هل توقف “خارطة الطريق” الأوروبيّة الحرب في غزّة؟

مدة القراءة 7 د


انتهى الأسبوع المنصرم على خطة أوروبيّة للسلام بين الإسرائيليين والفلسطينيين. وبدأ الأسبوع الحالي باجتماع لوزيرَي خارجية إسرائيل وفلسطين مع وزراء خارجيّة الاتحاد الأوروبيّ (في اجتماعين منفصلين)، وبمشاركة وزراء خارجية لجنة المتابعة العربيّة (مصر والسعوديّة والأردن).

خطّة من عشر نقاط
خطة السلام الأوروبيّة هي أشبه بـ “خارطة طريق” تنطلق من إيقاف الحرب على غزّة لتصل إلى إقامة دولة فلسطينيّة وسلام مستدام بين الإسرائيليين والفلسطينيين. تتألّف الخطة من عشر نقاط يمكن اختصارها بالآتي:
1- قيام دولة فلسطينيّة تعيش جنباً إلى جنب مع إسرائيل و”التطبيع الكامل” للعلاقات بين إسرائيل والعالم العربي.
2- تساعد الجهات الدولية الفاعلة على إعداد أرضية للسلام وبناء “بديل سياسي متجدّد” لـ”حماس”.
3- تعقد الأطراف الدوليّة الفاعلة مؤتمراً تحضيريّاً للسلام “بأقرب وقت ممكن” بهدف تسوية الحرب في غزّة.
4- يُعقد المؤتمر على مستوى وزراء الخارجية ومديري المنظمات الدوليّة. ويعقد “في وقت واحد تقريباً” اجتماعات مع أطراف الصراع.
5- إعداد خطة سلام خلال عام واحد.
6- تتناول الخطة العناصر الأساسيّة للسلام الشامل بناء على قرارات الأمم المتحدة.
7- توفّر الخطة “ضمانات أمنيّة قوية” لإسرائيل والدولة الفلسطينية المستقبلية، “بشرط الاعتراف الدبلوماسي الكامل المتبادل”.
8- التشاور مع أطراف النزاع “في كلّ خطوة وفي أيّ وقت” أثناء صياغة خطة السلام.
9- تُقدّم الخطّة إلى طرفَي النزاع اللذين يتعيّن عليهما “التفاوض على النصّ النهائي”.
10- أثناء إعداد الخطّة يعمل المشاركون في المؤتمر للتخفيف من الأزمة الإنسانية المستمرّة في غزة، وتأمين إطلاق سراح المحتجزين الإسرائيليين، ومنع التصعيد الإقليمي، وتعزيز الشرعية الديمقراطية للسلطة الفلسطينية، ودعم إعادة إعمار غزة.

خطة السلام الأوروبيّة هي أشبه بـ “خارطة طريق” تنطلق من إيقاف الحرب على غزّة لتصل إلى إقامة دولة فلسطينيّة وسلام مستدام بين الإسرائيليين والفلسطينيين

أهميّة الخطّة في أنّها المبادرة الوحيدة التي يطرحها طرف دوليّ وازِن منذ اندلاع الحرب الإسرائيليّة الوحشيّة على غزّة على الرغم من كلام كلّ الأطراف الدوليّة عن حلّ الدولتين لإيقاف المجزرة والخروج من الأزمة.

الدوافع والأهداف
لا شكّ أنّ للاتحاد الأوروبيّ مجموعة مصالح ودوافع للتقدّم بهذه المبادرة. هذه أبرزها:
1- انسجام الاتّحاد مع موقفه التاريخيّ من هذا الصراع التاريخيّ.
2- قلق الاتحاد من انزلاق المواجهات العسكرية بين إسرائيل والحزب إلى حرب شاملة. فاستقرار لبنان يشكّل حاجة جيوستراتيجيّة لدول الاتّحاد الأوروبيّ، خاصة في ظلّ وجود حوالي 1.5 مليون نازح سوريّ يمكن أن تؤدّي أيّ حرب إسرائيليّة شاملة على لبنان إلى هروب قسم كبير منهم باتّجاه أوروبا، هذا إضافة إلى آلاف اللبنانيين الذين سيطرقون أبواب السفارات الأوروبيّة للهروب من جحيم الحرب.
3- قلق الاتحاد الأوروبيّ من توسّع الصراع في البحر الأحمر وما يشكّل من تهديد على أمن الملاحة عبر باب المندب. وهذا له تداعياته على حركة التجارة بين دول الاتحاد وجنوب – شرق آسيا وبالاتّجاهين. وقد بدأت تظهر تداعياته في تضخّم الأسعار الذي يُضاف إلى التضخّم الذي تشهده الاقتصادات الأوروبيّة منذ الحرب في أوكرانيا. وتجدر الإشارة إلى أنّ دول الاتحاد الأوروبيّ لها حصّة الأسد في الـ 15% من حجم التجارة العالميّة التي تمرّ عبر مضيق باب المندب، خاصّة من النفط والغاز.
4- حرص دول الاتحاد على السلام على الضفة الشرقية للمتوسّط الغنيّة بالغاز الذي تحتاج إليه لتنويع مصادرها من مصادر الطاقة ولتخفيف استيراده من روسيا.
5- خشية الاتحاد من استمرار الحرب في غزّة التي حوّلت اهتمام واشنطن عن الحرب في أوكرانيا التي تهدّد الأمن في أوروبا والعالم. ولا يمكن لأوروبا السماح بانتصار روسيا فيها، كما قال الرئيس الفرنسيّ في مؤتمره الصحافي الأخير. بيد أنّ أوروبا عاجزة عن تحقيق هذا الهدف من دون الولايات المتّحدة الأميركيّة ودعمها العسكريّ والماليّ لأوكرانيا. الميزانيات العسكريّة الأوروبيّة غير كافية لتزويد أوكرانيا بما تحتاج إليه لاستمرار الحرب. ومصانعها العسكريّة غير قادرة على تلبية حاجات الجيش الأوكراني من أسلحة وذخائر ومستلزمات عسكريّة.

أهميّة الخطّة في أنّها المبادرة الوحيدة التي يطرحها طرف دوليّ وازِن منذ اندلاع الحرب الإسرائيليّة الوحشيّة على غزّة

تحدّيات الخطّة الأوروبيّة
بيد أنّ الخطة الأوروبية دونها عقبات وتحدّيات. هذه أبرزها:
1- التوصّل إلى موقف أوروبيّ موحّد من الحرب الإسرائيليّة على غزّة. فرنسا حزمت أمرها لجهة المطالبة بوقف إطلاق النار، وألمانيا تقترب من هذه المطالبة. بيد أنّ دولاً مثل النمسا وتشيكيا والمجر لا تزال تدعم إسرائيل من أجل استمرار الحرب. ومعروف أنّ القرارات في الاتحاد الأوروبي تؤخذ بالإجماع، بغضّ النظر عن حجم الدولة وثقلها السياسيَّين.
2- عدم امتلاك الاتحاد الأوروبيّ أوراق الضغط الكافية لجلب إسرائيل إلى طاولة المفاوضات. صحيح أنّ وزير خارجيّتها شارك في اجتماع بروكسل الذي عُقد يوم الإثنين، إلا أنّ رئيسه لا يزال يرفض حلّ الدولتين والسلطة الفلسطينيّة ويريد البقاء في غزّة. وهنا السؤال الأساسي: هل موقف نتانياهو هذا يمثّله شخصيّاً مع الوزراء المتطرّفين في حكومته، أم هو موقف إسرائيل؟ وهل أدرك الإسرائيليون، بعد هجوم 7 تشرين الأول، أهمّية قيام دولة فلسطينيّة لضمان أمن إسرائيل أم لا يزالون يقتنعون بالقوّة العسكريّة لضمان أمنها؟ إنّ التوصّل إلى دولة فلسطينيّة يتطلّب إيقاف مشاريع الاستيطان، وربّما إزالة مستوطنات. بالأمس قال البيت الأبيض إنّ أيّ حلّ على “أساس الدولتين” يتطلّب تنازلات. هل إسرائيل مستعدّة لتقديمها؟ وهل هي مستعدّة للالتزام بالقرارات الدوليّة، إحدى ركائز الخطّة، التي لم تحترمها طوال عقود؟
3- ماذا عن حماس؟ لا شكّ أنّ الحركة تكبّدت خسائر فادحة. بيد أنّها لم تنكسر عسكرياً بالكامل. جميع الأطراف ترفضها شريكاً في أيّ حلّ مستقبليّ، باستثناء إيران. بيد أنّ شعبيّتها في الشارع الفلسطينيّ تبدو كبيرة. فلم يخرج أيّ صوت رافض لها في القطاع ولا في الضفّة باستثناء تصريحات مسؤولي حركة فتح. فكيف السبيل لإزالتها من المشهد الفلسطينيّ؟
4- جميع الأطراف أصبحت مقتنعة بضرورة تغيير السلطة الفلسطينيّة العاجزة وتطالب بإصلاحها. ولكن كيف؟ هل بتعيين سلطة بديلة انتقاليّة؟ وممّن؟ وماذا إذا أتت الانتخابات الفلسطينيّة المستقبليّة بشخصيات متشدّدة على غرار قادة حماس والجهاد الإسلاميّ؟
5- تتكلّم الخطة عن مشاركة “الجهات الدوليّة الفاعلة” في الخطّة. هل إيران من ضمنها؟ إذا لا، وهو الأرجح، هل يمكن التوصّل إلى حلّ للصراع الفلسطيني – الإسرائيليّ بدون إيران؟

