هل يثمر التطبيع التركيّ المصريّ حلحلةً في غزّة؟

مدة القراءة 8 د


هاكان فيدان في القاهرة لبحث فرص التنسيق المشترك في التعامل مع ملفّ الأزمة في غزّة. لكنّه هناك أيضاً للتضامن مع المواقف المصرية في مواجهة “العروض” الإسرائيلية – الأميركية المقدَّمة باتجاه تفعيل ممرّ “إنساني” يُخرج المدنيين الفلسطينيين من القطاع من دون عودة، وإخلاء غزّة من قيادات وكوادر “حماس” مقابل صفقة وصول المساعدات إلى القطاع. فهل تتخلّى واشنطن عن دعمها الواسع لإسرائيل أم كلّ ما تفعله هو تسهيل قبول ما تقوله وتريده تل أبيب حول مقايضة إسرائيلية – إسرائيلية لا أكثر: الإفراج عن الأسرى والرهائن والمحتجزين الإسرائيليين في غزّة مقابل مغادرة قيادات وكوادر “حماس” القطاع إلى خارجه باتجاه دولة عربية أو إسلامية ترضى باستقبالهم؟ وهل الهدف هو تكرار الصفقة التي حصلت في لبنان عام 1982؟
هل تعيين الدبلوماسي المخضرم والأكثر خبرة وتجربة في ملفّات الشرق الأوسط داخل الإدارة الأميركية ديفيد ساترفيلد مبعوثاً خاصاً للرئيس بايدن للشؤون الإنسانية ولمتابعة التطوّرات في الشرق الأوسط، هدفه تسهيل تنفيذ هذه الخطة على مراحل وإبقاء الأمور على ما هي عليه من دون أيّ حلحلة في الملفّ الفلسطيني؟ فجأة تعود بنا الذاكرة إلى عهد فيليب حبيب في الشرق الأوسط وفي مطلع الثمانينيات.
استهدفت المقاتلات الإسرائيلية قبل أيام معبر رفح لتمرير رسالة رفضها فتح الحدود المصرية الفلسطينية. يعتقد البعض أنّ ما تقوم به القاهرة في هذه الآونة هو إقناع تل أبيب بالتراجع عن موقفها والاكتفاء بتسهيل دخول المساعدات إلى القطاع. لكنّ القيادة المصرية كما يبدو تبحث عن خطة تحرّك متعدّدة الأهداف والجوانب بينها الشقّ الأمني والسياسي والإنساني.
توجُّه وزير الخارجية التركي هاكان فيدان إلى مصر في هذه الآونة مهمّ جدّاً. فهو فرصة للبلدين المؤثّرَين في ملفّات إقليمية عديدة للتشاور والتفاهم حول ما يدور في غزّة، خصوصاً أنّ المواقف تتطابق في الكثير من المسائل في الملفّ.

تتطلّع زيارة وزير الخارجية التركي هاكان فيدان للقاهرة قبل أيام إلى تنسيق تركي – مصري يجمع بعض العواصم العربية لقطع الطريق على هذا العرض الإسرائيلي بغطاء أميركي

فيدان في القاهرة للوقوف إلى جانبها في رفض سياسة التهجير أو محاولات تصفية القضية الفلسطينية كما تشاء تل أبيب حتى ولو كان الثمن تعريض التوازنات والمعادلات الإقليمية القائمة للخطر، وهو ما اعتبره مجلس الأمن القومي المصري خطّاً أحمر لن يسمح بتجاوزه.

