تصعيد روسيّ وأميركيّ… وإيرانيّ

مدة القراءة 6 د

دخلت الحرب الروسيّة على أوكرانيا شهرها الثالث. بات واضحاً أنّ الرئيس فلاديمير بوتين في حاجة إلى تحقيق إنجاز عسكري ما لتبرير فشله الأوكراني. في الأصل، اتخذ بوتين قراره القاضي باللجوء إلى عمليّة عسكرية واسعة من أجل الانتهاء من النظام الأوكراني. اكتشف مع مرور الوقت أنّ مغامرته الأوكرانيّة لم تكن نزهة، وأنّ عليه الآن البحث عن هدف واقعي يتمثّل في السيطرة على شرق أوكرانيا وجنوبها، أو على قسم من هاتين المنطقتين، وذلك قبل حلول يوم التاسع من أيّار الجاري الذي تحتفل فيه روسيا بـ”يوم النصر” في الحرب العالميّة الثانية. تشهد موسكو في المناسبة عرضاً عسكريّاً كبيراً، وذلك بغية تأكيد أنّ روسيا ما زالت قوة عظمى.

تبدو روسيا قوّة عظمى بالفعل عندما يتعلّق الأمر بدخولها، إلى جانب النظام السوري و”الجمهوريّة الإسلاميّة” في إيران، طرفاً في الحرب على الشعب السوري الأعزل. يكتشف العالم هشاشة روسيا وجيشها، وتكتشف روسيا نفسها، عندما يتعلّق الأمر بقرار أميركي وأوروبي بمواجهتها في أوكرانيا بطريقة غير مباشرة. تقتصر هذه الطريقة على توفير أسلحة للجيش الأوكراني.

من هنا إلى التاسع من هذا الشهر، سيكون هناك مزيد من الغارات الوحشيّة الروسية على مدن ومواقع أوكرانيّة، خصوصاً أنّ بوتين يعرف جيّداً أنّ مستقبله السياسي بات على المحكّ. لم يترك الرئيس الروسي أمامه سوى خيار التصعيد. هذا ما يفسّر الكلام المتجدّد لسيرغي لافروف وزير الخارجيّة الروسي عن مخاوف من حرب نوويّة تهدّد العالم.

التصعيد الروسي يقابله تصعيد أميركي. عبّر عن ذلك الرئيس جو بايدن الذي طالب الكونغرس بالموافقة على زيادة الموازنة الأميركية 33 مليار دولار، بينها 20  ملياراً مخصّصة لإرسال أسلحة إضافيّة إلى أوكرانيا

في كلّ ما فعله الرئيس الروسي منذ قراره باجتياح أوكرانيا والوصول إلى كييف، كانت حساباته خاطئة إلى حدّ كبير. لم يأخذ في الاعتبار صمود الشعب الأوكراني ووقوفه خلف الرئيس فولوديمير زيلنسكي الذي تبيّن أنّه ليس مستعدّاً للهرب كما فعل الرئيس اللبناني ميشال عون عندما كان في قصر بعبدا في 13  تشرين الأوّل 1990 بعدما قرّر الرئيس السوري حافظ الأسد إخراجه بالقوّة من القصر. فضّل زيلنسكي البقاء مع شعبه بدل اللجوء إلى إحدى السفارات في كييف. بقيت العاصمة الأوكرانيّة عصيّة على الجيش الروسي الذي اضطرّ إلى البحث عن جائزة ترضية في مناطق أوكرانيّة أخرى.

الأهمّ من ذلك كلّه أنّ التصعيد الروسي يقابله تصعيد أميركي. عبّر عن ذلك الرئيس جو بايدن الذي طالب الكونغرس بالموافقة على زيادة الموازنة الأميركية 33 مليار دولار، بينها 20  ملياراً مخصّصة لإرسال أسلحة إضافيّة إلى أوكرانيا. لم يتردّد بايدن في القول إنّ تهديدات فلاديمير بوتين باللجوء إلى السلاح النووي “غير مسؤولة” وتعكس “شعوراً باليأس” في ضوء الاتجاه الذي يسير فيه الهجوم الروسي على أوكرانيا.

قرّر بوتين التصعيد، كذلك يفعل الرئيس الأميركي والدول الأوروبيّة التي يبدو أنّها اتخذت قراراً واضحاً بالتخلّص بأسرع ما يمكن من الاعتماد على النفط والغاز الروسيَّين. يشير مثل هذا القرار الأوروبي المترافق مع دعم أوكرانيا بالسلاح إلى أنّ العالم بات يتوقّع حرباً طويلة في أوكرانيا. هذا ما لا يخفيه كبار المسؤولين في بريطانيا حيث تبدي حكومة بوريس جونسون استعداداً  للذهاب بعيداً في دعم الأوكرانيين من أجل منع روسيا من الاستيلاء على أيّ أرض أوكرانيّة.

