المقال الذي كتبه الزميل أيمن جزيني في موقع “أساس” تحت عنوان “خوفاً على المسيحيين” أثار نقاشات وحوارات مطوّلة بين عدد من المثقّفين والناشطين في الشأن العامّ في إطار “منتدى التكامل الإقليمي”، وهو مجموعة من المفكّرين والمثقّفين والإعلاميين والناشطين والأكاديميين اللبنانيين والعرب المهتمّين بتجديد الفكر العربي والدعوة إلى التكامل الإقليمي وتعزيز الهويّات الوطنية.
نظراً للأسئلة الكثيرة التي أثارها المقال في ما يتعلّق بدور المسيحيين اليوم في لبنان والعالم العربي، وضرورة تجديد رؤية المسيحيين في المستقبل، أعدّ المنتدى ورقة أوّلية لمناقشتها في لقاء خاص لأعضاء المنتدى تمهيداً لورشة وطنية تبحث هذا الموضوع المهمّ.
لكن بعد نقاش مطوّل قدّم المشاركون جملة ملاحظات مهمّة توصّلت إلى نتيجة أساسية، وهي أنّ المشكلة اليوم لا تقتصر فقط على المسيحيين، بل تعني كلّ اللبنانيين والعرب، وأنّنا نفتقر اليوم إلى الأفكار الجديدة القادرة على مواكبة المتغيّرات والتطوّرات في لبنان والمنطقة والعالم، وأنّ المطلوب إقامة نقاش شامل في الهويّات الوطنية وتحدّياتها في لبنان والعالم العربي.
لكن ما هي أبرز الأفكار والملاحظات التي قدّمها أعضاء المنتدى؟ وما هي خلاصة بعض الأوراق التي قُدّمت خلال هذه النقاشات؟
يمكن تلخيص تلك الأفكار والملاحظات بما يلي:
يمكن إغفال دور الخارج في الواقع اللبناني في ظلّ فشل اللبنانيين في إدارة بلدهم خلال السنوات الأخيرة، لكنّ ذلك يجب أن يكون دافعاً إلى إعادة بناء الدولة القويّة
-أوّلاً: تعود المشكلة اليوم إلى غياب مساحات التفكير الوطنية التي شهدها لبنان في ستّينيات وسبعينيات القرن الماضي، وتمثّلت في مراكز التفكير والأنشطة الثقافية والأحزاب الوطنية العابرة للطوائف والمؤسّسات الثقافية المهمّة، وأبرزها الندوة اللبنانية التي تحوّلت إلى منبر لبناني وعربي ودولي.
-ثانياً: نحتاج اليوم إلى مراجعة دور لبنان الجديد في ضوء المتغيّرات التي حصلت في السنوات الأخيرة، مع تأكيد أهميّة مميّزات لبنان على صعيد التنوّع والتعدّدية والحرّية والدور الحواري بين الشرق والغرب.
-ثالثاً: على الرغم من أنّ اتفاق الطائف حسم هويّة لبنان العربية عادت النقاشات اليوم من جديد في الهويّة الوطنية، وبرزت مواقف متطرّفة تدعو إلى العودة إلى لبنان الصغير وتبني أفكاراً قديمة، وهذا يتطلّب العمل مجدّداً من أجل تعزيز الهويّة الوطنية والانتماء العربي ومواجهة نموّ الهويّات المذهبية والطائفية.
-رابعاً: لا يمكن تجاوز دور المرجعيّات الدينية والأحزاب السياسية المذهبية والصدام معها، بل لا بدّ من العمل لتعزيز دور الدولة ومؤسّساتها وبناء ثقافة المواطنة لأنّ ذلك الطريق الصحيح من أجل تعزيز المواطنة والانتماء إلى لبنان.
-خامساً: لا بدّ من الاستفادة من المبادرات الوطنية التي تنشط في أكثر من اتجاه لتعزيز الهويّة الوطنية والردّ على طروحات الفدرالية والتقسيم، ومنها إطلاق منتدى التفكير الوطني واللقاء الوطني والتشاوري ورشةً وطنيةً حواريةً في كلّ المناطق اللبنانية.
-سادساً: من المهمّ معالجة الهواجس والمخاوف عند كلّ اللبنانيين، ولا يمكن التركيز على مخاوف فئة دون أخرى، فالجميع مأزوم ونحتاج إلى حوار وطني صادق لبناء لبنان الجديد.
-سابعاً: إنّ على اللبنانيين الاستفادة من التطوّرات الحاصلة في المنطقة، ولا سيما بعد الاتفاق السعودي – الإيراني وعودة العلاقات العربية مع سوريا، لأنّ ذلك يعطي لبنان الفرصة للابتعاد عن صراعات المنطقة واستعادة دور اللبنانيين في صناعة مستقبلهم.
إقرأ أيضاً: خوفاً على المسيحيّين
-ثامناً: لا يمكن إغفال دور الخارج في الواقع اللبناني في ظلّ فشل اللبنانيين في إدارة بلدهم خلال السنوات الأخيرة، لكنّ ذلك يجب أن يكون دافعاً إلى إعادة بناء الدولة القويّة لأنّ هذا هو الطريق الوحيد لإضعاف دور الخارج ومواجهة إشكالية علاقة الأطراف اللبنانية بالخارج.
-تاسعاً: يجب التشبيك مع كلّ الجهات الفاعلة في الواقع اللبناني من صناعيين ومغتربين وجمعيات معنيّة بالبيئة والقوى الوطنية المخلصة من أجل بناء لوبي لبناني قادر على التغيير.
هذه بعض الأفكار والاقتراحات التي أثارها مقال الزميل أيمن جزيني، والتي تؤكّد أنّ المشكلة ليست مسيحية فقط، بل تتعلّق بكلّ اللبنانيين، وأنّنا نحتاج إلى أفكار جديدة تواكب المتغيّرات والتطوّرات في لبنان والمنطقة والعالم.
لمتابعة الكاتب على تويتر: kassirKassem@