في أدبيّاته السياسية يرفض حزب الله المنطق الذي يتّهمه بقطع الطريق الرئاسية على قائد الجيش جوزف عون، ويؤكّد أنّه ليس بوارد قطع الطريق عليه أو على غيره، لكنّ مرشّحه هو سليمان فرنجية، ومصادره تكتفي بالقول إنّ تجربته مع الرئيس السابق ميشال سليمان لم تكن مشجّعة.
قد لا يكون تفصيلاً عابراً أن يخرج من حزب الله نائب يعلن أن “لا فيتو على قائد الجيش” رئاسيّاً، ويكمل كلامه مشيداً بتجربته الفريدة في موقعه. ولمزيد من “التشفير”، فإنّ النائب هو علي عمّار، النائب عن قضاء بعبدا. وما أدراك ما بعبدا هذه الأيام.
في أدبيّاته السياسية يرفض حزب الله المنطق الذي يتّهمه بقطع الطريق الرئاسية على قائد الجيش جوزف عون، ويؤكّد أنّه ليس بوارد قطع الطريق عليه أو على غيره، لكنّ مرشّحه هو سليمان فرنجية
أتى هذا الكلام بعدما زار مسؤول الأمن والارتباط الحاج وفيق صفا قائد الجيش في اليرزة. ومثل هذا الموقف كما الزيارة كفيلان بتحريك الجمود الذي يكتنف الاستحقاق الانتخابي، فهل كان كلام علي عمّار زلّة لسان أم الغرض زكزكة رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل الرافض لخيار ترشيح سليمان فرنجية أم هو إفصاح مسبق عن نوايا أم إشادة بمرشّح الضرورة أم محاولة “عزيمة” الآخرين إلى فتح ملفّ ترشيح جوزف عون؟ في اليوم نفسه كان مانشيت جريدة “الأخبار”: “فرنسا تروّج لقائد الجيش”، وفي الافتتاحية أنّ “فرنسا، مدعومة من واشنطن والرياض، باتت أقرب إلى الإعلان عن دعم ترشيح عون”.
ربّما يكون كلام عمّار مزيجاً من الأجوبة على كلّ هذه الأسئلة. وقد فَهِم التيار الوطني الحرّ كلام عمار أنّه أكثر من رسالة لرئيسه، إذ رأى فيه رسالةً من حزب الله للمرشّح سليمان فرنجية تقول إنّك لست مرشّحنا الوحيد وهناك مرشّح جاهز، ورسالةً لباسيل تفرض عليه أن يختار بين الاسمين.
لا استساغة لقائد الجيش من قبل التيار الوطني، ورئيس القوات اللبنانية سمير جعجع وضع اسمه على سبيل المناورة، أمّا حزب الله فقد تقصّد قوله “لا فيتو عليه بالمطلق، لكنّه ليس مرشّحنا، وعلى الذي رشّحه أن يخوض معركته”، أي ليس هو الورقة التي يتبنّاها للرئاسة، وهذا يعني أنّ درب “القائد” للرئاسة محفوفة بالمخاطر والأحداث الأمنيّة التي إذا حصلت تستوجب وجوده.
ماذا عن موقف “القائد”؟
يجزم المقرّبون منه أنّ قائد الجيش ليس مرشّحاً ولن يخوض معركة الرئاسة لوجود حاجة إلى تعديل الدستور، لكنّه بالمقابل لن يتخلّى عن القيام بواجبه متى طُلب منه ذلك. ويرى رافضو ترشيحه أنّه المرشّح الذي “يريده كلّ من دعم الثورة، أي أميركا وفرنسا والسعودية ومصر. وهو وإن كان في المنظار الأميركي من الأطراف التي لم تسهّل الترسيم فإنّه يبقى الرجل الأقرب إلى الأميركيين”.
قد لا يكون تفصيلاً عابراً أن يخرج من حزب الله نائب يعلن أن “لا فيتو على قائد الجيش” رئاسيّاً، ويكمل كلامه مشيداً بتجربته الفريدة في موقعه
يكشف المتابعون للشأن الرئاسي من المنظارين الدولي والإقليمي أنّه “منذ أيلول وخلال اجتماعات باريس تمّ الاتفاق على أن يكون ترشيح ميشال معوّض للمعركة، فيما يجب أن يحصل التوافق على جوزف عون”، إذ يشكّل جوزف عون كقائد للجيش نقطة تقاطع سعودية فرنسية ليس الأميركي بعيداً عنها ولا المصري الذي لا يبتعد موقفه عن الموقف السعودي.
ما يُعيق ترشيح قائد الجيش حاجته إلى تعديل الدستور، لكنّها ليست عقبة من الصعب تجاوزها بالنظر إلى التجارب السابقة التي تمّ التعامل فيها مع الدستور وتعديله غبّ الطلب متى التقت المصالح الخارجية على ذلك.
أمّا التعديل داخليّاً فهو لا يزال حجّة لمن يحرجه السؤال عن موقفه من ترشيح جوزف عون. فالرئيس نبيه برّي المعروف عنه حنكته وقدرته على إيجاد المخارج الدستورية متى كان ذلك سبيلاً إلى الحلّ لا يزال يعتبر أنّ انتخاب قائد الجيش رئيساً للجمهورية دونه الحاجة إلى تعديل الدستور لأنّه لا بدّ من مرور فترة ستة أشهر ليحقّ له الترشّح، وهو ما يعكس عدم الرغبة في ترشيحه.
لم ينسَ برّي بعد كيف أخلّ قائد الجيش بوعده يوم لم يؤمّن وصول النواب إلى الجلسة النيابية ولم يحمِ المجلس كما يجب في الفترات التي كان فيها عرضة للهجوم من المحتجّين.
رئيس وليس “مرشّحاً”
من جهة أخرى، يقود رئيس المجلس معركة فرنجية خلف الكواليس ويمهّد لها، إذ يعتبره “رجلاً موثوقاً يُؤتمن”، بينما أبلغه حزب الله صراحة: “نحن معك وأنت مرشّحنا ولو بقي التعطيل لسنوات”. تلبيةً لرغبته يلتزم الثنائي الانتخاب بالورقة البيضاء حتى اليوم لأنّ فرنجية يريد أن يكون رئيساً لا مرشّحاً فقط.
إقرأ أيضاً: كرامي “رِجِع”: 8 آذار… أو للسعوديّة حصّة فيه؟
ينتظر حزب الله الوقت المناسب لكشف أوراقه واللعب على المكشوف. محاولاته مع باسيل لإقناعه بدعم فرنجية مجمّدة، والحوار بينهما في الشأن الرئاسي متوقّف، لكن لا يزال الأمل بالنجاح موجوداً. يعترف حزب الله أنّ حظوظ فرنجية لا تزال بعيدة، ولذا لم يقفل باب الترشيحات بعد إلى أن ينضج انتخاب فرنجية أو يقتنع المرشّح بانعدام حظوظه فينسحب. من وجهة حزب الله لم يعكس كلام النائب عمّار تبنّياً لترشيح جوزف عون، ولم يطرأ بعد أيّ معطى جديد رئاسي. العارفون بخفايا موقف حزب الله يجزمون أنّ التغيير الاستراتيجي لا يعبّر عنه نائب في البرلمان ويبقى إعلانه محصوراً بالأمين العام دون غيره. ويتابع هؤلاء القول إنّ “حزب الله أعقل من أن يعبّر بهذه الطريقة ويخطئ مع حليف استراتيجي، فما هكذا يبعث برسالة إلى باسيل”. فيما مصادر أخرى تقول إنّ “معادلة الرئاسة في لبنان هي أكبر من الأسماء”.