في العاشر من شباط 2017 رفض بشّار الأسد مقترح الرئيس الأميركيّ دونالد ترامب إنشاء مناطق آمنة للنازحين واللاجئين السوريّين قائلاً: “هناك إرهابيّون حتماً بين ملايين السوريّين اللاجئين في الغرب ولا يشترط كِبر عددهم ليقترفوا الفظائع”.
بعد ثمانية أعوام وتحديداً في التاسع والعشرين من تشرين الأوّل 2025 في المكان نفسه الذي انطلقت منه رؤية التغيير الإقليميّ، وقف أحمد الشرع في الرياض ليجيب على سؤال إعلاميّ سعوديّ: “على ماذا تراهن في إعادة إعمار بلدك؟”. فقال: “أراهن على شعبي، فكما استطاع أن ينتصر من لا شيء، سيكون قادراً على أن يعيد بناء سوريا أيضاً من لا شيء”.
اختصرت جملة أحمد الشرع الفارق بين رئيسَيْن: الأوّل استعان بالأمن والميليشيات الأجنبيّة ليحمي نظامه. أمّا الثاني فاستند إلى إرادة الناس وثقتهم بأنفسهم. رفض الشرع أن تُرفع صوره في الشوارع، أو أن تُسمّى البلاد باسمه، مؤكّداً أنّ ما يُبنى اليوم هو سوريا العربيّة لا “سوريا الأسد” ولا “سوريا الشرع”، وهي هويّة قائمة على الانتماء لا الولاء وعلى الإنجاز لا الشعارات، مضيفاً: “قضيت أكثر من نصف عمري وسخّرت حياتي وروحي وكلّ مَن معي لإنقاذ هذا الشعب من هذا الظلم الذي وقع عليه، ومستعدّ أن أقدّم ما بقي من عمري حتّى أرى سوريا ناهضة قويّة مبدعة”.
في ترسيخ الهويّة، اختصر الرئيس الشرع الهويّة القوميّة لسوريا بكلمة واحدة عندما وصف المملكة العربيّة السعوديّة بأنّها مفتاح العالم بالنسبة لبلده
ثلاث إشارات لا يمكن تجاوزها
ثلاث إشارات استثنائيّة لا يمكن تجاوزها شهدها حوار الرياض:
- وليّ العهد السعوديّ الأمير محمّد بن سلمان حضر الجلسة مستمعاً ومتابعاً من دون مداخلة، في سابقة على مستوى المؤتمرات الاقتصاديّة.
- التفاعل الكبير بالتصفيق والابتسام لوليّ العهد مع المواقف التي أطلقها الرئيس الشرع بكلّ المجالات الوطنيّة والعروبيّة والاقتصاديّة يعكس انسجاماً واضحاً في الرؤى بين دمشق الجديدة والرياض.
- حضور دونالد ترامب الابن إلى جانب وليّ العهد، ومتابعتهما الدقيقة للحوار في مشهد لاقى اهتماماً دوليّاً واسعاً.
دونالد ترامب “جونيور” هو نفسه الذي التقطت الكاميرات أخيراً حواراً بين الرئيس الإندونيسيّ والرئيس ترامب في شرم الشيخ يطلب فيها الأوّل من سيّد البيت الأبيض أن يرتّب له لقاء معه.
كيف ستُبنى سوريا؟
قدّم الرئيس أحمد الشرع رؤية متكاملة لإعادة بناء سوريا تتركّز على ثلاثة مبادئ:
- تعديل قانون الاستثمار بما يخلق بيئة آمنة للمستثمرين العرب والدوليّين ويضمن الشفافيّة القضائيّة والضريبيّة.
- التخلّي عن ثقافة المعونات واعتماد ثقافة الاستثمار المنتج.
- العمل بدل الوعود عبر برامج تنفيذيّة واقعيّة ومتابعة زمنيّة لكلّ مشروع. أكّد الشرع أنّ موقع سوريا الجغرافيّ يجعلها ممرّاً استراتيجيّاً للتجارة والطاقة بين الشرق والغرب وركيزة للأمن الغذائيّ الإقليميّ.
تفوّق أحمد الشرع في الرياض على نفسه. من خنادق إدلب إلى الزنزانة العراقيّة، ومن مقاتل ميدانيّ إلى رجل دولة يضع خطّة للنهوض
الهويّة العربيّة الفاعلة
في ترسيخ الهويّة، اختصر الرئيس الشرع الهويّة القوميّة لسوريا بكلمة واحدة عندما وصف المملكة العربيّة السعوديّة بأنّها مفتاح العالم بالنسبة لبلده قائلاً: “عندما توجّهنا في الرحلة الأولى إلى المملكة العربيّة السعوديّة عرفنا أين المفتاح. ذهبت السعوديّة إلى ازدهار واستقرار وتنمية واسعة، وهذه تجربة فريدة في المنطقة. وأنا منذ فترة طويلة أتابع الرؤية التي طرحها سموّ الأمير محمّد بن سلمان فرأيت أنّها ليست فقط عند حدود المنطقة بل رؤية تشمل المنطقة بأكملها، ونحن تلقّفنا هذه الرسالة”.
قلَب الشرع مفهوم الهويّة السوريّة من عروبة “الشعارات القاتلة”، إلى العروبة “الفاعلة” التي تستمدّ مرجعيّتها من تجربة النهضة السعوديّة الحديثة.
إقرأ أيضاً: رئيسٌ ووطنٌ بين تعهّدَين
في ترسيخ هذه الهويّة العربيّة لم يكتفِ الشرع بالمنطق العلميّ. بل ذهب إلى المنطق الوجدانيّ مانحاً كلامه بعداً إنسانيّاً صادقاً، فقال ردّاً على سؤال عن ذكرى ميلاده في 29 تشرين الأوّل: “}ثمّ جئتَ على قدرٍ يا موسى{، فتوافق الأقدار أحياناً يؤنس الإنسان، فصادف أنّني وُلدت في المملكة العربيّة السعوديّة في الرياض الحبيبة في 29 تشرين الأوّل من عام 1982، واليوم أنا في ضيافة سمو وليّ العهد في التاريخ نفسه. ربّما لا تكون هذه الأقدار صدفة بل مشيئة من الله عزّ وجلّ”.
الشّرع يتفوّق على نفسه
تفوّق أحمد الشرع في الرياض على نفسه. من خنادق إدلب إلى الزنزانة العراقيّة، ومن مقاتل ميدانيّ إلى رجل يضع خطّة للنهوض. من أين تعلّم كلّ ذلك؟ من والده دكتور الاقتصاد أم من التجربة الإدلبيّة أم ربّما كما قال هو نفسه }ثمّ جئت على قدرٍ يا موسى{، فتصنع الأقدار الرجال ويصنع الرجال المستقبل؟
لمتابعة الكاتب على X:
