أسامة بن لادن، يعود إلى الحياة، بعد أكثر من 12 عاماً على قتله في باكستان، على يد قوة خاصة أميركية، بمناسبة المذبحة الجارية في قطاع غزّة، على يد الجيش الإسرائيلي المدعوم من إدارة بايدن بشكل مطلق. عاد بن لادن، ليكون عنصراً مؤثّراً في الحملة الأميركية الشعبية الهادفة لوقف إطلاق النار في غزّة، من خلال إحياء رسالة قديمة مهملة عمرها 21 سنة، عنوانها: “رسالة إلى أمريكا a letter to America“. والاهتمام المستجدّ بخطاباته يترافق مع دخول تنظيم القاعدة نفق العتمة المطلقة، منذ مقتل خليفة بن لادن، الطبيب المصري أيمن الظواهري، في غارة على منزله بالعاصمة الأفغانية كابول، العام الماضي، من دون نعي رسمي من التنظيم على غير عادته. وهو الغموض الذي يثير التساؤلات عن موقع التنظيم ودوره في الأحداث المتتالية منذ العام الماضي، دون صدور أيّ بيان، وصولاً إلى غزّة، وهو الذي اعتاد على مدى عقود على إصدار البيانات التحريضية والتحذيرية في مناسبات أقلّ بكثير ممّا يجري حالياً في قطاع غزّة. وهل يمكن أن يكون في حالة خمود متعمّد، أو انطفاء ذاتي دون إعلان؟
لكنّ المفارقة أثناء البحث في أرشيف الكنز الهائل من المعلومات الذي صادرته القوة الأميركية الخاصة من منزل بن لادن المقتول بباكستان، ما يكشف عن نظرة بن لادن، إلى الرئيس الأميركي الحالي جو بايدن، وهو المسؤول المباشر عن منح نتنياهو كل ما يلزم من وقت ومال وسلاح لقتل الفلسطينيين في غزّة، وهو وضع غير مسيوق في وحشيته. فقد ورد في إحدى الرسائل المصادَرة، حديث بين زعيم القاعدة ومساعديه، يقول فيه إنّه كلّف القائد العسكري في القاعدة إلياس الكشميري (قُتل في 3 حزيران عام 2011، أي بعد شهر من قتل بن لادن)، بتجهيز مجموعتين، واحدة في باكستان وأخرى في أفغانستان، ترصّداً لأيّ زيارة يقوم بها الرئيس الأميركي آنذاك باراك أوباما أو قائد القوات الأميركية في أفغانستان ديفيد بترايوس، لباكستان أو أفغانستان، لاغتيال أحدهما أو كليهما عبر استهداف الطائرة التي تقلّ الاثنين أو أحدهما، فمقتل بترايوس الذي يقود العمليات العسكرية، سيغيّر مسار الحرب في أفغانستان. أمّا اغتيال أوباما بوصفه “رأس الكفر” كما جاء في الوثيقة، فسيُحدث أثراً كبيراً في مجرى الأحداث، لأنّ قتله سيتيح لنائبه بايدن تسلّم الحكم من بعده بشكل تلقائي. وعدم التعرّض لبايدن بالاغتيال بحسب مخطّط بن لادن، هو لأنّ بايدن برأي بن لادن غير جاهز إطلاقاً لتولّي رئاسة الولايات المتحدة، وهذا ما سيقودها نحو الأزمة. وبغضّ النظر عن قدرة التنظيم آنذاك على تنفيذ عملية معقّدة وشبه مستحيلة مثل التي رغب بها بن لادن، إلا أنّ ما يلفت الانتباه وصفه آنذاك لبايدن، وتقدير أهليّته للرئاسة. وهو ما يشهده الأميركيون والعالم، ولا سيما في غزّة. فهل صدقت نبوءته؟