نحو استراتيجية جديدة
تتطلّع زيارة وزير الخارجية التركي هاكان فيدان للقاهرة قبل أيام إلى تنسيق تركي – مصري يجمع بعض العواصم العربية لقطع الطريق على هذا العرض الإسرائيلي بغطاء أميركي. وهو هناك أيضاً لدعم العرض المصري المضادّ باتجاه تنظيم مؤتمر إقليمي واسع حول الملفّ الفلسطيني، هدفه دفع تل أبيب وواشنطن وعواصم أوروبية إلى قبول خارطة طريق جديدة نحو تسوية حقيقية تنهي معاناة الشعب الفلسطيني، وتلزم إسرائيل بتنفيذ تعهّداتها المقدَّمة في الاتفاقيات الموقَّعة مع مصر والأردن والسلطة الفلسطينية في العقود الأربعة الأخيرة.
ما يطرحه فيدان ويركّز عليه في القاهرة ربّما هو ضرورة اعتماد استراتيجية تحرُّك جديد، بينها سحب بعض الأوراق من يد إيران وإسرائيل على السواء: بقدر ما أخطأ نتانياهو في تصوُّر أنّ القضية الفلسطينية ستسقط بالتقادم والإهمال، أخطأ العديد من العواصم في الرهان على نظرية إضعاف “حماس” بعزلها وتركها تتوجّه نحو الحضن الإيراني.
نتانياهو في حكم المنتهي سياسياً وشعبياً وحزبياً في إسرائيل بعد ما حلّ به في غزّة ونتيجة الأخطاء الفادحة التي يرتكبها. لا أحد في الغرب سيغفر له ذلك، وهو لن يخرج أقوى ممّا كان عليه مهما كانت نتائج العمليات العسكرية في القطاع. ضرورة الاستعداد لقيادة إسرائيلية مغايرة في الطرح والمواقف هو بعض ما قد يكون نوقش في القاهرة بين فيدان وشكري.
هناك أيضاً رسالة تركية – مصرية مشتركة لواشنطن التي تتابع ما تقوله قيادات في تل أبيب حول تغيير خارطة الشرق الأوسط، وهو السلاح الذي تهدّد به إيران دول المنطقة كذلك بين الحين والآخر. يريد نتانياهو إحياء خطة الترانسفير القديمة المرفوضة عربياً وتركيّاً وحلمه بعرض الوطن الفلسطيني البديل في عمق الأراضي المصرية، وعلى واشنطن أن تحسم موقفها وتراجع سياساتها وتصغي لما تقوله شعوب المنطقة وقياداتها في هذه المرحلة، بعيداً عن الاستقواء بتحريك السفن البحرية نحو سواحل الشرق الأوسط ومحاولة الوصول إلى ما تريد عبر لعب ورقة الفرصة الإيرانية. وهو بين دوافع انتقال فيدان إلى العاصمة المصرية.
قد يكون بهذا الاتجاه أيضاً ما سمعه بلينكن في أكثر من عاصمة عربية زارها خلال جولته الشرق أوسطية: على واشنطن أن تبدّل من سياساتها ونظرتها إلى نتانياهو ومواقفه وأساليبه إذا ما كانت راغبة فعلاً في حماية مصالحها مع العديد من دول المنطقة وتريد مواصلة سياسة التهدئة والتطبيع الإقليمي كما تقول، وتكون أكثر وضوحاً وتفهّماً لما يقوله الشعب الفلسطيني اليوم، وهي فرصة سانحة لها قد لا تعوَّض.
يعود بلينكن إلى إسرائيل بعدما واجهه الرفض المصري الصريح لأيّ عرض أميركي حول نقل المدنيين في غزّة أو محاولة مقايضة إخراج قيادات “حماس” وكوادرها من القطاع من دون رضاها بتفعيل “الممرّ الإنساني”. ينبغي أن تكون مهمّة ساترفيلد مختلفة عن مهمّة فيليب حبيب اللبناني الأميركي بعيداً عن محاولة إقناع البعض بعملية التهجير القسري – الطوعي! أو كما يقول مستشار بايدن لشؤون الأمن القومي جيك سوليفان والسيناتور ليندسي غراهام من أنّ عملية النقل ستكون بمنزلة تدبير احترازي ينتهي مع انتهاء الأزمة!

تركيا تدعم العرض المصري
فيدان في مصر أيضاً لدعم العرض المصري الأخير بالدعوة إلى مؤتمر إقليمي – دولي يُخصَّص لبحث مستقبل القضية الفلسطينية. وهي رسالة ردّ على الطروحات الإسرائيلية الغربية التي تريد القطع مع القرارات الأممية حول حلّ الدولتين وتبنّي سيناريو التهجير وإخراج قيادات “حماس” من غزّة إرضاء لتل أبيب وواشنطن.
تريد واشنطن قطع الطريق على المناورة الروسية الصينية، وتريد الوقوف إلى جانب إسرائيل في هجومها الواسع ضدّ “حماس” وتريد حماية علاقاتها مع دول المنطقة ومصالحها فيها، فهل يكون لها كلّ ما تريد؟
لو لم يكن هناك ما نوقش بين وزير الخارجية المصري سامح شكري ونظيره التركي هاكان فيدان في القاهرة وتمّ الاتفاق عليه وإبلاغ وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن به خلال زيارته للعاصمة المصرية، لما بدّلت واشنطن تصريحاتها ونبرتها الداعمة لتل أبيب وذهبت وراء الحديث عن دعمها لآلية إيصال المساعدات عبر معبر رفح من مصر إلى قطاع غزّة وإلى من يحتاجون إليها هناك بالتنسيق مع الأمم المتحدة ومصر وإسرائيل.
رسائل المؤتمر الصحافي المشترك بين شكري وفيدان حول الرؤية الموحّدة بشأن القضية الفلسطينية والنقاط الجامعة بين أنقرة والقاهرة بشأن طريق الحلّ في غزّة، وما سمعه بلينكن في العواصم العربية التي زارها وأقلقه لناحية احتمال سقوط ما شيّدته واشنطن على خطّ التطبيع، هو بين الأسباب الرئيسية التي قد تكون دفعته إلى إعلان موقف أميركي جديد مغاير لفتح الطريق أمام القوات الإسرائيلية للقيام بعدوانها البرّي على غزّة.
ما سيدفع الإدارة الأميركية لمراجعة مواقفها هو التشدّد العربي – التركي والرسائل الروسية الصينية الانفتاحية على ما تقوله هذه العواصم لواشنطن وتل أبيب، وهما أبعد وأهمّ ممّا قاله بلينكن حول “يهوديّته” أو إرسال السفن الحربية الأميركية إلى سواحل شرق المتوسط وتراجع بايدن عن مواقفه المنحازة لإسرائيل في حقّها بالردّ حتى لو كان المستهدف هم المدنيين في غزّة.

إقرأ أيضاً: غزّة: هل يستطيع أردوغان منع العملية البريّة؟

زيارة فيدان للعاصمة المصرية ترجمة عملية جديدة للرغبة المشتركة باتجاه الانتقال بالعلاقات إلى مرحلة جديدة تهدف إلى تفعيل آليّات التنسيق والتعاون. التقارب التركي المصري الجديد سيسرّع عملية التطبيع بين البلدين لأنّ الباقي هو زيارة القمّة التي لم يعد مهمّاً من يقدم عليها أوّلاً.
يعكس التقارب التركي المصري حجم مسار الانفتاح وفرص اتخاذ قرارات سياسية واقتصادية استراتيجية مشتركة كانت صعبة المنال قبل عام مثلاً. لعبت الاستجابة للقراءات السياسية والاقتصادية والأمنيّة في الإقليم دوراً أساسياً في قرار مراجعة المواقف والسياسات وإنهاء عقد من الخصومة والتباعد. وقد يتحوّل الملفّ الفلسطيني وتطوّراته الحاصلة اليوم إلى وسيلة أخرى للتفاهم والتعاون بسبب ما يحمله معه من فرص ثنائية وإقليمية للعاصمتين.

 

لمتابعة الكاتب على تويتر: profsamirsalha@

مواضيع ذات صلة

كريم خان يفرّغ رواية إسرائيل عن حرب “الطّوفان”

تذهب المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي إلى المسّ بـ “أبطال الحرب” في إسرائيل، رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو، ووزير الدفاع المقال يوآف غالانت. بات الرجلان ملاحَقَين…

هل يريد بايدن توسيع الحروب… استقبالاً لترامب؟

من حقّ الجميع أن يتفاءل بإمكانية أن تصل إلى خواتيم سعيدة المفاوضات غير المباشرة التي يقودها المبعوث الأميركي آموس هوكستين بين الفريق الرسمي اللبناني والحزب…

مواجهة ترامب للصين تبدأ في الشّرق الأوسط

 يقع الحفاظ على التفوّق الاقتصادي للولايات المتحدة الأميركية في صميم عقيدة الأمن القومي على مرّ العهود، وأصبح يشكّل هاجس القادة الأميركيين مع اقتراب الصين من…

الحلّ السعودي؟

ينبغي على واشنطن أن تُدرِكَ أنَّ المملكة العربية السعودية الأقوى تَخدُمُ الجميع، فهي قادرةٌ على إضعافِ قوّةِ إيران، كما يُمكنها أن تدفع إسرائيل إلى صُنعِ…