هل يكون العراق الوجهة الجديدة للضربة الإسرائيليّة؟ ماذا تُعدّ طهران في بلاد الرّافدَيْن؟ وهل باتت الفصائل العراقيّة جاهزة لمواجهة مع إسرائيل؟ وكيف تحضّر إيران للانقضاض على المشهد العراقيّ في الانتخابات؟
تتّخذُ إيران إجراءات جديدة في المنطقة تحسّباً لجولة عسكريّة ثانية مع إسرائيل. عنوان هذه الإجراءات الجديدة هو صبّ الجهود والتّركيز على العراق بعد الضّربات التي تلقّتها أذرعها في لبنان وغزّة وسقوط نظام بشّار الأسد في سوريا.
يكشف مصدر أمنيّ عراقيّ لـ”أساس” أنّ إيران كثّفت في الشّهرَيْن الأخيرَيْن إمداد الفصائل المدعومة منها في العِراق، وتحديداً “كتائب حزب الله العراقيّ” و”عصائب أهل الحقّ” و”حركة النّجباء” و”كتائب الإمام عليّ”، بالسّلاح. تدخل في هذا الإطار زيارتان قامَ بهما قائد قوّة القدس إسماعيل قاآني للعراق بعيداً عن الإعلام في الأسابيع الأخيرة.
كانَ قاآني يعمل على إبلاغ الفصائل العراقيّة أنّ دورهم سيكون محوريّاً في أيّ مواجهة مُحتملة مع إسرائيل والولايات المُتّحدة، وأنّ الحرس الثّوريّ يُعوّل على الجبهة العراقيّة أكثر من أيّ جبهة أخرى في المنطقة. وأبلغ قاآني فصائله في العراق أنّ السّلاح الجديد الذي بدأت إيران بتسليمه للفصائل العراقيّة سيكون أساسيّاً في أيّ مواجهة لجهة أنّ إيران تعتبر أنّ نشوب جولة قتاليّة ثانية قد يعني “حرباً طويلةً ومُؤلمة”.
تتّخذُ إيران إجراءات جديدة في المنطقة تحسّباً لجولة عسكريّة ثانية مع إسرائيل. عنوان هذه الإجراءات الجديدة هو صبّ الجهود والتّركيز على العراق
تلازم المسار والمصير؟
تعملُ إيران مع فصائلها في بغداد تحت عنوان “سياسة المسارَيْن”، أي تلازم المسار والمصير بين إيران والعراق باعتباره الفناء الخلفيّ والمدخل الغربيّ إلى إيران. تأتي “سياسة المسارَيْن” بعد سقوط نظريّة قائد قوّة القدس السابق قاسم سُليماني في الضّربات التي وجّهتها إسرائيل لمحور إيران في لبنان وغزّة وسوريا واليَمن وصولاً إلى قلبِ إيران.
زوّدَت إيران الفصائل العراقيّة بصواريخ وطائرات مُسيّرة أكثر تطوّراً من تلكَ التي كانت تُطلقها الفصائل خلال “إسناد غزّة”، قبل أن تنكفئَ “تكتيكيّاً” بعد سقوط نظام بشّار الأسد ووصول دونالد ترامب إلى الرّئاسة في الولايات المُتّحدة. يتضمّن “المدد الإيرانيّ”، بحسب المصدر، صواريخ بالستيّة فرط صوتيّة، وآلاف الطّائرات المُسيّرة الانتحاريّة. إذ إنّ العراق يُعتبر جغرافيّاً أقرب إلى الأراضي الفلسطينيّة من إيران.
هذا وتزامُن إطلاق الصّواريخ والمُسيّرات من إيران والعراق في آنٍ واحد من شأنه أن يُشتّت ويستنزف منظومات الدّفاع الجوّيّ لدى الجيش الإسرائيليّ.
حاولت طهران منذ ذلك الحين أن تُبقي العراق بعيداً عن التّجاذب بينها وبين الولايات المُتّحدة بعد تولّي ترامب منصبه. لكنّ السّياسة الإيرانيّة تغيّرت بعد جولة الـ12 يوماً مع إسرائيل في حزيران الماضي. وبات العراق السّاحة الأساسيّة “غير المُعلنة” عند مجلس الأمن القوميّ الإيرانيّ والحرس الثّوريّ.
هذا ما يُفسّر اختيار الأمين العامّ لمجلس الأمن القوميّ علي لاريجاني العراق وجهته الخارجيّة الأولى بعد تسلّمه منصبه في آب الماضي. إذ أرادت إيران عبر تلك الزّيارة تأكيد نظرتها للعراق كمجالٍ حيويّ لأمنها القوميّ. بالإضافة إلى أنّ سياستها القائمة على تحييد أرضِ الرّافدَيْن عن صراعها مع الولايات المُتّحدة قد تغيّرت 180 درجة.
تعملُ إيران مع فصائلها في بغداد تحت عنوان “سياسة المسارَيْن”، أي تلازم المسار والمصير بين إيران والعراق باعتباره الفناء الخلفيّ والمدخل الغربيّ إلى إيران
واشنطن على الخطّ…
دفعَت التّحرّكات الإيرانيّة الولايات المُتّحدة إلى إبلاغ رسالة شديدة اللهجة نقلها وزير الدّفاع الأميركيّ بيت هيغسيث لنظيره العراقيّ ثابت العبّاسي الأسبوع الماضي. كان الاتّصال بين وزيرَيْ الدّفاع، بحسب ما نقلت وسائل إعلام، مُختصَراً وواضحاً، ومفاده أنّ أيّ تحرّكٍ للفصائل العراقيّة سيُقابَل بردّة فعل أميركيّة غير مسبوقة.
هذا يشيرُ إلى أنّ الولايات المُتّحدة على علمٍ بنيّة إسرائيل التّحرّك عسكريّاً ضدّ إيران أو “الحزب” في لبنان، وأنّها على علمٍ بكلّ الوسائل القتاليّة التي زوّدت بها إيران ميليشياتها العراقيّة في الآونة الأخيرة.
إقرأ أيضاً: واشنطن وطهران على حافة المواجهة
علاوة على ذلك تُحاول إيران تثبيت نفوذها في العراق عبر الانتخابات النّيابيّة في الـ11 من الشّهر الجاري. ولهذا ضغطت إيران على زعيم التّيّار الصّدريّ السّيّد مُقتدى الصّدر لمُقاطعة الانتخابات وتجنّب المُشاركة فيها. ذلكَ أنّ مشاركة “التيّار الصّدريّ” من شأنها أن تحدّ من إمكان فوز أحزاب “الإطار التنسيقيّ”، المُختلفة فيما بينها أساساً، في الانتخابات. ومردّ ذلكَ إلى أنّ إيران تُحضّر لانقلابٍ سياسيّ في العراق بعد الانتخابات، لتثبيت نفوذها الكامل هُناك، من دون أن تلقى معارضةً داخل مجلس النّوّاب، وتحديداً من قوّة شيعيّة وازنة يُمثّلها السّيّد مُقتدى الصّدر. هذا سيُعيدُ إيران إلى تسمية رئيس الوزراء الجديد، ويُدخلها في تجاذب مع الولايات المُتّحدة، التي عادَت إلى الملفّ العراقيّ بعد تعيين الرّئيس دونالد ترامب مارك سافايا مبعوثاً له إلى العراق.
تعلم طهران أنّ إسرائيل وجيشها واستخباراتها تُركّز جهودها الأمنيّة والعسكريّة والاستخباريّة على “الحزبِ” في لبنان. ولذلكَ قرّرت اقتحام المشهد العراقيّ وتغيير سياستها هُناك، عبر تعزيز سلطتها في الميليشيات وإنشاء خطٍّ دفاعيٍّ جديدٍ في السّاحة الأهمّ بالنّسبة إليها استراتيجيّاً، مع محاولتها إبعاد شبحِ الضّربة عن “دُرّة تاج” أذرعها في المنطقة، أي “الحزب” في لبنان.
لمتابعة الكاتب على X:
