مزيد من العدوانيّة الإيرانيّة

2023-08-05

مزيد من العدوانيّة الإيرانيّة


من اشتباكات مخيّم عين الحلوة الفلسطيني في جنوب لبنان ببعدها الداخلي الفلسطيني، إلى ما يدور في اليمن والخليج العربي، مروراً بأحداث أخرى على الصعيد اللبناني وفي العراق وسوريا، يبدو المشروع التوسّعي الإيراني وكأنّه دخل مرحلة جديدة. أقلّ ما يمكن وصف هذه المرحلة به هو مزيد من العدوانيّة ترافق محاولة لتثبيت أمر واقع في المنطقة.

“تصدير الثورة”

مرّة أخرى، يتبيّن بالملموس أنّ نظام “الجمهوريّة الإسلاميّة” في إيران لا يستطيع العيش من دون تنفيذ مضمون شعار “تصدير الثورة” مع ما يعنيه ذلك من استخدام لميليشيات تعمل بإمرة “الحرس الثوري” في هذا البلد أو ذاك. من هذا المنطلق، يمكن فهم السعي الإيراني إلى استغلال الارتباك الداخلي الإسرائيلي المترافق مع أزمة في العلاقات الإسرائيلية – الأميركيّة في كلّ الاتجاهات وعلى كلّ الصعد.

يعبّر عن ذلك الموقفُ الذي اعتمده النظام السوري أخيراً في تعاطيه مع الإدارة الأميركيّة. ليس سرّاً أنّ إدارة جو بايدن كانت تجري مفاوضات مع ممثّلين للنظام السوري في سلطنة عُمان. يوجد اهتمام أميركي بمصير الصحافي الأميركي اوستن تايس الذي اختفى في عام 2012 في منطقة داريا السوريّة. رضخ الأميركيون لرغبة النظام وأجروا معه مفاوضات مباشرة على مستوى معيّن. توقف كلّ شيء عند الجلسة الثالثة التي لم تستغرق سوى دقائق قليلة. اعتبر الجانب السوري، فجأة، أن لا مجال لمفاوضات من أيّ نوع من دون انسحاب عسكري أميركي سريع من الأراضي السوريّة.

الثورة الجارية في المنطقة تطال التكنولوجيا والاستثمار الحديث وتطوير البنى التحتية والربط مع مراكز المال والاعمال والابتكار. ما عاد ممكناً في زمن السوشال ميديا منع هذه الصورة من الوصول الى كل شاشات الإيرانيين، عبر الهواتف

أكثر من واضح أنّ القرار في هذا الشأن كان قراراً إيرانياً. بعثت “الجمهوريّة الإسلاميّة” برسالة إلى كلّ من يعنيه الأمر. فحوى الرسالة أنّ القرار السوري ملكها. ما ينطبق على الموقف من أميركا ينطبق على الموقف من تركيا. لا وجود حاليّاً لأيّ مفاوضات بين النظام وتركيا في شأن الترتيبات الأمنيّة في الشمال السوري والتطبيع مع الرئيس رجب طيب إردوغان كما يرغب الجانب الروسي. وضعت طهران حدّاً لأيّ أخذ وردّ بين أنقرة ودمشق.

خيار التصعيد

لم تترك “الجمهوريّة” الإسلاميّة، للأسف الشديد، غير خيار التصعيد بغية الدفاع عن نفسها في وجه التطوّرات التي تشهدها المنطقة كلّها. لذلك نراها تتشدّد في لبنان وتمنع انتخاب رئيس للجمهوريّة. لذلك أيضاً تجهد من أجل السيطرة على المخيّمات الفلسطينية، عن طريق “حماس” وأخواتها، في إطار أوسع. هذا الإطار هو معركة خلافة محمود عبّاس (أبو مازن) في الضفّة الغربية.

في اليمن أيضاً تتصرّف إيران عبر أداتها الحوثيّة تصرّفاً غريباً. إذا استثنينا عملية تبادل الأسرى اليتيمة التي حصلت وتفريغ شحنة النفط التي في الناقلة “صافر” قبالة ميناء الحديدة، لا جديد في اليمن. لا وجود لعمليّة سياسيّة تؤدّي إلى تسوية تعيد تركيب البلد على أسس جديدة وتوقف الحرب الداخلية الدائرة فيه وإن على نار خفيفة.

في العراق، تبذل إيران كلّ يوم جهداً لتكريس أمر واقع. ممنوع على العراق الخروج من تحت الاحتلال الإيراني، وذلك بعدما صار “الحشد الشعبي” جزءاً لا يتجزّأ من تركيبة النظام، تماماً كما حال “الحرس الثوري” في إيران. يسعى الحرس إلى التأكيد في المرحلة المقبلة، مرحلة ما بعد علي خامنئي، أنّه القوّة المهيمنة كلّياً على البلد. أكثر من ذلك، صار النظام العراقي نسخة عن النظام الإيراني الذي يهيمن فيه “الحرس الثوري” على مرافق الدولة.

