بين المغرب والإمارات… شراكة الحداثة..

مدة القراءة 6 د


يتأكّد كلّ يوم أكثر وجود عالمين في منطقة الشرق الأوسط والخليج وشمال إفريقيا. عالم مرتبط بالمستقبل وما يمثّله بكلّ الآفاق التي يفتحها… وعالم آخر يسير نحو الماضي. هناك عالم متصالح مع نفسه التركيز فيه على بناء الإنسان. عالم يشعر الحاكم فيه أنّه جزء من الشعب وتطلّعاته كما حال المغرب ودولة الإمارات العربيّة المتحدة، وهناك عالم يحتاج فيه الحاكم إلى قمع شعبه حفاظاً على نظامه.
الفارق شاسع بين هذين العالمين، بين من يعمل من أجل المحافظة على النظام بأيّ ثمن، وبين من يهمّه مصير بلده وشعبه والرفع من شأنهما. ظهر ذلك بكلّ وضوح من خلال الزيارة التي قام بها حديثاً الملك محمّد السادس لدولة الإمارات وما أسفرت عنه لقاءاته مع رئيس الدولة الشيخ محمّد بن زايد من نتائج مبنيّة على الشراكة والتعاون الاقتصادي.
من المفيد التوقّف عند الاستقبال الاستثنائي الذي خصّ به محمّد بن زايد ضيفه، خصوصاً رسم سلاح الجوّ الإماراتي علم المغرب في سماء أبو ظبي تكريماً لمحمّد السادس واحتفاء به وبمكانته. يأتي لاحقاً ما أسفرت عنه الزيارة بحدّ ذاتها التي يبدو أنّه أعدّ لها بشكل دقيق مع توقيع الرئيس الإماراتي والملك المغربي إعلان “نحو شراكة مبتكرة ومتجدّدة وراسخة بين المملكة المغربية ودولة الإمارات العربية المتحدة” بهدف الارتقاء بالعلاقات والتعاون الثنائي إلى آفاق أوسع، من خلال شراكات اقتصادية فاعلة تخدم المصالح العليا المشتركة.
شدّد محمد السادس ومحمّد بن زايد على طموح الدولتين لإقامة شراكات اقتصادية استراتيجية مشتركة رائدة على مستوى الأسواق الإقليمية والدولية، ولا سيّما مع الفضاء الإفريقي. أشارا إلى أنّ التعاون بين الإمارات والمغرب يرتكز على مبادئ عدّة في مقدَّمها إعطاء دفعة قوية للشراكة والتنمية الاقتصادية.

المغرب يعرف الإمارات، والإمارات تعرف المغرب. مثل هذه المعرفة المتبادلة المبنيّة على أسس علمية تفضي إلى لغة مشتركة وشراكة في التطلّع إلى المستقبل تحت عنوان عريض اختاره الجانبان