لم يعد سرّاً أنّ العالم بعد الحرب الأوكرانيّة ليس كما كان قبلها. يبدو أنّ إيران أخذت علماً بذلك. تسعى “الجمهوريّة الإسلاميّة” التي تعزّز وجودها العسكري في سوريا بعدما شعرت بالضعف الروسي، إلى الاستفادة إلى أبعد حدود من حاجة العالم إلى ما لديها من غاز. أخطأت إيران بدورها في حساباتها، وتبيّن أنّه على الرغم من حاجة العالم إلى الطاقة… إلّا أنّ إدارة بايدن ليست مستعدّة، أقلّه إذا لم تحصل مفاجأة، للرضوخ لمطالبها، بما في ذلك رفع “الحرس الثوري” عن قائمة الإرهاب الأميركيّة.

كلّما مرّ يوم، تكتشف “الجمهوريّة الإسلاميّة” أن ليس أمامها سوى التصعيد أيضاً. يتبيّن أكثر أنّها تسير في اتجاه خيار التفاوض مع الأميركيين بعد التأكّد من أنّها صارت قوّة نوويّة. فوق ذلك، نجدها تعزّز الإمساك بأوراقها الإقليمية، أكان ذلك في سوريا أو لبنان حيث تصرّ على السيطرة على مجلس النواب الذي ستنتجه انتخابات الخامس عشر من الشهر الجاري. لا يمكن لإيران، عبر “حزب الله”، السماح بأن يكون هناك نائب شيعي واحد يمتلك حدّاً أدنى من الاستقلالية في مجلس النواب الجديد.

في العراق، تبدو “الجمهوريّة الإسلاميّة” أكثر شراسة بعدما عطّلت الحياة السياسيّة في البلد وأرسلت سفيراً جديدا هو محمد كاظم آل صادق من مواليد مدينة النجف العراقيّة. معروف أنّ السفير الجديد، الذي لا علاقة له بالدبلوماسيّة، كان في الماضي ممثّل قائد “فيلق القدس” التابع لـ”الحرس الثوري” الراحل قاسم سليماني في العراق. معروف أيضاً أنّه لا يكنّ ودّاً لرئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي الذي لا يزال الحلّ الأنسب في حال كان مطلوباً التوصّل إلى وفاق بين مختلف القوى السياسيّة العراقيّة.

قد يكون اليمن المكان الوحيد الذي تلعب فيه إيران لعبة الانتظار بعدما تبيّن أنّ الحوثيين ليسوا من النوع الذي لا يُقهر في ضوء هزيمتهم في محافظة شبوة في كانون الثاني الماضي. لكن ما لا يمكن تجاهله أنّ “الجمهوريّة الإيرانيّة” تبدو مستعدّة لإثبات قدرتها على التخريب في المنطقة، وذلك عبر تهريب أسلحة إلى الداخل الأردني.

إقرأ أيضاً: اليأس والسلاح.. هل يشهد العالم القنبلة النوويّة الثالثة؟

غيّرت الحرب الأوكرانيّة العالم. التصعيد بات لعبة الجميع في وقت ليس ما يشير إلى استعداد غربيّ للدخول في مساومات مع فلاديمير بوتين الذي يرفض الاعتراف بأنّ جدار برلين سقط، وأنّ الحرب الباردة انتهت مع سقوط الجدار في تشرين الثاني من العام 1989. إيران بدورها ترفض أخذ العلم بأنّ الغرب موحّد في وجه حليفها الروسي، وأنّها لن تستطيع تحقيق أيّ مكاسب من الحرب الأوكرانيّة بعدما اكتشف العالم أنّ الرئيس الروسي شخص من النوع الذي لا يمكن التعامل معه بأيّ شكل.

مواضيع ذات صلة

تركيا في الامتحان السّوريّ… كقوّة اعتدال؟

كان عام 2024 عام تغيّر خريطة الشرق الأوسط على أرض الواقع بعيداً عن الأوهام والرغبات التي روّج لها ما يسمّى “محور الممانعة” الذي قادته “الجمهوريّة…

ردّاً على خامنئي: سوريا تطالب إيران بـ300 مليار دولار

 أفضل ما كان بمقدور إيران وقياداتها أن تقوم به في هذه المرحلة هو ترجيح الصمت والاكتفاء بمراقبة ما يجري في سوريا والمنطقة، ومراجعة سياساتها، والبحث…

إسرائيل بين نارين: إضعاف إيران أم السُنّة؟

الاعتقاد الذي كان سائداً في إسرائيل أنّ “الإيرانيين لا يزالون قوّة مهيمنة في المنطقة”، يبدو أنّه صار من زمن مضى بعد خروجهم من سوريا. قراءة…

تركيا والعرب في سوريا: “مرج دابق” أم “سكّة الحجاز”؟

الأرجح أنّ وزير الخارجية التركي هاكان فيدان كان يتوقّع أن يستقبله أحمد الشرع في دمشق بعناقٍ يتجاوز البروتوكول، فهو يعرفه جيّداً من قبل أن يكشف…