سوليفان في المنطقة: من يتولّى غزّة في “اليوم التالي”؟

مدة القراءة 9 د


حين كانَ الرّئيس الأميركيّ جو بايدن يُطلِق “سهاماً سياسيّة” على حكومة رئيس الوزراء الإسرائيليّ بنيامين نتانياهو، كان مُستشاره لشؤون الأمن القوميّ جيك سوليفان قد ركِبَ طائرته مُتوجّهاً نحوَ تل أبيب والرّياض وأبو ظبي.
كانَ بايدن “يقصفُ” رشقاته السياسيّة لتمهيد الطّريق أمام مستشاره لاقتحام مجلس وزراء الحرب الإسرائيليّ، في محاولة لفرض مشهدٍ جديدٍ في إطار الحرب المُستمرّة في قطاع غزّة.
يريدُ بايدن أن تتسلّمَ السّلطة الفلسطينيّة بالتعاون مع دول الجوار العربيّ إدارة القطاع في فترة ما بعد الحرب. في الوقت عينه يُصرّ الإسرائيليّون بقيادة الحكومة اليمينيّة على رفض أيّ وجود للسّلطة الفلسطينيّة هُناك.
اللافتُ كانَ أنّ بايدن انتدَبَ هذه المرّة سوليفان “اليهوديّ – الأميركيّ” بدلاً من وزير خارجيّته أنتوني بلينكن، الذي حرصَ على زيارة إسرائيل بصفته اليهوديّة الدّينيّة – القوميّة، بحسب ما قال في زيارته الأولى لتل أبيب بعد عمليّة طوفان الأقصى في 7 تشرين الأوّل الماضي.
اختيار مستشار الأمن القوميّ لزيارة إسرائيل بالتزامن مع تصريحات بايدن النّاريّة ضدّ نتانياهو وحكومته يعني أنّ مصالح الأمن القوميّ الأميركيّ تضرّرَت إلى حدٍّ كبير بسبب الارتباط “الإلزاميّ” للرّئيس الأميركيّ، الذي لا ينفكّ عن التذكير والتفاخر بـ”صهيونيّته” بشكلٍ شبه يوميّ، بحكومة يمينيّة مُتطرّفة لا تعنيها المصالح الأميركيّة ولا حتّى مُستقبله السّياسيّ الذي سيكون على موعدٍ انتخابيّ بعد 10 أشهر من اليوم.

بحسب معلومات “أساس”، فإنّ سوليفان كانَ واضحاً مع رئيس الوزراء الإسرائيليّ بشأن مرحلة “ما بعد الحرب”، وربطَ ذلك بالمساعدة العسكريّة الأميركيّة

الرّياض البداية..
قبل وصوله إلى تل أبيب، حرصَ سوليفان على زيارة العاصمة السّعوديّة للقاء وليّ العهد السّعوديّ الأمير محمّد بن سلمان قبل أن يتوجّه إلى تل أبيب.
بحسب معلومات “أساس”، فقد حملَت زيارة سوليفان للرّياض 3 نقاطٍ أساسيّة:
1- العمل والتنسيق مع المملكة لمنع توسّع رقعة الحرب في المنطقة.
2- بحث الجهود والعمل على كبح الهجمات الحوثيّة التي تستهدف سُفناً تجاريّة يتّجه معظمها إلى إسرائيل عبر مياه البحر الأحمر.
3- ثالبحث في “الاتفاقيّة الاستراتيجيّة” التي كانَ يجري البحثُ فيها بين الرّياض وواشنطن قبل نشوب الحرب في غزّة. كانَت هذه الاتفاقيّة تتضمّن:
– توسعة وتطوير التحالف الدّفاعي بين الرّياض وواشنطن وتقديم التزامات أمنيّة وعسكريّة أميركيّة للدّفاع عن السّعوديّة ومصالحها.
– المساعدة الأميركيّة في تأسيس برنامج نوويّ سعوديّ.
– تتوسّط أميركا لتطبيع العلاقات بين المملكة العربيّة السّعوديّة وإسرائيل.
– كانت واشنطن تُطالب بخفض مستوى التعاون الاقتصاديّ والعسكريّ والسّياسيّ بين المملكة والصّين وروسيا.
– وكانت الرّياض تُطالب بـ”تنازلات إسرائيليّة كبيرة للفلسطينيين”، تتمثّل بخطوات عمليّة على الأرض، لا مجرّد وعودٍ من نتانياهو، بحسب ما نقلَت صحيفة “نيويورك تايمز” عن مسؤول إسرائيليّ في وقتٍ سابق.
الرئيس الأميركيّ أكّد قبل وصول سوليفان إلى الرّياض، أنّ بلاده تريد الاستمرار بالعمل لاستكمال “الاتفاقيّة الاستراتيجيّة” مع السّعوديّة، وهذا يتطلّب العودة إلى “رؤية حلّ الدّولتيْن”. وقال إنّ على نتانياهو أن يفهَمَ أنّ عليه العمل لتعزيز السّلطة الفلسطينيّة: “لا يمكنك القول إنّه لا توجد دولة فلسطينية على الإطلاق في المستقبل”.
بعد وصول مُوفد بايدن إلى العاصمة السّعوديّة، صرّح المتحدّث باسم مكتب الأمن القوميّ جون كيربي بالقول إنّه “قبل 7 تشرين الأوّل كان فريقنا يعمل بجدّيّة على التطبيع بين إسرائيل والمملكة العربية السعودية، الذي كان، وما زلنا نعتقد أنّه لا يزال، نقطة انطلاق للاقتراب من حلّ الدولتين”. وأضاف: “الجميع يركّز بشكل صحيح على ما يجري في غزة، لكن هذا لا يعني أنّنا تخلّينا عن ذلك”.
بحسب مصدر أميركيّ في مكتب الأمن القوميّ، فقد سمِعَ سوليفان من محمّد بن سلمان أنّ المملكة حريصة على استكمال أطر الشّراكة مع واشنطن، وأنّ زيارة وزير الدّفاع الأمير خالد بن سلمان للعاصمة الأميركيّة قبل أسابيع كانت في إطار التأكيد على ذلك.
كما شدّدَ وليّ العهد السّعوديّ للموفد الأميركيّ أنّ مُستقبل الاتفاق مرهونٌ بالتنازلات الإسرائيليّة، وأنّ الرّياض باتت بعد الحرب على غزّة أكثر حرصاً على نيل الفلسطينيين حقوقهم بدولة مستقلّة، وأنّ التّصرّفات التي تقوم بها حكومة نتانياهو لا تصبّ في هذا الاتجاه، بل العكس.
بدوره أكّد الموفد الأميركيّ لوليّ العهد السّعوديّ أنّ إدارته ستُؤكّد التزامها بحلّ الدّولتيْن قولاً وفعلاً، وأنّ الرّئيس الأميركيّ قد يقوم بخطواتٍ عمليّة بالتّنسيق مع “شركاء واشنطن في تل أبيب” لمنع أيّ احتلالٍ لقطاع غزّة وتقويض السّلطة الفلسطينيّة وزيادة تدفّق المُساعدات إلى القطاع.

بحسب مصدر أميركيّ في مكتب الأمن القوميّ، فقد سمِعَ سوليفان من محمّد بن سلمان أنّ المملكة حريصة على استكمال أطر الشّراكة مع واشنطن

