صحيح أنّ زيارة الوفد اللبناني لدمشق لم تُلغَ بل تمّ تأجيلها، لكنّ قرار التأجيل “لأنّ الوقت غير مناسب”، وفق الخبر الذي أوردته “وكالة رويترز”، والذي لم يلقَ أيّ تعليق من الجانب السوري، يرقى إلى مستوى “الإلغاء”… حتى إشعار آخر.
تقاطعت عدّة معطيات في الساعات الماضية أفضت إلى وضع رئيس الجمهورية ميشال عون، حليف حزب الله، في موقف مُحرج جدّاً من خلال قرار سوري حاسم غير قابل للاستئناف، وضع حدّاً لاحتمال تحديد موعد آخر للنقاش في ملفّ الترسيم البحري على الحدود الشمالية قبل مغادرة ميشال عون نهائياً قصر بعبدا. و”كِملِت” مع الزيارة الوداعية التي قام بها أمس السفير السوري لقصر بعبدا فيما دولته رفضت استقبال الوفد المعيّن من الرئيس عون.
مصدر مطّلع اختصر تطوّرات الأيام الماضية بالقول: “الغريب أن تقبل سوريا استقبال الوفد وليس العكس”.
تتردّد معلومات عن احتمال صدور قرار رسمي بتكليف وزير الأشغال بهذه المهمّة مع وفد معاون استناداً إلى القانون رقم 163 الصادر في 18 آب 2011
حيثيّات الرفض السوريّ
في الوقائع، أدّى سوء الإدارة وقصر النظر إلى “تخيّل” حصول استجابة سورية فورية مع مطلب رئاسي “مُعجّل مكرّر” تجاوز الكثير من البنود العالقة والعتب الصامت من الجانب السوري تجاه الحكومات المتعاقبة ورئيس الجمهورية الذي أطلق صفّارة الانطلاق للترسيم البحري فيما لا يزال لبنان “الرسمي” في حالة شبه مقاطعة لدمشق لا تخفّف من وطأتها الزيارات الإفرادية لوزراء ونواب، حتى بغطاء السلطة، والدور المحوري للّواء عباس إبراهيم في كلّ الملفّات المرتبطة بالعلاقة مع سوريا، وآخرها إشارة إبراهيم إلى “الشفافية والترحيب في التعاطي من قبل دمشق في ملفّ النازحين السوريين”.
يتحدّث مطّلعون أيضاً عن “ثمن” يطلبه بشار الأسد للجلوس إلى طاولة التفاوض البحري، والذي يمكن أن يتمدّد إلى فتح ملف النزاع البرّي مع سوريا حول مزارع شبعا وباقي النقاط البرّية الملتبسة، وعن استياء سوري من استبعاد دمشق تماماً عن ملف الترسيم البحري مع إسرائيل، ومن التجاهل الرسميّ الكامل لوجود آلاف السوريين ممّن لا يعلمون شيئاً عن مصير ودائعهم ولا يتبرّع أحد في الدولة اللبنانية بتقديم تفسير لِما حدث، وعن أنّ سوريا لن تقبل بعد الآن تعاطي لبنان معها من “تحت لتحت”، وأنّ الممرّ الإلزامي هو عودة العلاقات الطبيعية بين البلدين التي يمكن أن تؤثّر على كلّ الملفّات العالقة من التهريب على الحدود إلى التنسيق الأمني وملفّات الكهرباء والطاقة، وبعد كلّ ذلك يمكن الجلوس معاً لتشريح الدخول الروسي إلى منطقة النزاع بين لبنان وسوريا.
الترسيم مع سوريا أصعب!
يقول أحد المخضرمين في ملفّ العلاقة مع دمشق: “العقل السوري مخيف. و”اللعب معه” ليس نزهة، خصوصاً بعد تجاوزه الحرب التي دارت على أرضه. وقد لا يكون هناك مبالغة في القول إنّ الترسيم مع دمشق قد يكون أكثر صعوبة من مفاوضات الترسيم مع العدوّ الإسرائيلي”.
يضيف: “في جانب آخر، لا يمكن تجاهل واقع أنّ باسيل الذي تربطه علاقة جيّدة مع السوريين هو مؤلّف وملحّن المبادرة الأخيرة إلى فتح ملفّ الترسيم على الحدود الشمالية قبل مغادرة عون وقبل توقيع الاتفاق النهائي مع الإسرائيليين، لكنّ كثراً يُسقطون من اعتبارهم أنّ دمشق لن تمرّر هذه الكرة لجبران، فيما يعرف هؤلاء أنّ رَجُلَها في لبنان ومرشّحها للرئاسة هو سليمان فرنجية وليس جبران باسيل”.
أجهزة أمنيّة على الخطّ؟
هكذا بدا قرار لبنان إرسال الوفد وتركيبة هذا الأخير مجرّد تفصيل شكليّ أمام القرار السوري الصارم بعدم جهوزيّته للترسيم لأسباب متعدّدة. وما حدث ستكون له ذيوله وتأثيراته على مرحلة ما بعد انتهاء ولاية عون وتشكيل حكومة جديدة واحتمال عقد طاولة حوار رئاسية برعاية رئيس مجلس النواب نبيه برّي، وعلى ملف الترسيم البحري والبرّي مع سوريا الذي لا يزال مفتاحه السياسي “ضائعاً” حتى اليوم.
ما كان لافتاً في سياق تبرير الجانب العوني إغلاق السوريين الباب بوجه الوفد اللبناني برئاسة الياس بو صعب هو ما نقلته محطة “أو تي في” عن “عدم وجود قرار سياسي وحماسة لدى بعض الأجهزة الأمنيّة في لبنان وسوريا للدخول في حوار حول الترسيم، والذي تُرجِم في كتاب الاعتذار السوري عن عدم استقبال الوفد”. كلامٌ وصفته مصادر مطّلعة بـ”التبريرات التي لا قيمة لها وخارجة تماماً عن سياق القضية”.
وفق المعلومات، يقف وراء هذه التسربية الإعلامية أحد القريبين جدّاً من الرئيس عون، وقد قصد من خلالها قائد الجيش العماد جوزف عون الذي رفض مشاركة ضباّط من القيادة في وفد لا يكون طابعه تقنيّاً بحتاً، إضافة إلى اعتراض اللواء عباس إبراهيم الضمنيّ على تركيبة الوفد غير الصلبة، لكن من دون أن يُبادِر إلى ما يمكن أن يُفهم منه مقاطعة للوفد أو اعتذار عن عدم المشاركة. فقد نُقل عن قريبين منه قوله: “لا يستأهل الأمر إثارة ضجّة قبل أيام قليلة من نهاية العهد”.
مصدر مطّلع اختصر تطوّرات الأيام الماضية بالقول: “الغريب أن تقبل سوريا استقبال الوفد وليس العكس”
“ما معي خبر“
كان لافتاً أيضاً تأكيد إبراهيم أمس خلال المؤتمر الصحافي الذي عقده حول النازحين السوريين “وجود تجاوب من قبل الإخوة السوريين حول مبدأ الترسيم، لكن لا تفاصيل لديّ حول موعد الزيارة، وقد أبلِغت مبدئيّاً بموعد “الطلعة” الأربعاء، لكن هل تمّ التنسيق مع السوريين حول هذا الموعد؟ لا أعلم. ما معي خبر، ولم أدخل في التفاصيل”.
إلى ذلك يؤكّد متابعون: “في الشكل سُلِقت الزيارة سلقاً من دون تنسيق مُسبق مع دمشق باستثناء الاتصال الودّي بين عون والرئيس بشار الأسد، ثمّ توجيه وزارة الخارجية اللبنانية إلى الخارجية السورية كتاباً لطلب موعد، لكن أتى متأخّراً وسبقه تحديد عون يوم الأربعاء موعداً لتوجّه الوفد إلى دمشق”.
وزير حزب الله مستاء
أبعد من ذلك، عَلِم “أساس” أنّ “وزير الأشغال علي حمية، المحسوب على حزب الله، سجّل اعتراضه أمام مرجعيّته السياسية على تركيبة الوفد رافضاً أن يكون الوزير المعنيّ الأوّل بملف الترسيم البحري تحت إمرة نائب (الياس بو صعب) لا صفة تقنية ولا قانونية ولا تنفيذية له”.
من جانب حزب الله، جرى استيعاب الخطوة الرئاسية الناقصة والمُرتبِكة وفق معادلة “لن ندخل بصدام مع الرئيس عون في آخر أيّام رئاسته”.
وتتردّد معلومات عن احتمال صدور قرار رسمي بتكليف وزير الأشغال بهذه المهمّة مع وفد معاون استناداً إلى القانون رقم 163 الصادر في 18 آب 2011 المتعلّق بـ”تحديد وإعلان المناطق البحرية للجمهورية اللبنانية”، والذي ينصّ في المادة 17 منه على الآتي: “تُحدَّد دقائق تطبيق أحكام هذا القانون، لا سيّما لجهة تعيين حدود المناطق البحرية المختلفة، بمراسيم تُتّخذ في مجلس الوزراء بناءً على اقتراح الوزراء المختصّين”.
إقرأ أيضاً: وفد التفاوض “البحريّ” مع سوريا يتقاعد الإثنين!!
توقيع الترسيم مع إسرائيل
على خطٍ موازٍ، علِم “أساس” أنّ الجانب اللبناني انتظر حتى الأمس تحديد إسرائيل المستوى الذي ستعتمده من أجل التوقيع على الاتفاقية وأعضاء وفد الناقورة، وذلك كي يقرّر مستوى التمثيل الذي ستعتمده الدولة اللبنانية. وتؤكّد معلومات “أساس” أنّ الجيش يرفض بشكل مطلق المشاركة في “مراسم” ختم الترسيم البحري مع إسرائيل غداً.