فاز الشاعر والروائيّ الفلسطيني الأردنيّ، إبراهيم نصرالله، بجائزة “نيوستاد” العالميّة للأدب في دورتها الـ29، وهي واحدة من أهمّ الجوائز الأدبيّة العالميّة، إذ تُعدّ الثانية بعد نوبل، ويشار إليها باسم “نوبل الأميركيّة”.
يطرح فوز إبراهيم نصرالله بجائزة “نيوستاد” العالميّة للأدب الكثير من الأسئلة، لا لأنّه أوّل عربيّ يفوز بها، أو لأنّه فلسطينيّ فحسب، بل أيضاً للتوقيت الفارق لإعلان فوزه هذا. فبينما تتّجه أنظار العالم إلى غزّة حيث الإبادة الإسرائيليّة في حقّ الشعب الفلسطينيّ مستمرّة منذ سنتين بل منذ عقود طويلة، جاء الخبر من أقصى الغرب منتصراً لفلسطين وطناً وشعباً ونضالاً وثقافةً وهويّة. أبرز هذه الأسئلة التالي: لماذا يخسر الفلسطينيون في الحرب وينتصرون في الأدب؟
منذ إميل حبيبي وإدوارد سعيد ومحمود درويش وكثر غيرهم، من إبراهيم طوقان ومن سبقوه إلى إبراهيم نصرالله، يخسر الفلسطينيّون في السياسة والأرض والحرب والدم وتتضاءل أعدادهم في محاولة واضحة لإبادتهم من قبل إسرائيل في ظلّ تواطؤ العالم معها، بينما يحضر أدبهم وإبداعهم في مشارق الأرض ومغاربها، فلا يغيب عن صديق ولا يُمنع عن عدوّ، وإن امتنع عليه.
فاز الشاعر والروائيّ الفلسطيني الأردنيّ، إبراهيم نصرالله، بجائزة “نيوستاد” العالميّة للأدب في دورتها الـ29، وهي واحدة من أهمّ الجوائز الأدبيّة العالميّة
ربّما الإجابة الأوضح والأقرب هي أنّ فلسطين قضيّة حقيقيّة ومحقّة، ولأنّها كذلك يصعب طمسها ومحوها والقفز فوقها. ففلسطين أرض وشعب وتاريخ وهويّة، ونضال وكفاح مستمرّان، والفلسطينيّون أصحاب هذه القضيّة أوّلاً وأخيراً وهم أبناؤها وحمَلة راياتها، في الحرب والسياسة، كما في الأدب والشعر والرواية والعلوم. وما فوز إبراهيم نصرالله بهذه الجائزة المرموقة إلّا لكونه خير من عبّر عن آلام هذا الشعب وتاريخه ونضاله وثقافته وهويّته ومأساته أو ملهاته، وهو القائل: “حين يكتب الفلسطيني، فإنّه يكتب ليحيا، وليُثبت أنّ هذه الأرض ما تزال تنبض باللغة والذاكرة”.
من هو إبراهيم نصرالله؟
هو شاعر وكاتب وروائيّ فلسطينيّ أردنيّ، وُلد عام 1954 في مخيّم الوحدات للّاجئين الفلسطينيّين في عمّان في الأردن، لعائلة فلسطينية هُجّرت من أرضها وبيتها في قرية البُرَيج قرب القدس عام 1948. تلقّى تعليمه في مدارس الأونروا، وأنهى علومه في الأردن، ثمّ انتقل إلى المملكة العربيّة السعوديّة معلّماً، ثمّ من التعليم إلى دنيا الكتابة والإبداع في الصحافة والشعر والرواية والتأليف للموسيقيّين والتصوير الفوتوغرافيّ والرسم، وفي كلّ ذلك انطلق من فلسطين وإليها، حاملاً هموم شعبه وقصصه منذ القرن الثامن عشر ومملكة ظاهر العمر وصولاً إلى النكبة وما بعدها، سارداً شعراً ونثراً مأساة هذا الشعب وحكاياتها بدءاً من نفسه والأقرب إليه أمّه وعائلته، وانتهاءً بالأبعدين من أبناء بلده.
لم يميّز نصرالله بين أبناء بلده فخاض في سيرة والدته وأقاربه وظاهر العمر وفوزي القاوقجي كما خاض في سيرة الطفلة إيمان حجو ذات الأشهر الأربعة التي قتلتها إسرائيل في أيّار عام 2001.
الملهاة الفلسطينيّة
يُعدّ نصرالله من أكثر الكتّاب العرب إنتاجاً وإبداعاً (أكثر من 40 مؤلّفاً بين الشعر والرواية)، وتتناول أعماله الأدبيّة الإنسان الفلسطينيّ في أزمنته وأمكنته كلّها، بلغة شعريّة مكثّفة وبنية سرديّة وملحميّة تتجلّى أكثر ما تتجلّى في سلسلته الشهيره “الملهاة الفلسطينيّة”، ويصعب أن يفصل القارئ الشاعر فيه عن الروائي، فهو شاعر تقوم قصيدته على السرد، وروائيّ عماد رواياته الشعر والتاريخ والماضي والحاضر الفلسطينيّان. ويستحقّ عن جدارة لقب روائيّ شعراء فلسطين، وشاعر روائيّيها.
لا تخفى نزعة نصرالله الإنسانيّة العالميّة عن القارئ، فهو يتجاوز الجغرافيا الفلسطينيّة ليطرح أسئلةً وجوديّةً وأخرى حول قضايا الحرّية والمقاومة والمنفى والهويّة، وقد مزج في أعماله الواقع بالأسطورة، واليوميّ بالتاريخيّ، والفلسطينيّ يالعالميّ، والمعيش بالمتخيَّل، وتُرجمت أعماله إلى الكثير من اللغات، أبرزها الفرنسيّة والإنكليزيّة والإسبانيّة، فبات واحداً من أبرز الأصوات الأدبيّة الفلسطينيّة والعربيّة المعاصرة.
لذا لم يبدُ غريباً أن يعلن المدير التنفيذيّ لمجلّة “عالم الأدب اليوم” روبرت كون ديفيس أونديانو أنّ فوز نصرالله بـ”جائزة نيوستاد” يشكّل “لحظةً فارقةً في إعادة تعامل الغرب مع الثقافة الفلسطينيّة”.
أمّا أبرز أعماله وإبداعاته في الرواية فهي:
الملهاة الفلسطينية (السلسلة الأشهر)، وهي مشروع روائيّ ضخم يتكوّن من اثنتي عشرة روايةً ترصد المأساة الفلسطينيّة منذ القرن الثامن عشر حتّى أيّامنا هذه، وأبرز حلقات أو روايات هذه السلسلة، “زمن الخيول البيضاء” (2007)، التي فازت بجائزة البوكر العربيّة عام 2009، وتؤرّخ لفلسطين في بدايات القرن العشرين بلغة شعريّة وواقعيّة. و”قناديل ملك الجليل” (2011)، وتتناول القائد الجليليّ ظاهر العمر الزيدانيّ الذي أنشأ إمارة في القرن الـ18 شملت بلاد الشام بغالبيّتها، و”طفل الممحاة”، و”براري الحُمّى”، و”تحت شمس الضحى”، و”مجرّد نزع للوقت”، و”أرواح كليمنجارو”، وتمتاز رواياته بلغة شعريّة مكثّفة تميّز أعماله كلّها.
إقرأ أيضاً: كلوديا كاردينالي: الجميلة التي نامت إلى الأبد
أمّا في الشعر فله أكثر من 15 ديواناً منها “الخيول على مشارف المدينة”، و”مرايا الملائكة”، و”نعمان يستردّ لونه”، و”لو أنّني كنت مايسترو”… إلخ، ومن أبرز خصائص قصائده بنيتها السرديّة وبعضها يتجاوز ألف بيت، وكتب القصيدة القصيرة والسريعة.
خطوة نحو “نوبل”؟
ليست جائزة “نيوستاد” الجائزة الأولى التي ينالها نصرالله، إذ حاز قبلها الجائزة العالميّة للرواية العربيّة (البوكر) 2018 عن روايته “حرب الكلب الثانية”، وجائزة كتارا للرواية العربيّة (2016)، وجائزة فلسطين للآداب، وجائزة محمّد العدوان للإبداع، فهل تكون “نيوستاد” خطوة إضافيّة نحو جائزة “نوبل” في الأدب، خاصّةً أنّ مَن نالوها قبله نالوا بعدها نوبل، وأبرزهم غابرييل غارسيا ماركيز؟