في تل أبيب: توتّر ومرحلة ما بعد الحرب
بعد زيارة الرّياض انتقَلَ سوليفان إلى الأراضي المُحتلّة. التقى هُناك كلّاً من الرئيس الإسرائيلي إسحاق هرتسوغ ورئيس الوزراء بنيامين نتانياهو ووزير الدّفاع يوآف غالانت ورئيس الموساد ديفيد برنياع، واجتمعَ بمجلس وزراء الحرب.
بحسب معلومات “أساس”، فإنّ سوليفان كانَ واضحاً مع رئيس الوزراء الإسرائيليّ بشأن مرحلة “ما بعد الحرب”، وربطَ ذلك بالمساعدة العسكريّة الأميركيّة، وقال له ما نصّه: “أنا لستُ هُنا لأوقف الحرب، بل للقول إنّنا ندعمكم في مهمّة القضاء على حماس، لكنّ علينا أن نبدأ البحث الجدّيّ بشأن ذلك، وهذا من شأنه إقناعنا بضرورة الاستمرار بدعم العمليّة العسكريّة”.
أضاف: “عليكم التركيز في عمليّاتكم على مُلاحقة قادة “حماس”، ونرى أنّ عليكم أن تخفضوا كثافة العمليّات خلال 6 أسابيع كحدٍّ أقصى، وإلّا فالمنطقة برمّتها ستكون مُعرّضة للانفجار الشّامل، وهذا ما لا نريد رؤيته”.
قال سوليفان إنّ واشنطن ترى أن تتسلّم السّلطة الفلسطينيّة، بعد إعادة تشكيلها بالتّعاون مع قوّات من دول الجوار العربيّ، زمام الأمور في القطاع.
كذلك استعرضَ سوليفان، بحسب معلومات “أساس”، نتائج تحقيقات وكالة الاستخبارات المركزيّة “CIA” التي أظهرَت أنّ أكثر من نصف القنابل التي ألقتها إسرائيل على غزّة “غير موجّهة”، وهذا يُعدّ تعمّداً لاستهداف المدنيين. كما استعرضَ خلاصاتٍ أميركيّة تُؤكّد أنّ حكومة نتانياهو كانت تلقّت مؤشّرات “جدّيّة” قبل 7 تشرين الأوّل إلى نيّة حماس الهجوم على مستوطنات غلاف غزّة.
لم يجعل كلام سوليفان نتانياهو أكثر ليونة، حيث أجابه الأخير بأنّ “الجيش سيُكمل العمليّة ضدّ حماس بدعم أميركيّ أو من دونه، ونحن من سيُقرّر من يحكم غزّة. لن نقبل بوجود السّلطة الفلسطينيّة، فإمّا أن يكون هناك قوّات عربيّة من دون مشاركة الفلسطينيين، وإمّا أن نبقى هناك”.
ما لم يقُله نتانياهو صراحةً، قاله وزير التّراث عميحاي إلياهو أثناء وجود سوليفان في إسرائيل عبر إذاعة “كان ريشيت بيت”: “يجب على إسرائيل بعد نهاية الحرب احتلال القطاع بشكل كامل”.
أردف كلامه بالقول إنّ “دولتين لشعبين، هذا وهم. لا أرى أنّ الأجهزة الحالية للفلسطينيين قادرة على إدارة القطاع من دون قيام خلايا إرهابية جديدة هناك”.
كرّرَ سوليفان ما قاله لنتانياهو في اجتماعه مع مجلس الحرب الإسرائيليّ. إذ يُراهن بايدن وسوليفان على الجنرالات الوزراء، بيني غانتس وغادي آيزنكوت وغابي أشكينازي، وزعيم المعارضة يائير لابيد، لقلب المُعادلة السّياسيّة في تل أبيب متى حانَ الوقت.
هذا ما تُؤكّده استطلاعات الرّأي في الكيان العبريّ، التي كانَ آخرها ذلك الذي أجرته القناة 13 الإسرائيليّة ويُظهر تقدّم غانتس على نتانياهو.
ووجد استطلاع أجراه معهد “سياسات الشعب اليهودي” الشهر الماضي أنّ 55% من المشاركين لديهم ثقة قوية ببيني غانتس، مقابل 32% فقط بنتانياهو.
هذا الرّهان الأميركيّ عبّر عنه الكاتب في جريدة “الغارديان” البريطانيّة، جوناثان فريلاند، في مقالته التي حملت عنوان “هناك طريق واحد فقط للخروج من حرب غزّة ونتانياهو يُعرقله.. يجب على بايدن أن يجبره على التنحّي عن السلطة”.

