“مفاجأة” انتخابات الكويت: تحالف يقلب المعادلات

مدة القراءة 7 د

على بعد حوالي ثلاثة أسابيع من الموعد المحدّد للانتخابات البرلمانية المقرّرة في الكويت في 6 حزيران المقبل، لا يجد كثير من المرشّحين مادّة انتخابية يتوجّهون بها إلى ناخبيهم، لا على الصعيد السياسي ولا في إطار السياقات الاقتصادية والوطنية وحتى الشعبوية.
من المتوقّع أن ترتفع حماوة الحملات في الأيام المقبلة، لكنّ الخشية الكبرى تتمثّل في عزوف الناخبين عن التوجّه إلى صناديق الاقتراع، وهو ما حذّرت منه تقديرات حكومية مُسرّبة رجّحت عدم تجاوز نسبة المشاركة 40 في المئة. وقد بدا ذلك جليّاً أيضاً في تصريحات المرشّحين لدى تسجيل ترشيحاتهم، وفي تشديد رئيس مجلس الأمّة السابق أحمد السعدون على ضرورة المشاركة، متوجّهاً إلى الناخبين بالقول: “من حقّ البعض أن يشعروا ببعض الملل، لكنّ حضوركم في يوم الانتخابات هو الذي يُحدّد المصير إذا كنّا نسعى إلى الإصلاح”.
تحدّث أيضاً مرشّحون آخرون عن “الملل” و”الإحباط” الذي تسلّل إلى قلوب الكويتيين، من بينهم النائب السابق شعيب المويزري الذي توقّع أن تكون نسبة التغيير بين 10 و12 نائباً مقارنة بمجلس الأمّة المُنتخب في عام 2022 والذي تمّ إبطاله بحُكم من المحكمة الدستورية، والنائب السابق سعود أبو صليب الذي وصف المعركة بأنّها “معركة كسر عظم” (راجع مقال “أساس” في 4 أيار) “وحرب بين قوى الفساد والشرّ”، والنائب السابق محمد هايف الذي نبّه إلى أنّ “الإحباط والعزوف سيؤدّيان إلى أن يصل إلى المجلس من لا يستحقّ أن يمثّل الشعب الكويتي، ولنا عبرة في المقاطعة التي حصلت في 2012 وما حصل بعدها من مجالس لا تُمثّل الشارع”.

من المتوقّع أن ترتفع حماوة الحملات في الأيام المقبلة، لكنّ الخشية الكبرى تتمثّل في عزوف الناخبين عن التوجّه إلى صناديق الاقتراع

من جهته، لفت مرشّح جماعة “الإخوان” (اسمها الكويتي الحركة الدستورية الإسلامية “حدس”) عبد العزيز الصقعبي إلى أنّ كلّ من هو مستفيد من حالة “الفوضى السياسية”، سواء من أبناء الأسرة الحاكمة أو من التجّار، يريد من الناخب أن “يزهق” من العمل البرلماني ولا يذهب إلى التصويت، وهذا “أمر خطير”، حسب وصفه. فيما تحدّث النائب السابق مهلهل المضف (وهو أحد نواب المعارضة الوازنين) عن أنّ الكويت “ما تزال تحبو في الديمقراطية على الرغم من مرور 60 عاماً، بل تتأخّر وتتراجع”.

أسباب الإحباط
تعود أجواء الإحباط السائدة إلى سببين رئيسيَّين، يتعلّقان بالناخبين وبالنواب السابقين والمرشّحين:
1- إنّ الناخبين عندما ذهبوا إلى الصناديق في أيلول 2022 كانوا يعتقدون أنّ مرحلة الاستقرار ستبدأ وأنّ مرحلة الخلافات والتأزيم ستُطوى، لكنّ ذلك لم يحصل، وأتى بعد ذلك إبطال المجلس بقرار قضائي خلَطَ الأوراق وفرَضَ عليهم الذهاب مجدّداً إلى الصناديق.
2- إنّ النواب الذين فازوا في الانتخابات الأخيرة، غالبيّتهم من النواب المعارضين الذين سيطروا على كلّ لجان المجلس، واختاروا رئيسه (المُخضرم أحمد السعدون) بالتزكية، ونسجوا علاقات إيجابية مع الحكومة، لكنّها لم ترقَ إلى مرحلة التعاون، بسبب ضعف التنسيق من جهة، وانعكاسات صراعات الأقطاب من جهة ثانية.
تشير التقديرات إلى أنّ هذه الأجواء ستفضي إلى معركة طاحنة وشرسة في غالبية الدوائر الانتخابية الخمس، إذ إنّ عدد المرشّحين الذي وصل إلى 249 مع إغلاق باب الترشيح يوم الأحد الماضي (يتوقّع أن ينخفض قليلاً بعد المراجعات القانونية والقضائية) يُعتبر الأدنى مقارنة بالانتخابات السابقة (376 في 2022 و395 في 2020 و454 في 2016)، وهذا يعني أنّ الكُتل والمجاميع الصلبة من الناخبين هي التي ستحسم المواجهات.
بلغة الأرقام، ترشّح 47 من أعضاء مجلس 2022 فيما اختار 3 العزوف، فيما ترشّح 37 من أعضاء مجلس 2020 مقابل عزوف 13، وهو ما يعني أنّ المعركة عملياً ستدور بين غالبية الفائزين في الانتخابات الأخيرة وقسم كبير من نواب 2020 الذين اختارت غالبيّتهم الانكفاء في الانتخابات الأخيرة، لكنّها قرّرت هذه المرّة الانخراط في المعركة.
صحيح أنّ الانتخابات الأخيرة شهدت سيطرة المعارضة على مجلس الأمّة، لكنّها عملياً لم تجد خصماً بسبب غياب رئيس المجلس السابق مرزوق الغانم وبعض النواب المؤيّدين له عن المشهد، نتيجة عدم ترشّحهم للانتخابات، فتحوّلت المعارضة إلى “معارضات”، وتعثّرت لوحدها بطرحها مطالب غير قابلة للتحقيق (مثل إسقاط القروض عن المواطنين)، فاصطدمت بالحكومة، على الرغم من الأجواء الإيجابية بينهما.

فوز مرجّح للمعارضة
بعد الاقتراع الجديد، من المُرجّح أن تفوز المعارضة مجدّداً، لكنّها هذه المرّة ستجد خصمها في قاعة البرلمان، إذ يبدو أنّ الغانم سيتحوّل بعد الانتخابات إلى مُعارض شرس للحكومة، وتالياً فإنّ الرجل الذي شكّل رافعة للحكومة منذ عام 2013 حتى منتصف 2022، سيُصبح في المقلب الآخر.

صحيح أنّ الانتخابات الأخيرة شهدت سيطرة المعارضة على مجلس الأمّة، لكنّها عملياً لم تجد خصماً بسبب غياب رئيس المجلس السابق مرزوق الغانم وبعض النواب المؤيّدين له عن المشهد

يعني ذلك أنّ النواب الذين كانوا مُعارضين خلال نحو عقد من الزمن (من 2013 إلى 2022) في المجالس التي رأسها الغانم، سيتحوّلون إلى موالين في المجلس الجديد وسيرتفع عددهم فيُشكّلون الغالبية، فيما سيكون الغانم مع نواب آخرين في موقع المعارضة.
ألمح الغانم إلى ذلك عندما اعتبر أنّ مسألة ترشّحه للرئاسة سابقة لأوانها، وأن لا مشكلة لديه في خدمة الشعب من أيّ موقع في البرلمان، علماً أنّ قسماً كبيراً من المرشّحين ليس لديه في برنامجه إلا منع الغانم من الوصول للرئاسة، بل وصل البعض إلى حدّ المطالبة بإسقاطه في الانتخابات.
يشكّل ضمان نزاهة الانتخابات حملاً ثقيلاً على الحكومة التي حذّر الغانم رئيسها الشيخ أحمد النواف من مغبّة تدخّلات أحد أفراد الأسرة الحاكمة عبر دفع الأموال، قائلاً له: “أحد أبناء الأسرة الحاكمة ولد عمّك قاعد يتدخّل في الانتخابات وحاط شاليه في الخويسات ويستدعي المرشّحين وبعض النواب الذين كانوا أدواته في المجالس السابقة، وهناك دعم يُقدّم، وعليك أن تراقب هذا الأمر… المسؤول أنت وليس هو، ومن سيُحاسَب إذا استمرّ هذا الأمر، أنت وليس هو”. وأضاف: “اليوم أتكلّم تلميحاً لكن إذا استمرّ تدخّل هذا الفرد من أبناء الأسرة في الانتخابات فسأتكلّم تصريحاً وبكلّ وضوح، نتمنّى انتخابات نزيهة ومن دون أيّ تدخّل خارجي ونترك الشعب يختار بوضوح وشفافية”.
قصَدَ الغانم في تصريحه خصمه السياسي الشيخ أحمد الفهد الذي سبق أن تحدّث عنه صراحة النائب السابق عبيد الوسمي في ذروة الحملات الانتخابية الماضية.

تحالف يقلب المعادلات
ما هو جديد ومختلف أنّ كلّ المعطيات الحالية تتقاطع عند وجود تحالف بين رئيس الوزراء الحالي (المُرجّحة عودته لرئاسة الحكومة بعد الانتخابات) وأحمد الفهد، وهو ما سيؤدّي إلى قلب المعادلات، وتحوُّل قسم كبير ووازن من المعارضين السابقين إلى موالين، مقابل تحوُّل الموالين السابقين بقيادة الغانم إلى معارضين.

إقرأ أيضاً: “كسر عظم” في انتخابات الكويت

خلال نحو 17 عاماً (منذ 2006 حتى 2022)، انتخب الكويتيون 9 مجالس أمّة (أُبطلت 3 منها بأحكام قضائية)، ويختارون العاشر بعد أسابيع، فيما كان يفترض وجود 4 مجالس فقط في هذه الفترة الزمنية، لو قُيّض لكلّ منها أن يُكمل مدّته الدستورية المحدّدة بأربع سنوات.
واكب هذه المجالس أكثر من 20 حكومة، وهو ما يعكس حالة عدم الاستقرار السياسي نتيجة صراع الأقطاب (تسميته السياسية المُلطّفة: الخلافات بين السلطتين)، ويبدو أنّ الأمر مُستمرّ على هذا النحو حتى إشعار آخر.

مواضيع ذات صلة

اتفاق غزّة: ترامب “يقفل” ملفّ الشّرق الأوسط…

تسير المُتغيّرات في المنطقة على وقعِ دخول الرئيس الأميركي المُنتخَب دونالد ترامب المكتب البيضاويّ. كلّما اقترَبَ موعدُ دخوله، تسارَعت الأحداث. وكأنّ المنطقة “تنظّف نفسها”، تحضيراً…

الثنائي لن يستسلم… أمام الانقلاب المخمليّ

الأرجح، هو الانقلاب المخملي الوحيد الذي شهده تاريخ لبنان الحديث، وتحديداً منذ قيام جمهورية الطائف. حتى اغتيال رفيق الحريري، وما تبعه من أحداث وتطوّرات حملت…

عون – سلام: لا كسر للشيعة

في أربع وعشرين ساعة تغيّر المشهد. ما الذي تغيّر؟ لا بدّ أن نعترف أنّ المتغيّرات في البلد أصبحت حتميّة. وطوفان التغيير منذ 17 تشرين الأوّل…

ترتيب المشهد اللّيبيّ.. هل يحكم سيف الإسلام القذّافي؟

حقّق سيف الإسلام القذافي “نصراً كاسحاً” في الانتخابات البلدية التي شهدتها ليبيا، كما سمّاه، في تشرين الثاني الماضي. حين شارك 74% من الليبيين في تلك…