الدرع والبيجاما

قليلون في لبنان لبسوا الدرع وواجهوا كما يفعل حتّى الآن رئيس أوكرانيا فلاديمير زيلينسكي. هذا الرجل الذي فاجأ مواطنيه، وفاجأ الأميركيّين والأوروبيّين، وفاجأ الروس، كما فاجأ العرب واللبنانيّين.

قليلون في لبنان واجهوا في لحظات المواجهة. وإذا جمعنا كلّ لحظات البطولة فستكون معدودة، وقد لا نحصل على ساعة كاملة، منذ تأسيس لبنان إلى اليوم.

في مقابل ثقافة “البيجاما” التي لا تقتصر على رئيس ترك جنوده ذات معركة وفرّ إلى السفارة الفرنسية. فهو واحد من كثيرين. والتركيز عليه له أسباب كثيرة، لكنّه ظالم بعض الشيء.

قليلون في لبنان واجهوا في لحظات المواجهة. وإذا جمعنا كلّ لحظات البطولة فستكون معدودة، وقد لا نحصل على ساعة كاملة، منذ تأسيس لبنان إلى اليوم

السبب الأهمّ أنّ المشهد الذي كان هو بطله في العام 1990 يبقى المشهد الأكثر رسوخاً في الذاكرة اللبنانية، باعتباره مشهداً تأسيسيّاً، بُعَيْدَ توقيع اتفاق الطائف، وقُبَيْلَ احتلال القصر الجمهوري، الذي لا يزال محتلّاً إلى يومنا هذا.

قليلون في لبنان “لبسوا الدرع” في اللحظات الحاسمة. فهذا زعيم صافح قاتل والده، وذاك زعيم زار القاتل، ابن القاتل، في قصره، ونام في سريره، وذلك “الزُعَيِّم” صارت والدته نائبة على لوائح الذين قتلوا زوجها، واليوم ابنها يريد أن يكون زعيم الثورة. وكيفما تفتّلتم سترون عشراتٍ ومئاتٍ ناموا على أيادي الضبّاط، كي يستوزروا أو يدخلوا ساحة النجمة بلوحة زرقاء، منذ مشهد “البيجاما” إلى اليوم.

معظم الذين “لبسوا الدرع” في لبنان يرقدون تحت بلاطة بيضاء باردة. ولا يتذكّرهم اللبنانيون إلا في المناسبات. أبطالٌ في القبور، فيما تملأ الشاشات صور “البيجامات”. ممّن ينحنون لهذا السفير أو ذلك الجنرال، أو من الأبطال الجدد، اللابسين دروع “التمويل الحديث”، والمتأبّطين الكاتالوغات المطلوبة دوليّاً، اجتماعياً وسياسياً واقتصادياً.

البيجاما ليست استثناءً في لبنان. البيجاما هي النهج. لكنّ لبنان كلّه ينوء اليوم تحت ثقل رجال البيجامات. وكلّما لبس أحدهم الدرع، تُعاجِله مقصلة “الرؤوس التي أينعت”

البيجاما هي الغالبة في صالونات لبنان السياسية. منذ شعار “مع الواقف حتى تنجلي المواقف”، قبل 100 عام من تأسيس “لبنان الكبير”، إلى مهاترات النأي بالنفس والحياد، في حين يذهب حزب واحد محدّد، بعشرات آلاف مقاتليه، إلى ذبح شعوب مجاورة، وإلى ذبح مثقّفين وناشطين، وإلى تهديد كلّ مَن تسوِّل له نفسه أن يخلع “البيجاما”.

نحن شعب من البيجامات. ثمّة حزب واحد يلبس الدرع ويتمختر بيننا، ونحن ننتظر تارةً أساطيل لن تأتي، وأطواراً دعماً يصير يوماً بعد يوم أقرب إلى المستحيل. ومَن يلبس الدرع من بيننا، يسارع المحبّون إلى مطالبته بلبس البيجاما، خوفاً على حياته، وعلى من سيربّي أولاده، ومن سيطعم أهله إذا قطعوا له “وان واي تيكيت” إلى تحت تلك البلاطة إيّاها.

السبب الأقلّ أهميّة في أنّ “رئيس البيجاما” هو المثال الأكثر سطوعاً على أنّنا نفتقر إلى مَن “يلبسون الدرع”، هو أنّه الوحيد، الوحيد بلا منازع، وقد صار حليف المدفع الذي ألبسه البيجاما وأخرجه من القصر. والمدفع نفسه ألبسه البدلة، وأعاده إلى القصر نفسه.

إقرأ أيضاً: عن حقّنا في أن نشمت بأوروبا.. ونتحمّس للقيصر!!

ربّما يجب أن نعطيه جائزة “البيجاما الذهبية”. لا أن نشتمه ونعيّره. فالآخرون لبسوا البيجامات طمعاً في مناصب أقلّ، وفي أموال أقلّ. وحدَه عاد رئيساً بلا مُنازِل، ويعمل على أن يورث مقعده إلى مَن يختاره.

البيجاما ليست استثناءً في لبنان. البيجاما هي النهج. لبنان كلّه ينوء اليوم تحت ثقل رجال البيجامات. وكلّما لبس أحدهم الدرع، تُعاجِله مقصلة “الرؤوس التي أينعت”.

كلّكم تلبسون البيجامات. أنظروا جيّداً إلى المرآة.

مواضيع ذات صلة

سعد صايل (مارشال القلوب): الوطنية الفلسطينية الصرف

يزدحم التاريخ في حياة مناضل وتزدحم الاحداث في حياة واستشهاد قائد وتبقى الذكرى في قلوب الحكماء والعقلاء للفلسطيني الوطني الصرف الغير القابل لحسابات الأشجار أكانت…

دمشق بين بيروت وطهران: ملابس داخليّة وسجّادة للبيع!

منتصف حرب سوريا، جرى نقاشٌ عميق بين أحد أيديولوجيّي “الممانعة” وأحد ظرفائها حول مستقبل العلاقة بين طهران ودمشق، وبالتالي بين “الحزب” ودمشق. فكانت وجهتا نظر….

إيران بين أوهام الإمبراطوريّة وبراغماتيّة الدّولة

“ويشبّ في قلبي حريق ويضيع من قدمي الطريق، وتطلّ من رأسي الظنون تلومني وتشدّ أذني، فلطالما باركت كذبك كلّه ولعنت ظنّي. ماذا أقول لأدمُع سفحتها…

لبنان ضحيّة منطق إيران… ولامنطق الحزب

حرب من أجل ماذا تسبّب بها الحزب للبنان؟ ما الهدف من حرب، لا منطق لها ولا هدف، بادر الحزب إلى شنّها يوم الثامن من تشرين…