في اليوم الأخير غداً لولاية رياض سلامة في حاكمية مصرف لبنان طغت قنبلة نوابه الأربعة على مشهد خروجه نهائياً من مكتبه الذي اختزن على مدى 30 عاماً أسرار الدولة وقياداتها و”زبائنها”، على رأسهم الحكومات المتعاقبة.
الجميع مرعوب
لا شكّ أنّ الجميع مرعوب من مرحلة “ما بعد رياض”، حتى مع تطمينات الأخير بأنّ المصرف المركزي “قادر على احتواء الأزمة بعد مغادرتي”. نواب الحاكم أنفسهم، تماماً كما بعض القوى السياسية، يتخوّفون من دور سلبي ما لرياض سلامة بعد مغادرته مكتبه نهائياً يعرقل الجهود لإبقاء الوضع الماليّ والنقدي تحت السيطرة.
نهار السبت تمّ تسريب معلومات عن مؤتمر صحافي سيعقده منصوري في مقرّ حاكمية مصرف لبنان لإعلان استقالته، في مقابل تأكيد من نائب الحاكم الثاني بشير يقظان أنّه لن يستقيل
هذا ما يُفسّر التخبّط الفظيع لدى قوى السلطة في محاولتها أن تزيح عن ظهرها “همّ” تركة رياض سلامة وتجنّب الدخول في فراغ لا سابق له في تاريخ حاكمية مصرف لبنان وإدارة جديدة جماعية مُرتبِكة وغير منسجمة ووضع ماليّ ونقدي يراوح بين حدّي الاستقرار والانفجار.
سقط التمديد لسلامة أوّلاً ثمّ التعيين، والحارس القضائي لمصرف لبنان لم يتعدَّ عتبة مركزية التيار في ميرنا الشالوحي، وتطبيق حرفيّة المادّة 25 من قانون النقد والتسليف بتولّي نائب الحاكم الأوّل صلاحيّات الحاكم بقي رهن مفاوضات اللحظة الأخيرة.
وفق معلومات “أساس” اتّفق نواب الحاكم الأربعة في اجتماعهم الأخير مع ميقاتي مساء الخميس، غداة تطيير نصاب جلسة التعيين، على إحالة الحكومة في جلستها التي ستُعقد غداً الإثنين عند الساعة الرابعة من بعد الظهر مشروع قانون يجيز الاقتراض من مصرف لبنان بالدولار ويتيح الصرف من الاحتياطي الإلزامي بالعملات الصعبة بسقف محدّد، وتمّ التحسّب لرفض قوى سياسية إحالة المشروع من قبل حكومة تصرِّف الأعمال بأن يقدّم عشرة نوّاب اقتراح قانون بهذا الشأن، وهو ما يقتضي في الحالتين انعقاد مجلس النواب.
مآرب أخرى في جلسة الإثنين
جلسة الإثنين الوزارية مخصّصة لمتابعة مناقشة مشروع الموازنة، لكنّ اختيار اليوم الأخير من ولاية رياض سلامة للبحث في مسألة الموازنة كان مقصوداً في محاولة لمواكبة التطوّرات المتسارعة المرتبطة بملفّ مصرف لبنان وترتيب الإجراءات الكفيلة بمنع نواب الحاكم من تقديم استقالاتهم.
لكنّ نهار السبت تمّ تسريب معلومات عن مؤتمر صحافي سيعقده منصوري في مقرّ حاكمية مصرف لبنان لإعلان استقالته، في مقابل تأكيد من نائب الحاكم الثاني بشير يقظان أنّه لن يستقيل.
عزّزت التسريبات حول دعوة منصوري إلى مؤتمر صحافي الشكوك في تعرّضه لضغوط للتقدّم باستقالته، ولا سيّما أنّ أوساطاً مطّلعة أكّدت لـ “أساس” أنّ “منصوري غير مقتنع بالاستقالة تماماً، معتبراً أنّه قادر على فرض ضغوط على السلطة السياسية لتغيير نمطها في التعامل مع مصرف لبنان والتأسيس لمسار جديد يضع حدّاً فاصلاً مع سياسات الحاكم المُغادِر. وقد اشتكى أمام مرجع رسمي من ضغط يمارسه عليه النائب علي حسن خليل، كي يقدّم استقالته، وهو ما دفع المرجع الرسمي إلى مفاتحة خليل بالموضوع وقول الأخير: “مش هويه يللي بقرّر (منصوري)”.
مصدر مطّلع لـ “أساس”: “في حال قدّم منصوري استقالته سيكلّف مجلس الوزراء وزير المال الطلب من منصوري التريّث بالاستقالة وإبلاغه رفض مجلس الوزراء لها ومتابعة العمل إلى حين بتّها”
ماذا سيقول منصوري؟
مع ذلك، تفيد المعلومات بأنّ منصوري الذي سيعقد مؤتمره الصحافي بحضور نواب الحاكم الثلاثة بشير يقظان وسليم شاهين وألكسندر مادايان لن يعلن استقالته، والنواب الثلاثة أيضاً لن يقدّموا استقالاتهم.
في المعطيات أنّ منصوري سيعرض أمام الرأي العامّ المراحل التي سبقت وتلت البيان الشهير الذي أصدره نواب الحاكم الأربعة، والخطة الإصلاحية التي يتمسّكون بتطبيقها، ونتائج المفاوضات مع رئيس الحكومة، والشروط التي يفرضها نواب الحاكم لتسلّم نائب الحاكم الأول صلاحيات الحاكمية بعد 31 تموز، وتأكيد استحالة الصرف من الاحتياطي الإلزامي بالعملات الصعبة من دون قانون لدفع الرواتب والمستلزمات الأساسية، وآليّة ردّ الحكومة للأموال التي تستدينها من مصرف لبنان، فيما الاتّصالات شغّالة لعقد جلسة تشريعية قد تُعطَّل مجدّداً بسبب الفيتو المسيحي.
يبقى احتمال تقديم منصوري استقالته قائماً في أيّ لحظة ربطاً بتطوّرات الملف، لكنّ أوساطاً حكومية تجزم لـ “أساس” أنّ “التمديد للحاكم، في حال قدّم منصوري استقالته، غير وارد ولن يُطرح من خارج جدول الأعمال في جلسة الإثنين، والأهمّ أنّ سلامة أبلغ المعنيين رفضه التامّ له”.
يقول مصدر مطّلع لـ “أساس”: “في حال قدّم منصوري استقالته سيكلّف مجلس الوزراء وزير المال الطلب من منصوري التريّث بالاستقالة وإبلاغه رفض مجلس الوزراء لها ومتابعة العمل إلى حين بتّها”.
إقرأ أيضاً: مصرف لبنان من دون “حاكِم”؟
بالتأكيد، لن يكون قرار منصوري غداً بالأمر السهل. فالمرجعية السياسية التي زكّت تعيينه تدفشه باتّجاه الاستقالة، وتمّ تحريك الفالق الطائفي من خلال الموقف الذي أعلنه نائب رئيس المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى الشيخ علي الخطيب قائلاً: “يريدون تحميل الطائفة الشيعية والسلاح وزر الانهيار، لذلك أنا أرفض أن يتولّى نائب الحاكم الشيعي المسؤولية لأنّهم سيحمّلون الشيعة المسؤولية عن استمرار الانهيار”.
لمتابعة الكاتب على تويتر: MalakAkil@