدّية والفاعلة وعلى رأسها المرشد علي خامنئي ومعه الحرس الثوري. أمّا الثانية فتتمثّل في هيكل الدولة الذي يكاد يكون شكليّاً بدليل ردّ فعل وزير خارجية إيران حسين أمير عبد اللهيان على ما صدر عن القمّة.

عمليّاً، بدا أنّ وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان وفريقه غائبون أو مغيّبون عن تفاصيل الملفّات الأساسية التي من المفترض أن تكون في صلب مهمّات الإدارة الدبلوماسية، خاصّة تلك الملفّات التي تحتلّ مكانة متقدّمة في سلّم أولويّات النظام في علاقاته الدولية والإقليمية.

ليس أمراً جديداً تغييب واستبعاد الإدارة الخارجية عن الملفّات الأساسية، بل هما نتيجة استراتيجية وسلوك مزمن بدآ يتّضحان مع وصول محمد خاتمي إلى رئاسة الجمهورية وقيادته المرحلة الإصلاحية في إدارة السلطة التنفيذية سياسياً واقتصادياً وثقافياً. تنامت هذه الوضعية وتزايدت مع الرؤساء اللاحقين محمود أحمدي نجاد وحسن روحاني، والآن مع إبراهيم رئيسي. وقد جاء هذا لصالح مراكز قوى خارج الإدارة الدبلوماسية الرسمية، ممثّلة في بيت أو مكتب المرشد الأعلى وشخصه مباشرة والجهاز الخارجي في “حرس الثورة” أو “قوة القدس” التي كان على رأسها في العقدين الماضيين الجنرال قاسم سليماني.

انتفض الوزير الإيراني على ما جاء في بيان القمّة الخليجية الصينية، ومعه العديد من النواب والكثير من الناشطين السياسيين من الموالاة والمعارضة، في الداخل والخارج

المرشد والحرس لا أبنية الدولة يقرّرون عن إيران

إنّ تغييب أو غياب حسين أمير عبد اللهيان عن تفاصيل العلاقات الإقليمية للنظام، خاصة مع دول الجوار العربي، وتحديداً الخليجي، كشفته ردّة فعله على البيان الختامي للقمّة الخليجية الصينية التي عُقدت في العاصمة السعودية الرياض، وما جاء فيه عن احتلال إيران للجزر الإماراتية الثلاث المستمرّ منذ مطلع تسعينيات القرن الماضي. ذلك أنّ طهران خرقت الاتفاق مع أبو ظبي المتعلّق بإدارة هذه الجزر، وقامت قواتها العسكرية باحتلال جزيرة أبو موسى وإنزال العلم الإماراتي وتحويلها إلى قاعدة عسكرية تحت قيادة الحرس الثوري المباشرة.

جاءت معتدلةً النقطةُ الثانية عشرة في بيان القمّة التي دعت إلى دعم الجهود السلمية، ومن بينها مساعي دولة الإمارات إلى التوصّل إلى حلّ سلمي لقضية الجزر الثلاث، على عكس ما ورد في جميع القرارات التي كانت تصدر عن اجتماعات مجلس التعاون لدول الخليج العربية، وحتى اجتماعات قمّة الدول العربية، التي ما تزال تصف الوجود الإيراني في هذه الجزر بالاحتلال الإيراني لأراضٍ إماراتية عربية، وتطالب طهران بالانسحاب منها. فقد جاء في بيان القمّة الخليجية الصينية ما حرفيّته: “أكّد القادة على دعمهم لكافّة الجهود السلمية، بما فيها مبادرة ومساعي دولة الإمارات العربية المتحدة للتوصّل إلى حلّ سلمي لقضية الجزر الثلاث، طنب الكبرى وطنب الصغرى وأبو موسى، وذلك من خلال المفاوضات الثنائية وفقاً لقواعد القانون الدولي، ولحلّ هذه القضية وفقاً للشرعية الدولية“. كما يتبيّن من هذه الفقرة فإنّ البيان لم يشِر لا من قريب ولا من بعيد إلى موضوع الاحتلال.

 

الخلل الفاضح عند عبد اللهيان

إنّ توقُّف رئيس الدبلوماسية الإيرانية عند موقف قمّة الرياض التاريخية من أزمة الجزر، وغضّه النظر عن النقاط السابقة، وتحديداً النقطتين العاشرة والحادية عشرة اللتين تتحدّثان عن التدخّل الإيراني في العراق وسوريا ولبنان واليمن والشؤون الداخلية للدول الأخرى، وعن أزمة الملف النووي والمفاوضات مع المجتمع الدولي والدعوة إلى شرق أوسط خالٍ من الأسلحة النووية، يكشفان أنّ رأس الدبلوماسية الوزير ومعه عدد كبير من نواب الأمّة في البرلمان مغيّبون عن حيثيّات الموقف الرسمي للنظام الحاكم وما قام به من مفاوضات في هذا الملفّ، وتحديداً مع القيادة الإماراتية، بعيداً عن القنوات الرسمية للدولة والحكومة ووزارة الخارجية.