إقرأ أيضاً: وراء الجنون الإيرانيّ… الداخل وحرب غزّة

هي أسئلة ربّما تقدّم الأسابيع والأشهر المقبلة إجابات عليها.
على الرغم من كلّ ما تقدّم ستكون خارطة الطريق الأوروبية ركيزة للبحث عن أيّ حلّ للحرب المندلعة منذ ثلاثة أشهر والتي تهدّد بتفجير المنطقة، وستعطي الاتحاد الأوروبيّ دوراً محورياً في حلّ الصراع الفلسطينيّ – الإسرائيليّ في المرحلة المُقبلة، خاصّة بعد سقوط الولايات المتّحدة الأميركيّة كطرف وسيط. وربّما ستشكّل فيما بعد قارب نجاة لإسرائيل للخروج من نفق البحث عن الأنفاق، وقارب نجاة لحركة حماس نفسها للخروج من الأنفاق.

 

لمتابعة الكاتب على تويتر: Fadi_ahmar@

مواضيع ذات صلة

ما الذي حدث في القاهرة بين وفدي فتح وحماس؟

بعد جهدٍ مصري حثيث، تم التوصل إلى اتفاق بين وفدي فتح وحماس على تشكيل لجنة سُميت بلجنة الإسناد المجتمعي لإدارة غزة بعد انتهاء الحرب. القول…

إيران تطلب السّلام… هل نطق ظريف بلسان الحرس؟

للتدخّل الروسي في سوريا قصّة رواها فيما بعد الأمين العامّ الراحل للحزب، ومختصرها أنّ قائد فيلق القدس في ذلك الحين، قاسم سليماني، سافر إلى موسكو…

المعارك في سوريا تمهّد للتّفاوض على إضعاف إيران؟

يرتسم الشرق الأوسط الجديد انطلاقاً من التطوّرات العسكرية الدراماتيكية في سوريا. يطرح تحريك الميدان السوري المفاجئ والمعقّد الأبعاد علامات استفهام حول صيرورة المواجهات الدائرة ومصير…

بعد الحرب.. هل من دروس تعلّمناها؟

“لو كنت تدرين ما ألقاه من شجنِ… لكنتِ أرفق من آسى ومن صفحَ غداة لوّحت بالآمال باسمة… لان الذي ثار وانقاد الذي جمحَ فالروض مهما…