يا وليد بيك..

مدة القراءة 3 د

أكنّ احتراماً شخصيّاً كبيراً للبيك وليد جنبلاط. فمن خبرتي بالشأن اللبناني لم يكن ليغضب ويقاطع ردّاً على خبرٍ إبّان رئاستي لتحرير جريدة “الشرق الأوسط”، وعلى مدى ثمانية أعوام، أو ردّاً على مقال لي قرابة عقدين من الزمان.

شخصيّاً، وعندما أكتب مقالاً، ومهما كانت المباشرة فيه كان وليد بيك يتواصل، ويعلّق، ويبدي وجهة نظره. وعليه سأكون مباشراً هنا بالتعليق على حوار وليد بيك مع قناة “إم.تي.في”.

يقول وليد بيك إنّ “العرب تخلّوا عن لبنان بحجّة التهجّم الشخصي والسياسي لحزب الله عليهم، ونحن ضحيّة هذا الصراع”. وهذا أمر غير دقيق، فالقصّة ليست شخصيّة، وليست صراع حساسيّات.

إيران تحتلّ لبنان عبر سلاح حزب الله الإرهابي، مثلما كان يحتلّه السوريون، لكن أُخرِج النظام السوري بتضحيات قادة لبنانيين، وعلى رأسهم الشهيد رفيق الحريري

مَن يُطلق الصواريخ على السعودية والإمارات من اليمن هم الحوثيّون المدعومون من إيران، ومن حزب الله الإرهابي الذي يساندهم بالتدريب واستخدام الإرهابيين أصحاب الخبرة في إطلاق الطائرات المسيَّرة وغيرها.

قد يقول وليد بيك: “حتّى إيران تفعل ذلك”، وهذا صحيح، لكنّ الحال مختلف لأنّ إيران دولة وهناك طرق كثيرة للتعامل معها. فهي تحاول جرّ المنطقة إلى حروب مفتوحة، والحكمة تقتضي عدم مجاراتها مباشرة، ولكلّ دولة أدواتها.

إلا أنّ حزب الله الإرهابي ميليشيا تختطف لبنان، وتتصرّف باسمه، وتريد من دول الخليج، والسعودية تحديداً، توفير الحماية للنظام اللبناني الذي هو تحت سطوة سلاحها، ويريد البعض في لبنان من السعودية ودول الخليج أن تتعامل مع لبنان وفق منطق المافيا، وهذا أمر صعب حدوثه.

القضية ليست شخصيّة، فقد سبق للسعودية أن سحبت يدها من الوساطة السعودية السورية في لبنان، إبّان عهد الراحل الملك عبدالله بن عبدالعزيز، رحمه الله، وقيل وقتذاك إنّ الموقف السعودي شخصيّ، وها هي الأيام تثبت أنّ الموقف السعودي تراكميّ، ونتاج تجربة سيّئة، وليس موقفاً شخصيّاً.

الخلاف ليس شخصيّاً، خصوصاً أنّ حزب الله الإرهابي، ومن ورائه إيران، يستهدف السعودية بتهريب المخدِّرات، وبشكل ممنهج. حسناً، دعك من السعودية. أنظر إلى الحادث الأخير الذي وقع على الحدود الأردنية السورية بين القوات الأردنية وميليشيات تابعة لإيران وحزب الله بسبب محاولة تهريب المخدِّرات.

ولذا لم يتخلَّ العرب عن لبنان، بل إنّ لبنان هو مَن تخلّى عن العرب عندما ساير بعض ساسته حزبَ الله إلى درجة مكّنته من إحكام قبضته على لبنان الذي لا تُعالَج أزمته باتّهام العرب ولا لومهم.

ولا تُعالَج أيضاً بالانسحاب من المشهد السياسي، لأنّها معركة حياة، وها هم العراقيون يواجهون معركة الوجود بكلّ تضحية، وبدون انسحابات من المشهد السياسي.

والعراق أيضاً من ضحايا إيران، وميليشياتها، وعلى رأسها حزب الله، لكنّ العراق وقادته لم يستجيبوا للترهيب والإرهاب، بل خاضوا المعركة. وها هي بغداد تبدأ أولى خطوات الانتصار سياسياً عبر الانتخابات، ولم نسمع ساسة العراق يشكون قلّة الدعم المادي!

إقرأ أيضاً: لبنان ينتظر القيادات الجديدة

خلاصة القول أنّ إيران تحتلّ لبنان عبر سلاح حزب الله الإرهابي، مثلما كان يحتلّه السوريون، لكن أُخرِج النظام السوري بتضحيات قادة لبنانيين، وعلى رأسهم الشهيد رفيق الحريري.

من هنا يجب أن تنطلق أولى خطوات المعركة من لبنان، وليس من مكان آخر. حينئذٍ سيقف الجميع مع لبنان، وليس مع طائفة محدّدة من الطوائف.

مواضيع ذات صلة

روسيا ولعبة البيضة والحجر

منذ سبع سنوات كتب الأستاذ نبيل عمرو في صحيفة “الشرق الأوسط” مستشرفاً الأيّام المقبلة. لم يكتب عمّا مضى، بل عمّا سيأتي. نستعيد هذا النصّ للعبرة…

سورية القويّة وسورية الضعيفة

سورية القويّة، بحسب ألبرت حوراني، تستطيع التأثير في محيطها القريب وفي المجال الدولي. أمّا سورية الضعيفة فتصبح عبئاً على نفسها وجيرانها والعالم. في عهد حافظ…

الرّياض في دمشق بعد الفراغ الإيرانيّ وقبل التفرّد التركيّ؟

سيبقى الحدث السوري نقطة الجذب الرئيسة، لبنانياً وإقليمياً ودوليّاً، مهما كانت التطوّرات المهمّة المتلاحقة في ميادين الإقليم. ولا يمكن فصل التوقّعات بشأن ما يجري في…

الرّافعي لـ”أساس”: حلّ ملفّ الموقوفين.. فالقهر يولّد الثّورة

لم يتردّد الشيخ سالم الرافعي رئيس هيئة علماء المسلمين في لبنان في الانتقال إلى دمشق التي لم يزُرها يوماً خوفاً من الاعتقال. ظهر فجأة في…