انتفض الوزير الإيراني على ما جاء في بيان القمّة الخليجية الصينية، ومعه العديد من النواب والكثير من الناشطين السياسيين من الموالاة والمعارضة، في الداخل والخارج، وشنّوا حملة للدفاع عن وحدة الأراضي الإيرانية ورفض أيّ تنازل عن الجزر الثلاث (طنب الصغرى وطنب الكبرى وأبو موسى)، وفي الوقت نفسه عاد ممثّل المرشد الأعلى في صحيفة كيهان الرسمية ورئيس تحريرها حسين شريعتمداري إلى العزف على وتر السيادة الإيرانية البحرية. أظهر هذا التداخل في المشهد السياسي بين مواقف رسمية مُعلنة وبين أقنية مفاوضات سرّية أنّ البحث هو عن مخرج أو “مشجب” يعلّق عليه الإيرانيون أزمتهم الحقيقية، مع محاولة التعمية عنها. لقد كان بيان القمّة الخليجية ـ الصينية واضحاً بتطرّقه إلى الدور السلبي الإيراني في الإقليم والتدخّل في الشؤون الداخلية والتهديد الذي يشكّله الطموح النووي والبرنامج الصاروخي والطائرات المسيَّرة لأمن واستقرار الإقليم والعالم.

 

إيران الفعليّة… ونظيرتها الشكليّة

تتعارض ردّة فعل الدبلوماسية الإيرانية على بيان الرياض مع الوقائع الصلبة وموقف النظام الحقيقي الذي يتولّى مهمّة رسم السياسات الخارجية والاستراتيجيّة، من خلال المرشد الأعلى وتحت إشرافه. فقد سبق للنظام أن أبلغ دولة الإمارات موقفه الرسمي في عام 2007، حين عبّر عن استعداده لبحث أزمة الجزر الثلاث من خلال الحوار الثنائي بعيداً عن المحكمة الدولية، وعن انفتاح طهران على حوار جدّي ينتهي إلى حلّ نهائي يُرضي الطرفين.

على الرغم من حالة المراوحة بين الحوار والتوتّر التي مرّت بها العلاقة بين طهران وأبو ظبي في السنوات الأخيرة، لأسباب متعدّدة ومركّبة، لم يذهب الطرفان إلى موقف متشدّد من قضية الجزر، وتركا الباب مفتوحاً بانتظار اللحظة المناسبة التي تسمح باستئناف هذه الحوارات للوصول إلى تفاهم لحلّ هذه الأزمة، بناء على التفاهمات بينهما والحوار الثنائي وخلفيّة القانون الدولية.

إذا افترضنا من باب حسن الظنّ أنّ الوزير الإيراني، وليس نواب البرلمان، كان على معرفة بالموقف الرسمي للنظام في موضوع الجزر والعلاقة مع دولة الإمارات، فإنّ تفسير موقفه الذي أكّد فيه إيرانية الجزر، قد يكون خاضعاً لواحد من اعتبارين:

إقرأ أيضاً: الرهانات السعوديّة الصينيّة على الشراكة الاستراتيجيّة

ـ إمّا محاولته صرف النظر عمّا جاء في البيان من إشارة إلى الدور السلبي لإيران في الإقليم وتدخّلها في الشؤون الداخلية للدول.

ـ وإمّا تحت ضغط الاتّهامات التي وجّهتها القوى المعارضة إلى النظام وقيادته باعتماد خيارات خاطئة في نسج علاقات إيران الخارجية وتحالفاتها الاستراتيجية وفي تبنّي مبدأ “التوجّه شرقاً” نحو الصين وروسيا ستجعل إيران تدفع أثماناً باهظة في علاقاتها مع المجتمع الدولي، خاصة أنّ هذه القوى، في الداخل والخارج، تعتقد بأنّ موسكو وبكين لن تتردّدا بالتضحية بالمصالح الإيرانية مقابل تعزيز وتحقيق مصالحهما الاقتصادية والاستراتيجية.

 

مواضيع ذات صلة

اغتيال السيّد: المواجهة الكبرى بين طهران وتل أبيب؟

شهدت حقبة المرشد الإيراني علي خامنئي استثماراً كبيراً بمشروعين غير مكتملين: الحزب والبرنامج النووي الإيراني، لكنّ المشروعين اليوم دخلا في مرحلة دقيقة تهدّد استمراريّتهما ومعهما…

الحرب الأولى للحزب من دون العمق السّوريّ

عام 1982، اجتاحت إسرائيل لبنان بعدما وجّهت تطمينات إلى حافظ الأسد بأنّ الوجود السوري في لبنان غير مستهدف في العملية، وفق ما كشفت الوثائق البريطانية…

المقاربة الإيرانيّة المختلفة بين الدولة والثّورة

لكلّ زمن دولة ورجال. عندما يغيّبون تتغيّر الأدوار التي اضطلعوا بها. تلك قاعدة تنطبق في لبنان كما في كلّ العالم. اختبرها اللبنانيون من مختلف طوائفهم….

التدخل البري… المحدود؟!

بدأت إسرائيل تدخلها البري في جنوب لبنان، وذلك بعد تمهيدٍ واسع النطاق أدّاه سلاح الجو، مترافقاً مع مسلسل الاغتيالات الواسعة، لقاعدة الحزب وكوادره والتي لم…