لنا أن نشمت بأوروبا وأميركا اليوم. بإيمانويل ماكرون وسلفه فرانسوا هولاند، وقبلهما نيكولا ساركوزي. لنا أن نشمت بجو بايدن ودونالد ترامب وباراك أوباما. وبكلّ قادة أوروبا، الغربيّة والشرقيّة، ممّن تركوا السوريّين يغرقون تحت سكّين بشّار الأسد.
لنا أن نشمت وأن نضحك ملء عيوننا. ها هو الجزّار الذي أنقذ مرتكب المجازر الكيمياوية في غوطة دمشق، قاتل الأطفال في حمص ومعذّب الناشطين في دمشق ومغتصب النساء في حلب، أي بشّار الأسد… ها هو المجرم الكبير فلاديمير بوتين، بعدما ساهم في تحويل سوريا إلى سجن كبير لأهلها، ومقبرة عملاقة لشعبها، ها هو وصل إليكم، وسيبدأ في إقلاق راحتكم.
حين سكتت أوروبا عن ذبح الشعب السوري، وحين سكتت قبل ذلك عن اجتياح بيروت في 7 أيّار 2008، وحين سكتت عن اعتداءات الحوثيّين على الدول العربية، وحين أدارت ظهرها لكلّ قضيّة من قضايا شعوب الشرق الأوسط، التي يتحالف بوتين مع الجزّارين وراءها، كانت تظنّ أنّ الموسى لن يصل إلى رقبتها.
هذا العالم ظنّ بعضنا أنّه بعد الحرب العالمية الثانية وتأسيس الأمم المتحدة، قد يحاول الغرب أن يجعله عادلاً، قدر الإمكان، كي لا يأكل القويُّ الضعيفَ. لكن ثبت أنّه عاد ليكون غابة شرعيّة
لكن ها هو قد وصل إليهم ذلك “الساطور” الذي يقطِّع أوصال العرب، من لبنان إلى سوريا واليمن والعراق. ها هو المنطق، منطق قوّة السلاح، ومنطق شريعة الغاب، ومنطق استقالة الغرب من الدفاع عن قيم الحرّيّة، وعن الشعوب الضعيفة، ومنطق إدارة الأمم المتحدة ومجلس الأمن ظهريْهما للمظلومين، ممّن ذُبحوا مباشرةً على هواء الفضائيّات.
بعد اليوم، كيف لنا أن نقتنع أو نُقنِع أحداً أنّ هذا العالم يفهم لغةً غير لغة القوّة العسكرية، في غياب أيّ ضابط “أمميّ” يحمي الشعوب الضعيفة، من لبنان إلى أوكرانيا مروراً بسوريا واليمن وغيرهما؟
منذ العراق قرّرت أميركا ألّا يقاتل أيٌّ من جنودها إلى جانب أيّ شعب مظلوم. وقرّرت أن تبيع وتشتري وفقاً لمصالحها وبناءً على حساباتها الماليّة. وتخلّى الغرب عن القيم التي روّج لها طويلاً حتّى صدّقت بعض النخب والشعوب أنّ الغرب يحمل قيم الحرّيّة ويدافع عنها، بعد الحرب العالمية الثانية.
منذ سنوات تخلّت أميركا عن “حكاية” الديمقراطية. حِلفها مع الحشد الشعبي في العراق لمواجهة “داعش” كان ترجمةً لهذا القرار. وكذلك خروجها من أفغانستان، حيث تركت حلفاءها يتعلّقون بأرجل الطائرات، ويتمنّون الموت قبل أن تصل إليهم بنادق طالبان وسكاكينها.
ثمّ انسحبت أميركا جزئيّاً من سوريا، وتكوّرت في زاوية “التنف” لتحمي مصالحها. ونفضت يدها من المسلخ البشري في طول سوريا وعرضها. واليوم ها هي تترك الأوكرانيّين ليواجهوا الجيش الروسي، النووي، بترسانته الضخمة، وتتحدّث عن “عقوبات” على روسيا، وربّما مساعدات عسكرية وماليّة لأوكرانيا. وانتهى الموضوع.
هذا العالم ظنّ بعضنا أنّه بعد الحرب العالمية الثانية وتأسيس الأمم المتحدة، قد يحاول الغرب أن يجعله عادلاً، قدر الإمكان، كي لا يأكل القويُّ الضعيفَ. لكن ثبت أنّه عاد ليكون غابة شرعيّة.
إقرأ أيضاً: أوكرانيا ولبنان: تقاسم لعنة الجغرافيا والتاريخ
ومن اليوم، يحقّ لنا، نحن الشعوب المتروكة لتتار العصر يفتكون بنا ويقتلوننا، يحقّ لنا أن نشمت بأوروبا، وأن نقول لها: “ذوقي بعضاً ممّا ذقنا”. ها هو بوتين الذي منع سقوط أكبر طواغيت القرن الواحد والعشرين، يعود إليكم. فاستردّوه، واحصدوا ما زرعتم.