أسامة بن لادن، يعود إلى الحياة، بعد أكثر من 12 عاماً على قتله في باكستان، على يد قوة خاصة أميركية، بمناسبة المذبحة الجارية في قطاع غزّة
وصول الرسالة بعد 21 عاماً
أخيراً، وصلت رسالة أسامة بن لادن إلى الشعب الأميركي، بعد 21 عاماً على ترجمتها ونشرها بجريدة الغارديان البريطانية. ولم تكن لتصل إلى الأميركيين عموماً وإلى الشباب منهم بشكل محدّد، أو “جيل زدGeneration Z “، وهم الذين وُلدوا أواخر التسعينيات وأوائل القرن الحالي، لولا مأساة الأطفال في قطاع غزّة منذ هجوم حماس على غلاف غزّة في 7 تشرين الأول الماضي، وما أثار ذلك من تحوّلات عميقة في الرأي العالم العالمي تجاه إسرائيل والقضية الفلسطينية، ولدى الرأي العام الأميركي خاصة. جيل الشباب الذين لم يشهدوا الهجمات المُميتة لتنظيم القاعدة بطائرات مدنية مخطوفة على برجَي مركز التجارة العالمي بنيويورك في 11 أيلول 2001، وعلى مبنى البنتاغون بواشنطن، أو لم يكونوا في سنّ الإدراك لما يجري حولهم، يقودون هذه الأيام، حملة التعاطف مع أهل غزّة، وهم الذين يعيشون صدمة اكتشاف الرسالة وما تضمّنته من تبريرات لذلك الهجوم الإرهابي المروّع على الولايات المتحدة. إنّه الدعم الأميركي الرسمي اللامحدود لإسرائيل التي تعتدي وتنتهك وتحتلّ منذ أكثر من ثلاثة أرباع القرن، دون وازع، بل بتمويل مباشر من دافعي الضرائب الأميركيين.
اكتشاف الرسالة
بعض المؤثّرين الأميركيين في منصة تيك توك TikTok، والذين يتعاطفون بقوة مع الشعب الفلسطيني حالياً، اكتشفوا “رسالة إلى الشعب الأميركي”، في الصحيفة البريطانية، من عدوّ أميركا الأول، الذي قتلته قوات البحرية الأميركية الخاصة في أبوت أباد بباكستان في 2 أيار عام 2011، فتأثّروا بها، ودعوا متابعيهم إلى قراءتها بتمعّن. وبحسب تقرير شبكة “سي إن إن” الأميركية، فإنّ العشرات من الشباب الأميركيين نشروا مقاطع فيديو على تطبيق تيك توك في الأيام القليلة الماضية، لا يعبّرون فيها فقط عن دهشتهم لأنّ الرسالة القديمة تحاكي مجريات الأحداث الدامية اليوم، وكأنّها نُشرت للتوّ، بل عبّروا في مقاطع الفيديو عن تعاطفهم مع أسامة بن لادن. وتجاوزت الردود فئة الشباب إلى الأكبر سنّاً، في مراجعة لم يسبق لها مثيل لشريط الأحداث الدامية من عام 1998 تاريخ أول عملية تفجير ضدّ مصالح أميركية في إفريقيا (ضرب سفارتَي الولايات المتحدة في دار السلام بتنزانيا ونيروبي بكينيا بشاحنتين مفخّختين)، إلى ضرب المدمّرة العسكرية الأميركية يو إس إس كول في ميناء عدن عام 2000، بزورق مفخّخ، فاستهداف الأراضي الأميركية نفسها عام 2001، من خلال ضرب رموزها الاقتصادية والعسكرية والسياسية الأبرز.