جرعات التهدئة الموضعية

إيران ليست غبيّة، ولا هي بصدد اللعب. جرعات التهدئة الموضعية التي تقدّمها هنا وهناك ليست أكثر من وقت مستقطَع لالتقاط الأنفاس. نساء إيران اللواتي انتفضن على سياسة الحجاب الإجباري يُردن لأنفسهنّ الانفتاح الذي تخوضه عواصم جارة، ولا سيّما الرياض التي تخلع عن نفسها ثوب التشدّد الديني والاجتماعي بشكل غير مسبوق. يعرف الحاكم الإيراني أنّ أبوظبي ودبي والرياض، اللاحقة بركبهما، أكثر جاذبية للشباب الإيراني من قم ومشهد وغيرهما. لا نتحدّث هنا عن المدن الأوروبية والأميركية التي تلعب فيها الجاليات الإيرانية أدواراً مهمّة وتحقّق فيها نجاحات لافتة تصل أصداؤها لمن لا يزالون في إيران.

سيستمر التصعيد، ستزداد إيران عدائية لمحيطها. لا يبدو أن لديها خياراً آخر غير ذلك. هذا ما يفسّر أيضاً موقفها العجيب الغريب من حقل الدرة الكويتي الذي اتفقت الكويت مع السعودية على استغلال مشترك له

الثورة الجارية في المنطقة تطال التكنولوجيا والاستثمار الحديث وتطوير البنى التحتية والربط مع مراكز المال والأعمال والابتكار. ما عاد ممكناً في زمن السوشيل ميديا منع هذه الصورة من الوصول إلى كلّ شاشات الإيرانيين، عبر الهواتف، وهي صورة يسعى إليها الشباب في كلّ العالم. ليس صعباً على أجيال إيران الجديدة الاختيار بين ما يقترحه نظام طهران وبين ما تقترحه عواصم أخرى في الإقليم. تدرك إيران هذه الحقائق وتعرف أنّها بحاجة إلى بعض الفرملة، ووقف النزيف المالي والاقتصادي، وربّما جذب بعض الاستثمارات للتخفيف من حدّة الانهيار الذي تعانيه. لا تتجاوز التفاهمات التي تقوم بها إيران هذه الحدود أبداً. من غير المجدي الرهان عليها لأن تصبح خياراً ثابتاً ونقطة تحوُّل في سلوك إيران ومشروعها.

البيان الثلاثيّ

ليس معروفاً إلى أيّ مدى ستذهب “الجمهوريّة الإسلاميّة” في التصعيد. التصعيد مستمرّ على الرغم من أنّ البيان الثلاثي الذي وقّعته مع المملكة العربيّة السعوديّة والصين في بكين يوم العاشر من آذار الماضي، أي منذ أربعة أشهر، يتحدّث صراحة عن “الامتناع عن التدخّل في الشؤون الداخليّة للدول الأخرى”. ألا يزال هذا البيان يعني شيئاً لإيران… أم كلّ ما في الأمر أنّ النظام في طهران يعتبر “تصدير الثورة” علّة وجوده؟

يبدو أن ليس في استطاعة هذا النظام تبديل جلده، خصوصاً في مرحلة انتقالية مثل المرحلة الحالية. سيتوجّب في هذه المرحلة بقاء “الحرس الثوري” ممسكاً بكلّ مفاصل السلطة كي يكون رئيس الجمهورية إبراهيم رئيسي خليفة لعليّ خامنئي في موقع “المرشد” مستقبلاً.

إقرأ أيضاً: تواصل قطر مع إيران: التجارب مخيِّبة

سيستمرّ التصعيد، وستزداد إيران عدائيّةً لمحيطها. لا يبدو أنّ لديها خياراً آخر غير ذلك. هذا ما يفسّر أيضاً موقفها العجيب الغريب من حقل الدرّة الكويتي الذي اتّفقت الكويت مع السعودية على استغلال مشترك له.

مواضيع ذات صلة

هكذا وصلت إسرائيل إلى “البايجرز” واللاسلكيّ

في 7 أيلول الجاري، كان قائد “المنطقة الوسطى” في الجيش الأميركي الجنرال إريك كوريللا في إسرائيل. في اليوم التالي، تمّت عملية مصياف. أكبر عملية إسرائيلية…

من يملك شجاعة الاعتراف “بالهزيمة” التقنيّة؟

.. علينا جميعاً وفي مقدَّمنا الأمين العام للحزب السيد حسن نصر الله أن نمتلك الشجاعة والجسارة للقول إنّ العدوّ الإسرائيلي هزمنا تقنياً ويتفوّق علينا في…

المرشد في استحضار التّاريخ دون المستقبل

“غد بظهر الغيب واليوم لي     وكم يخيب الظنّ بالمقبل ولست بالغافل حتى أرى         جمال دنياي ولا أجتلي لبست ثوب العيش لم أستشِر    وحرت فيه بين…

لبنان… الرأي قبل شجاعة الشجعان

لم يكد دخان ونار التفجيرات الصغيرة في أجهزة النداء القديمة، المعروفة باسم “بيجر” يهدآن، حتى اندلعت موجة نارية جديدة، مستهدفة هذه المرة أجهزة الجوال، وغيرها…