الأمن العام على خطّ “توتير العلاقات مع الخليج”

2023-06-08

الأمن العام على خطّ “توتير العلاقات مع الخليج”

يبدو أنّ لبنان يسير “عكس التيار” في المنطقة. ويبدو أنّ مطاره سيكون إحدى “بوابات” هذا السير المعاكس، كما تدلّ “حركة الدخول والخروج”، منذ خطف المواطن السعودي، إلى قطع طريق المطار اعتراضاً على قرار قضائي سعودي، وصولاً إلى منع إعلامية كويتية من الدخول إليه ليل أمس الأوّل.

الخطيئة هذه المرّة جاءت من الأمن العام، الذي منع الإعلامية الكويتية فجر السعيد من دخول لبنان، وألحق الخطيئة بأخرى أشدّ منها، في البيان الذي أصدره أمس. والخطايا تتشعّب إلى أكثر من طريق:

1- منع الإعلامية الكويتية من دخول الأراضي اللبنانية بناء على “وثيقة إخضاع”، يشكّل مخالفة صريحة للقوانين اللبنانية التي تُخضع مرتكبها للملاحقة أمام القضاء المختصّ. لأنّ المخالفة تشكّل عصياناً للسلطة السياسية بعدما سبق للحكومة اللبنانية عام 2014 برئاسة الرئيس تمام سلام، باقتراح من وزير الداخلية الأسبق نهاد المشنوق، أن أبطلت مذكّرات الإخضاع كافّة الصادرة عن الأمن العام ووثائق مخابرات الجيش، وأبقت فقط على ما يتعلّق بجرائم “الإرهاب” و”التعامل مع العدوّ الإسرائيلي”.

2- التصرّف يسيء إلى علاقة لبنان بدولة شقيقة هي الكويت، عضو مجلس التعاون الخليجي. وقد رفض الأمن العام وساطة وفد السفارة الكويتية الذي حضر إلى مطار رفيق الحريري الدولي مساء الأربعاء لحلّ القضية، وعرض نقلها إلى مقرّ السفارة الكويتية في بيروت بانتظار حلّ الإشكال، أو إعادتها إلى الكويت.

منع الإعلامية الكويتية من دخول الأراضي اللبنانية بناء على “وثيقة إخضاع”، يشكّل مخالفة صريحة للقوانين اللبنانية التي تُخضع مرتكبها للملاحقة أمام القضاء المختصّ

3- الضابط المسؤول في الأمن العامّ أبلغ وفد السفارة أنّ الإعلامية المذكورة ممنوعة من دخول الأراضي اللبنانية “نهائياً”. وهو قرار ليس من اختصاص الأمن العامّ ولا أيّ جهاز أمنيّ آخر، بل يعود الحسم فيه إلى القضاء اللبناني، أي السلطة القضائية، والحكومة اللبنانية، أي السلطة السياسية، حصراً دون غيرهما. ووظيفة الأجهزة الأمنية تنفيذ قرارات القضاء والسلطة السياسية لا اتّخاذها.

أمّا الخطأ الثاني فجاء على “أجنحة” البيان الصادر عن مكتب شؤون الإعلام في المديرية العامّة للأمن العامّ وفيه: “?بتاريخ 7 حزيران 2023 تقدّمت فجر السعيد، عند وصولها إلى مطار رفيق الحريري الدولي قادمة من دولة الكويت، للحصول على تأشيرة دخول إلى لبنان، وبعد التدقيق بمستنداتها تبيّن أنّ بحقّها إجراء عدم السماح لها بالدخول”.

وأضاف البيان أنّ “مكتب شؤون الإعلام في المديرية العامة للأمن العام يوضح أنَّ إجراءات دخول العرب والأجانب إلى لبنان والإقامة فيه منوطة وفقاً للقوانين المرعيّة الإجراء حصراً بالمديرية”.

هذا النصّ يدّعي أحقّية المديرية باجتهادات قانونية، و”ينتحل” صلاحيات غير موجودة قانوناً. وغاب عن البيان ذكر أيّ تفصيل أو اتّهام استُند إليه في منع الإعلامية الكويتية من دخول الأراضي اللبنانية.

مصدر قانوني أشار إلى أنّ المادة 17 من قانون 10/7 بتاريخ 1962، وعنوانه “الدخول إلى لبنان والخروج”، يقول الآتي: “يحقّ للمدير العام للأمن العام، إخراج أو منع دخول أي شخص إلى الأراضي اللبنانية، إن كان يمسّ بالأمن والاستقرار العام، على أن يبلّغ قراره فوراً إلى وزير الداخلية الذي يحقّ له وحده كسر القرار”.

هذا القرار ستكون له تداعيات على العلاقات اللبنانية – الكويتية، والضرر سيظهر لاحقاً. بينما كان وزير الداخلية بسام المولوي، الذي “يخضع” الأمن العام لقراراته، غائباً عن الكلام. وهو الذي تخصّص منذ فترة بالكلام المكابر عن ضرورة تحسين العلاقات اللبنانية العربية، وتحديداً الخليجية منها. بينما امتنع عن استعمال حقّه في “كسر القرار”، كما تنصّ المادّة المذكورة أعلاه، هذا إذا تمّ إبلاغه.

الضابط المسؤول في الأمن العامّ أبلغ وفد السفارة أنّ الإعلامية المذكورة ممنوعة من دخول الأراضي اللبنانية “نهائياً”. وهو قرار ليس من اختصاص الأمن العامّ ولا أيّ جهاز أمنيّ آخر، بل يعود الحسم فيه إلى القضاء اللبناني

البيسري ورفاقه غابوا عن السمع

رئاسة تحرير “أساس” حاولت مراراً وتكراراً الاتصال بالمسؤولين في المديرية العامّة للأمن العامّ، وفي مقدَّمهم اللواء الياس البيسري، كما امتنع مسؤولون آخرون عن الردّ على اتصالاتنا المتكرّرة.

أوساط إعلامية معروفة بقربها من الأمن العامّ برّرت ما حصل في مطار رفيق الحريري الدولي جاءت على الشكل التالي:

1- الإعلامية الكويتية سبق لها أن شنّت هجوماً لاذعاً على الحزب في عدد من الإطلالات الإعلامية.

2- تعرّضت لمسؤولين سابقين في الأمن العامّ.

3- أطلّت في حوار عبر إحدى القنوات الإسرائيلية.

وقد كشف الزميل مرسيل غانم في برنامجه “صار الوقت” مساء الخميس أنّ البيسري لم يكن على علمٍ بما حدث.

الجدير ذكره أنّه لا يوجد أيّ نصّ في القانون اللبناني يمنع انتقاد أيّ حزب إعلامياً، كما أنّ مهاجمة أيّ مسؤول أمنيّ أو سياسي لا توجب الملاحقة القضائية إلا بعد ادّعاء المتضرّر من ذلك، وهو أمر غير موجود في سجلّات الدعاوى القضائية في كلّ قصور العدل في لبنان.

من هي فجر السعيد؟

فجر السعيد كاتبة ومنتجة إعلامية كويتية ومالكة قناة “سكوب”. وهي شقيقة النائب السابق الإعلامي طلال سعيد وزوجة المحامي سعود السبيعي.

رشّحت نفسها لانتخابات مجلس الأمّة الكويتي عام 2022 عن الدائرة الثالثة ولم يحالفها الحظ.

إقرأ أيضاً: بعد الكبتاغون: الأسد يريد “لبنان” و”الغرب”.. من السعوديّة

دعت عام 2019 إلى تطبيع العلاقات العربية مع إسرائيل. ثمّ أجرت في 9 كانون الثاني 2019 مقابلة مع قناة “كان” الإسرائيلية.

أصيبت في تموز من العام نفسه بتسمّم بالدم بعد خضوعها لعملية تعديل مسار المعدة، وتلا ذلك نزيف داخلي حادّ، فأُدخلت غرفة الإنعاش في حالة خطيرة، وبعد أيّام أمر أمير الكويت الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح بنقلها إلى فرنسا لتلقّي العلاج.

ختاماً لا بدّ من توجيه تحية إلى الشعب الكويتي، وتستحق الإعلامية الزميلة أكثر من اعتذار من اللبنانيين.

مواضيع ذات صلة

“الطّوفان” في لبنان.. من الإسناد إلى الحربِ الشّاملة

قبل سنةٍ بالتّمام والكمال استيقظَ العالم بأسره على مشاهِد من غزّة لم يكُن من السّهل تصديقها. مُقاتلون من حركة حماس يعبرون السّياج الأمنيّ الفاصل بين…

بين نيويورك والضّاحية: الجحيم يتكلّم!

شكّل موقف نائب “كتلة الوفاء للمقاومة” حسين الحاج حسن أخيراً على قناة “الجزيرة” الموقف العلني الأوّل والأكثر وضوحاً وتمايزاً عن موقف الحزب العامّ الذي عَكَسه…

فرنسا تسابق الوقت: هل تنجح حيث فشل الأميركي؟

من المتوقع أن تشمل جولة وزير الخارجية الفرنسي جان نويل بارو في الشرق الأوسط بيروت في زيارة هي الثانية له بطلب من الرئيس إيمانويل ماكرون…

هوكستين غائب عن السّمع ومجلس الأمن معطّل والكلمة للميدان

البلد متروك لقدره. بهذه المعادلة البسيطة، القاسية بتداعياتها، يمكن اختصار حال الاتّصالات الدولية مع المسؤولين اللبنانيين حيال العدوان الإسرائيلي المتمادي. لا اتّصالات دولية جدّية قادرة…