واشنطن وطهران على حافة المواجهة

مدة القراءة 5 د

التحذير الذي صدر أخيراً عن وزارة الدفاع الأميركية موجهاً إلى الحكومة العراقية، والذي تضمّن تهديداً بردّ قاسٍ في حال استُهدفت المصالح الأميركية من قبل فصائل عراقية داعمة لطهران، شكّل محطة مفصلية في قراءة المشهد الإقليمي واحتمالات التصعيد المقبلة.

فالموقف الأميركي تجاوز حدود التحذير الدبلوماسي التقليدي إلى مستوى التهديد المباشر، بما يعكس استعداد الإدارة الأميركية – السياسية والعسكرية معاً – للردّ على أي محاولة تقوم بها فصائل “الحشد الشعبي” لمساندة أحد أطراف محور المقاومة إذا ما اندلعت مواجهة عسكرية مع إيران.

 

الاستعداد الأميركي… والقلق الإيراني

تجربة الحرب على غزة كشفت أن الفصائل العراقية التزمت بالسقف الذي رسمته طهران في عمليات الإسناد، التزاماً بتفاهم غير معلن بينها وبين واشنطن قضى بوقف استهداف القواعد الأميركية في العراق وسوريا. وقد جاء ذلك بعد ضربات أميركية قاسية أجبرت تلك الفصائل على التراجع والاكتفاء بدور رمزي، سواء في إرسال مسيّرات باتجاه العمق الإسرائيلي أو في الدعم المحدود للجبهة اللبنانية خلال المواجهة مع حزب الله.

التهديد الأميركي الجديد لا ينبع من خشية واشنطن من تدخل الفصائل مجدداً بقدر ما يعكس تقدّماً في التحضيرات العسكرية الأميركية لاحتمال توجيه ضربة واسعة لإيران نفسها.

 

تجربة الحرب على غزة كشفت أن الفصائل العراقية التزمت بالسقف الذي رسمته طهران في عمليات الإسناد، التزاماً بتفاهم غير معلن بينها وبين واشنطن قضى بوقف استهداف القواعد الأميركية في العراق وسوريا

فالبيت الأبيض – بقيادة دونالد ترامب – يلوّح بالخيار العسكري بعد فشل الضغوط السياسية في إقناع طهران بالاستجابة لشروط واشنطن، وعلى رأسها تفكيك البرنامج النووي، ووقف أنشطة تخصيب اليورانيوم، وضبط القدرات الصاروخية الإيرانية.

وتسعى الإدارة الأميركية إلى سدّ الثغرات الأمنية في العراق، حيث النفوذ الإيراني واسع، لمنع الفصائل من لعب دور داعم لإيران في حال اندلاع الحرب.

في المقابل، تعيش إيران – قيادةً وحكومةً ومجتمعاً – حالة قلق متصاعد من هجوم عسكري كبير قد تنفّذه واشنطن أو تل أبيب، منفردتين أو بالتنسيق مع حلف “الناتو”.

تقديرات طهران تشير إلى أن أي هجوم مقبل سيكون أعنف من ذلك الذي وقع في حزيران الماضي، وسيستهدف البنية الاقتصادية والعسكرية والسياسية للجمهورية الإسلامية، وصولاً إلى احتمال إسقاط النظام واستبداله بآخر يحافظ على وحدة الأراضي الإيرانية ويمنع تفككها.

بين الجهوزية العسكرية والبحث عن تسوية

رغم هذا المناخ المتوتر، تؤكد القيادات الإيرانية العسكرية والسياسية جاهزيتها التامة للرد على أي اعتداء “بقدرات تفوق ما استخدمته سابقاً”، مشيرة إلى أنها سدّت العديد من الثغرات في منظومتها الدفاعية.

في الوقت نفسه، تبذل طهران جهوداً دبلوماسية مكثفة – من خلال مجلس الأمن القومي ووزارة الخارجية – لإيجاد صيغة وسط بين شروطها وشروط واشنطن تمهيداً لاستئناف المفاوضات.

برزت سلطنة عُمان مجدداً كوسيط رئيسي عبر زيارات وزيري الخارجية والداخلية إلى طهران، وعقدهما اجتماعات موسعة مع مسؤولين إيرانيين معنيين بملف التفاوض.

وخلال مؤتمر “حوار المنامة”، دعا وزير الخارجية بدر البوسعيدي إلى إنهاء التردد العربي في التعامل مع إيران، وبناء منظومة أمنية إقليمية جديدة تكون طهران جزءاً منها، مؤكداً أن مصدر عدم الاستقرار الحقيقي هو إسرائيل لا إيران.

الأهم في مبادرته كان اقتراحه إشراك كل من العراق واليمن إلى جانب إيران في هذه المنظومة، وهي إشارة تتقاطع مع تحرّك إيراني داخلي للبحث عن مخرج تفاوضي جديد مع واشنطن.

تزامنت المبادرات العمانية مع أحاديث إيرانية عن تلقي رسائل أميركية غير مباشرة بشأن استئناف المفاوضات، ومع زيارة مفاجئة للمساعد السياسي لوزير الخارجية الإيراني مجيد تخت روانتشي إلى مسقط، ما عزّز الاعتقاد بأن العاصمة العمانية رفعت مستوى وساطتها، وأن استئناف الحوار غير المباشر بات قريباً، ما لم تتطور الأحداث نحو مواجهة عسكرية جديدة.

تبذل طهران جهوداً دبلوماسية مكثفة – من خلال مجلس الأمن القومي ووزارة الخارجية – لإيجاد صيغة وسط بين شروطها وشروط واشنطن تمهيداً لاستئناف المفاوضات

الرهان على وساطة موسكو وبكين

بعد إلغاء القمة المقررة بين الرئيسين الأميركي والروسي في بودابست، تراجع الرهان الإيراني على دور روسي فاعل في تقريب وجهات النظر مع واشنطن.

وتشير تقارير إلى أن أمين المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني، علي لاريجاني، كان قد حمل إلى موسكو اقتراحاً بنقل مخزون اليورانيوم المخصّب بنسبة 60% إلى روسيا لتخفيفه وتحويله إلى وقود مدني للطاقة الكهربائية.

لكن الغاء القمة نقل الآمال الإيرانية نحو القمة الأميركية – الصينية في كوريا الجنوبية، وإلى إمكانية دور صيني – روسي مشترك في التوصل إلى تسوية تقلّص المخاوف الأميركية والغربية، خصوصاً بعد تقرير الوكالة الدولية للطاقة الذرية الذي أكد أن المخزون الإيراني الحالي يكفي لتصنيع عشر قنابل نووية.

إقرأ أيضاً: ميشال عيسى… لاعبُ غولف في ميدان لبنان

بين التفاوض والانفجار

إيران والولايات المتحدة تدركان خطورة الوصول إلى نقطة اللاعودة. كلاهما يرفع مستوى جهوزيته العسكرية، لكنهما في الوقت ذاته تبحثان عن مخرج سياسي يمنع الانفجار الكبير.

السباق اليوم يدور بين المسار الدبلوماسي الذي ترعاه مسقط، والمسار العسكري الذي تخطط له واشنطن. وبين هذين الخيارين، تبقى المنطقة بأسرها على فوهة بركان قد يغيّر وجه الشرق الأوسط.

مواضيع ذات صلة

نيويورك: من 11 أيلول إلى عمدةٍ مسلم مهاجر

في لحظةٍ تُعيد رسم ملامح الهويّة الأميركيّة، اختارت نيويورك المدينة، التي كانت يوماً رمزاً للجراح بعد 11 أيلول 2001 حين وقف عمدتها رودي جولياني رافضاً…

زهران ممداني الذي هزم ترامب

في زمنٍ تتقلّص فيه المدن الكبرى تحت ثقل اللامساواة والهويّة المنغلقة، يطلّ زهران ممداني الفائز بمنصب عمدة مدينة نيويورك وجهاً جديداً للعصر، يحمل في ملامحه…

“الحزب” يفقد ثلثه

حقيقة ينبغي أن يدركها “الحزب” وقيادته، في بيروت كما في طهران، أنّ “الحزب” خسر ثلاثة أثلاث كانت تشكّل ركائز نفوذه وهيمنته على الساحة السياسيّة في…

“الحزب” يرفض التّفاوض ردّاً على حشر إيران؟

تتراكم المفارقات على طريق رسم المعادلات الجيوسياسيّة في المنطقة. تستبق واشنطن استقبالها أحمد الشرع الإثنين بالتحضير لاستخدام طائراتها لقاعدة جوّيّة جنوب دمشق. قبل ثلاثة أيّام…