يتعلّق الأمر بفرص الاستثمار في مشاريع البنيات التحتية، من خلال بناء خطوط السكك الحديدية مع إعطاء الأولوية للقطار الفائق السرعة الذي يربط القنيطرة بمراكش. وتقع القنيطرة بين الرباط وطنجة وهي على خطّ القطار السريع (البراق) الذي يربط الدار البيضاء بطنجة مع توقّف في الرباط. كذلك ستكون هناك شراكة إنمائية وشراكة بين شركة بترول أبوظبي الوطنية ومجموعة المكتب الشريف للفوسفات، وشراكة استثمارية في مشاريع تهمّ قطاع الطاقة.
اتّفق الجانبان أيضاً على البحث في تطوير مشاريع مشتركة في المجالات السياحية والعقارية، ولا سيما على ساحل البحر الأبيض المتوسط وفي جهتَيْ الداخلة وطرفاية (على ساحل المحيط الأطلسي)، فضلاً عن دراسة إنجاز مشاريع في مجال الاتصالات والاقتصاد الرقمي وتمويلها، مع مشاريع أخرى ذات بعد اقتصادي، والتعاون في إطار شراكة بين القطاعين العامّ والخاصّ.
نصّت إحدى المذكّرات على وضع الأسس لتعاون استثماري في قطاع الموانئ وعلى إرساء شراكة استثمارية مرتبطة بمشروع أنبوب الغاز المغرب – نيجيريا.
تدعو زيارة الملك محمّد السادس لأبوظبي إلى التوقّف عند ملاحظات معيّنة، بينها أنّ اللغة المستخدمة هي لغة حديثة وعلميّة في الوقت ذاته. في مقدّم هذه الملاحظات تلك العلاقة العميقة بين بلدين يعرف كلّ منهما الآخر جيّداً على الرغم من المسافة التي تفصل بينهما. ليس الموضوع موضوع علاقة شخصيّة ربطت في الماضي بين الملك الحسن الثاني والشيخ زايد بن سلطان الذي أسّس الإمارات ولاحقاً بين محمّد السادس ومحمّد بن زايد فحسب، بل إنّه فهم وتفاهم عميقان أيضاً. يفهم العاهل المغربي الإمارات ودورها الدبلوماسي، ويفهم الرئيس الإماراتي أبعاد العلاقة مع المغرب ومعناها إفريقيّاً ودولياً. يوجد فهم لأهمّية وحدة التراب المغربي وللتطوّر في نظرة المغرب إلى ما هو أبعد من إفريقيا، أي إلى البعد الأطلسي من خلال تطوير ميناء الداخلة. تحدّث محمّد السادس طويلاً عن هذا البعد في خطابه الأخير في ذكرى “المسيرة الخضراء” التي استعادها المغاربة من خلالها أقاليمهم الصحراوية في تشرين الثاني من عام 1975.
لم يكن خطاب الملك محمّد السادس في الذكرى الـ48 لـ”المسيرة الخضراء” سوى تأكيد لاستمرار المسيرة التي يتبيّن يومياً كم كانت مهمّة على غير صعيد، بما في ذلك العمق الإفريقي الذي أضيف إليه البعد الأطلسي لبلد مثل المغرب.
تميّز خطاب محمّد السادس الأخير، في ذكرى “المسيرة الخضراء”، بالشفافية والصراحة. قال العاهل المغربي: “مكّن استرجاع أقاليمنا الجنوبية، من تعزيز البعد الأطلسي للمملكة. كما مكّنت تعبئة الدبلوماسية الوطنية من تقوية موقف المغرب وتزايد الدعم الدولي لوحدته الترابية والتصدّي لمناورات الخصوم المكشوفين والخفيّين. إذا كانت الواجهة المتوسّطية تعدّ صلة وصل بين المغرب وأوروبا، فإنّ الواجهة الأطلسية هي بوّابة المغرب نحو إفريقيا ونافذة انفتاحه على الفضاء الأميركي “(…).
ليس سرّاً الدعم الإماراتي الدائم للمغرب ولوحدته الترابيّة، وهو دعم يشكّل موقفاً مشتركاً لأعضاء مجلس التعاون لدول الخليج العربيّة التي اعترفت بمغربيّة الصحراء. يتعلّق الأمر في نهاية المطاف بموقف حضاري من حرب مفتعلة يشنّها النظام الجزائري، عبر أداة اسمها “بوليساريو” على المغرب بهدف واضح. يتمثّل هذا الهدف في عرقلة جهود التنمية في المملكة المغربيّة.

إقرأ أيضاً: كي لا تبقى الدولة الفلسطينيّة كلاماً جميلاً…

لا استعداد مغربيّاً للسقوط في الفخّ الجزائري، ولا استعداد إماراتياً للسقوط في أسر الشعارات. من هنا الرغبة المشتركة في وقف حرب غزّة في أسرع وقت بعيداً عن المزايدات، من أيّ جهة أتت، من جهة، وإنقاذ الشعب الفلسطيني والحؤول دون تصفية قضيّته من جهة أخرى.
المغرب يعرف الإمارات، والإمارات تعرف المغرب. مثل هذه المعرفة المتبادلة المبنيّة على أسس علمية تفضي إلى لغة مشتركة وشراكة في التطلّع إلى المستقبل تحت عنوان عريض اختاره الجانبان: “نحو شراكة مبتكرة ومتجدّدة وراسخة”… تقوم أوّل ما تقوم على التخلّص من الجهل والتخلّف بكلّ أشكالهما.

مواضيع ذات صلة

الصراع على سوريا -2

ليست عابرة اجتماعات لجنة الاتّصال الوزارية العربية التي عقدت في مدينة العقبة الأردنية في 14 كانون الأوّل بشأن التطوّرات في سوريا، بعد سقوط نظام بشار…

جنبلاط والشّرع: رفيقا سلاح… منذ 100 عام

دمشق في 26 كانون الثاني 2005، كنت مراسلاً لجريدة “البلد” اللبنانية أغطّي حواراً بين وليد جنبلاط وطلّاب الجامعة اليسوعية في بيروت. كان حواراً باللغة الفرنسية،…

ترامب يحيي تاريخ السّلطنة العثمانيّة

تقوم معظم الدول التي تتأثّر مصالحها مع تغييرات السياسة الأميركية بالتعاقد مع شركات اللوبيات التي لها تأثير في واشنطن، لمعرفة نوايا وتوجّهات الإدارة الأميركية الجديدة….

الأردن: 5 أسباب للقلق “السّوريّ”

“الأردن هو التالي”، مقولة سرت في بعض الأوساط، بعد سقوط نظام بشار الأسد وانهيار الحكم البعثيّ في سوريا. فلماذا سرت هذه المقولة؟ وهل من دواعٍ…