اللقاء مع “الموساد”: تعاونوا مع القطريّين
على مدى ساعتيْن التقى سوليفان برئيس “الموساد” ديفيد برنياع. تركّز اللقاء حولَ ضرورة تجاوب تل أبيب مع الوساطة المصريّة – القطريّة لإطلاق الأسرى. ومن المرجّح أن تظهر نتائج هذه الاتصالات قبل منتصف الأسبوع الحاليّ.

في رامَ الله: أنتم من سيتسلّم غزّة
من تل أبيب انتقَلَ الموفد الأميركيّ إلى رامَ الله، حيث التقى رئيس السّلطة الفلسطينيّة محمود عبّاس.
بحسب بيان صادر عن البيت الأبيض، فإنّ سوليفان ناقش مع الرئيس عباس الجهود الأميركية لزيادة تدفّق المساعدات الإنسانية المقدّمة للمدنيين الفلسطينيين في غزة، وشدّد على أهمية تعزيز حماية المدنيين.
بحسب صحيفة “وول ستريت جورنال” فإنّ سوليفان أكّدَ للرّئيس الفلسطينيّ أنّ واشنطن تتطلّع إلى تشكيل قوة بقيادة الفلسطينيين تتولّى المسؤولية في غزة، على أن تساهم الدول المجاورة في هذه القوّة بمجرد انسحاب إسرائيل من القطاع.
نقلت الصّحيفة عن مسؤولين أميركيين وفلسطينيين أنّ سوليفان طلب من أبي مازن توفير أفراد أمن يمكنهم تشكيل نواة للقيام بدوريات في غزة.

إقرأ أيضاً: سوليفان في تل أبيب حاملاً “الكارت الأحمر”؟

كما ناقشَ الجانبان خطّة لإعادة تدريب 1,000 ضابط سابق من قوات الأمن التابعة للسلطة في غزة، وما بين 3,000 إلى 5,000 آخرين في الضفة الغربية سيعملون في غزة بعد الحرب.
أشارَ التقرير إلى أنّ “فورة المحادثات الأمنيّة” تكشف حجم الحاجة الملحّة التي تشعر بها واشنطن والعواصم العربية إلى البدء بالتخطيط لما يسمّى بـ”اليوم التالي لحماس”، مع التنويه إلى عدم توافر موقف موحّد بين الدول العربية بشأن من سيساهم بقوات في هذه المرحلة، فيما يشترك الجميع في المطالبة بوقف إطلاق النار وإمكانية إقامة دولة فلسطينية.

 

لمتابعة الكاتب على تويتر: IbrahimRihan2@

مواضيع ذات صلة

الاتّفاق Done: إعلانه خلال أيّام.. أو أسابيع؟

بين واشنطن وتل أبيب وبيروت أصبحت شروط الاتّفاق معروفة، ولا ينقصها سوى لمسات أخيرة قد تستلزم يوماً واحداً، وقد تطول لأسابيع، أربعة ربّما. لكن ما…

“اليوم التّالي” مطعّم بنكهة سعوديّة؟

لم يعد خافياً ارتفاع منسوب اهتمام المملكة العربية السعودية بالملفّ اللبناني. باتت المؤشّرات كثيرة، وتشي بأنّ مرحلة جديدة ستطبع العلاقات الثنائية بين البلدين. الأرجح أنّ…

مخالفات على خطّ اليرزة-السّراي

ضمن سياق الظروف الاستثنائية التي تملي على المسؤولين تجاوز بعض الشكليّات القانونية تأخذ رئاسة الحكومة على وزير الدفاع موريس سليم ارتكابه مخالفة جرى التطنيش حكوميّاً…

“الفرصة الأخيرة” وسط الألغام

قبل ساعات من وصول الموفد الأميركي آموس هوكستين تقصّد العدوّ الإسرائيلي كما الحزب رفع مستوى الضغط الميداني إلى حدّه الأقصى: إسرائيل تكرّر قصف عمق العاصمة…