هناك شعور بالحيرة والغرابة لدى الخبراء الأميركيين من تأثير رسالة بن لادن، في شرائح واسعة، في هذا الظرف السياسي العصيب
ملايين القرّاء لرسالة بن لادن
انتشرت رسالة بن لادن والتعليقات حولها على منصات التواصل الاجتماعي انتشار النار في الهشيم، وتفاوتت الردود، بين متعاطف أو خائف. فالمتعاطفون الجدد مع بن لادن، وهم من الأميركيين حصراً، وجدوا في الرسالة مبتغاهم لتفسير سياق الأحداث في غزّة، لا سيما انحياز الإدارة الأميركية بشكل كامل إلى جانب إسرائيل. أمّا الخائفون، فتوجّسوا ممّا قد يحدث من عمليات إرهابية انتقامية جديدة جرّاء الانحياز الأميركي إلى إسرائيل. وحصدت مقاطع الفيديو التي طرقت الموضوع ما لا يقلّ عن 14 مليون مشاهدة بحلول يوم الخميس الماضي. وهو ما دفع صحيفة الغارديان إلى حذف الرسالة من موقعها، بعدما تضاعف الدخول إليه تلمّساً للرسالة أضعافاً مضاعفة خلال ساعات. وبرّرت الغارديان ذلك، بأنّ المستخدمين يقرأون رسالة بن لادن من دون سياقها التحليلي المنشور في مقال مرتبط بها. ومورست ضغوط على منصة تيك توك لحظر الفيديوهات والتعليقات المؤيّدة لبن لادن، حتى إنّ الشركة أصدرت بياناً قلّلت فيه من حجم انتشار تلك الفيديوهات، بل قالت إنّ عددها صغير، من دون الإفصاح عن أدلّة تعزّز ذلك كما تقول “سي إن إن”. وما أثار القلق هو أنّ منصة تيك توك تحظى بشعبية كبيرة بين الشباب الأميركيين، حيث يستخدم غالبية الأميركيين الذين تقلّ أعمارهم عن 30 عاماً التطبيق مرّة واحدة على الأقلّ في الأسبوع، وفقاً لاستطلاع أجرته مؤسسة KFF البحثية والإحصائية. وثمّة ما يقرب من ثلث الأميركيين الذين تتراوح أعمارهم بين 18 و29 عاماً يحصلون بانتظام على الأخبار من تيك توك، وفقاً لمؤسسة بيو Pew الإحصائية. وبشكل عام، تضاعفت نسبة البالغين الأميركيين الذين يقولون إنّهم يحصلون على أخبارهم بانتظام من تيك توك أربع مرّات من 3% في عام 2020 إلى 14% في عام 2023.
إقرأ أيضاً: هل نجحت حماس بتكرار التجربة الفيتناميّة؟
الرسالة حقيقيّة؟
مقابل ذلك، هناك شعور بالحيرة والغرابة لدى الخبراء الأميركيين من تأثير رسالة بن لادن، في شرائح واسعة، في هذا الظرف السياسي العصيب. وقال بيتر بيرغن Peter Bergen، محلّل الأمن القومي في شبكة “سي إن إن”، إنّه يجد انتشار الرسالة “محيّراً”. وكان بيرغن أوّل من رتّب مقابلة تلفزيونية مع أسامة بن لادن في عام 1997. وبحسب تعبيره، فإنّ “معظم الناس إمّا لم يكونوا قد وُلدوا بعد أو كانوا أطفالاً صغاراً جداً عندما وقعت أحداث 11 أيلول، لذلك ليس لديهم الكثير من المعلومات عن السياق التاريخي لتلك الأحداث”. ويتشكّك بيرغن الذي ألّف عدّة كتب عن بن لادن، في أصل الرسالة. وقال لشبكة “سي إن إن”: “لا يوجد دليل على أنّ هذه الرسالة كتبها بن لادن، إذ إنّ بعض الأمور التي تركّز عليها الرسالة لا تتّفق مع كتاباته الأخرى”. ومن الجدير ذكره أنّ الرسالة التي يتداولها الأميركيون بكثرة حالياً، ليست الرسالة الفريدة الموجّهة إلى الشعب الأميركي، فقد تعاقبت الرسائل من هذا النوع، لتبرير الهجمات الإرهابية، ابتداء من عام 2001. وهذه الرسالة تحديداً، لا تخصّص الكلام عن فلسطين وحدها، وتتضمّن سرداً من بن لادن لموبقات أميركا الأخلاقية، ويدعو الأميركيين فيها إلى اعتناق الإسلام، وهو أمر انفردت به الرسالة عن سواها، بحيث إنّه حاول فيها جاهداً استمالة الجمهور الأميركي، وتخييره بين العيش بسلام بالتخلّص من مؤيّدي إسرائيل في الإدارة الحاكمة، أو دفع الثمن غالياً لأنهم من ينتخب رؤساءهم. ومن الصعب حالياً، العثور على هذه الرسالة في أرشيف بن لادن، المنشور في مواقع إلكترونية عامّة، وهو ما يثير الاهتمام أكثر بظروف نشر الرسالة في الغارديان في 24 تشرين الثاني عام 2002، وهل كانت إجابات لبن لادن عن أسئلة صحافية في ذلك الحين؟
لمتابعة الكاتب على تويتر: HishamAlaywan64@