أخطاء إيران التي جرّت “خطيئة” الحرب

مدة القراءة 6 د

هدأت عاصفة القصف المتبادل بين إسرائيل وإيران التي استمرّت 12 يوماً، وبدأ نزاع من نوع آخر، لإثبات من انتصر في هذه الحرب. إسرائيل المُعتدية، أم إيران المُدافعة، أم أميركا الشريك المضارب، أو قائد الأوركسترا؟

لكن كيف وقعت إيران في الفخّ، وهي التي تتقن السير على حافّة الهاوية؟ لماذا سارت على طريق صدّام حسين، وهي تدرك تماماً ما آل إليه عندما حاول ردع الغرب بشبح أسلحة الدمار الشامل؟ كيف أخطأت في حساباتها هذه المرّة؟

 

لم تنتصر إيران في الحرب الأخيرة بقدر ما أُهدِي لها هذا النصر على طبق من دم ودمار، ومن عدوّيها تحديداً، الولايات المتّحدة وإسرائيل. لقد بدأت الحرب من دون إعلان ولا إنذار، وانتهت فجأة من دون اتّفاق على أيّ شيء.

كان عنوان المعركة المشروع النووي، لكنّ سلاحها الأخطر كان الصواريخ البالستيّة، لا سيما منها الفرط صوتيّة، التي ألحقت الأضرار الكبرى بتل أبيب وبقيّة المدن الإسرائيلية. كان سقف الحرب عالياً عند بنيامين نتنياهو، ولا أقلّ من تغيير النظام الإسلامي. حتّى إنّ دونالد ترامب دَنْدنَ به بعض الوقت. وعندما لا يتحقّق الهدف ويصمد النظام الإيراني، فمن البديهي أن تُعلن طهران النصر.

إيران… “ضاحية” كبرى

لكن ما هو أهمّ من الصراع على سرديّة النصر، هو نجاح نتنياهو في استهداف المشروع النوويّ الإيراني، وفي استباحة طهران والتعامل معها كـ”ضاحية” كبرى، وهذا كان سابقاً من المحرّمات، واستجرار الولايات المتّحدة للمشاركة في الحرب ضدّ إيران، بعد تحريض طويل من نتنياهو نفسه.

الأخطر من ذلك تهاوي الاستراتيجية الإيرانية الطويلة المدى، التي تأسّست فعلاً منذ سقوط العراق عام 2003 على الأقلّ، أي “استراتيجية الأذرع الطويلة”، والتي لم تسقط خلال 12 يوماً، بل كانت الحرب المباشرة على إيران هي مرحلتها الأخيرة. وهو ما يفترض أن يقفل مرحلة سابقة بكلّ ما فيها، ويفتتح مرحلة جديدة.

سياسيّاً، كانت إيران في موقع الدفاع المشروع عن النفس، حتّى لو كانت تتحدّى الولايات المتّحدة والأطراف الموقّعة على الاتّفاق النووي عام 2015

لكنّ ما جرى هو غموض النهايات وضبابيّة البدايات، فأضفى حالة لايقين على مرحلة ما بعد الحرب. وهذا تحديداً ما أغاظ نتنياهو، بل أغضب الدولة العميقة في إسرائيل. فالحرب على إيران لم تكن حاسمة، فلا اتّفاق إذعان كي يوقّع قادة إيران عليه. والخطر الإيراني لم ينقضِ ولم يختفِ. وإن سارت الأمور بالطريقة نفسها، وكأنّ حرباً لم تقع. فكلّ ما حدث هو إرجاع عقارب الساعة إلى الوراء فقط، والخلاف هو على كمّيّة الوقت المُستقطَع، هل هو أشهر أم سنوات؟

مصيرٌ كمصير صدّام؟

ما حمى النظام الإيراني من مصير مُشابه لمصير نظام صدّام حسين عام 2003 عدّة عوامل أساسيّة:

1- الجغرافيا والديمغرافيا وهيكليّة النظام، والموقع الجيوسياسي: فالمساحة الشاسعة والطبيعة القاسية (الجبال والصحارى)، والعدد الكبير من السكّان، وطبقات السلطة وتقاطعها، والموقع الحسّاس لإيران، تردع أعداءها عن أيّ حرب برّيّة، بل تُعيق أيّ حرب داخلية بين مكوّنات الشعب الإيراني، أو أيّ انقلاب عسكري. في حين أنّ احتلال إيران بشكل مباشر هو الضمان الوحيد للقضاء على المشروع النووي واجتثاث سلاح الصواريخ البالستية وتغيير النظام. من أين تأتي بجيش كالجيش الجرّار الذي غزا العراق، في الأقلّ، وهو غير كافٍ لاحتلال إيران؟

إيران

2- صحيحٌ أنّ نتنياهو استطاع إغراء الرئيس الأميركي بالانضمام إلى المعركة، لكنّ ترامب دخل بشروطه هو، لا بأهداف إسرائيل. قصف منشآت إيران النووية، وأعلن النصر قبل الأوان، وفرض على نتنياهو وقف إطلاق النار، قبل أن تتحقّق الأهداف. فهو لا يهوى الحروب، إنّما يحاول الظهور بصورة من يطفئها بإشارة منه. ويضاف إلى ذلك أنّ الكتلة الجمهوريّة التي تؤيّده يغلب عليها تيّار الانعزال والانكفاء، تحت عنوان: “أميركا أوّلاً”، وتعارض خوض الحروب الخارجية حتّى من أجل إسرائيل.

لم تنتصر إيران في الحرب الأخيرة بقدر ما أُهدِي لها هذا النصر على طبق من دم ودمار، ومن عدوّيها تحديداً، الولايات المتّحدة وإسرائيل

3- سياسيّاً، كانت إيران في موقع الدفاع المشروع عن النفس، حتّى لو كانت تتحدّى الولايات المتّحدة والأطراف الموقّعة على الاتّفاق النووي عام 2015، وذلك برفع مستوى التخصيب النووي إلى 60%. لكنّ التبرير موجود، وهو أنّ ترامب في ولايته الأولى هو الذي انسحب من الاتّفاق النووي عام 2018. وخاضت إيران خمس جولات من المفاوضات غير المباشرة مع الأميركيين بوساطة عُمانيّة. وكان من المنتظر بدء جولة سادسة من التفاوض، حين شنّت إسرائيل هجومها الغادر على إيران، فجر 13 حزيران الحالي، بالتنسيق مع ترامب نفسه، الذي استخدم الهجوم الإسرائيلي أداةَ ضغطٍ على طهران. وهذا الوضع يختلف عمّا كان عليه العراق حين تعرّض للغزو عام 2003.

أين الأخطاء؟

إذا كانت كلّ الأسباب متوافرة لاطمئنان إيران على مصيرها ومستقبلها في المنطقة، إلّا أنّها أخطأت في حساباتها، منذ “طوفان الأقصى” في السابع من  أكتوبر/ تشرين الأوّل 2023، فتسبّبت عمليّاً بالقضاء على محور المقاومة و”الحزب”، مركز الثقل فيه. وهو ما أجبر طهران أخيراً على القتال المباشر مع إسرائيل، واستعمال عدد من أنواع صواريخها المدمّرة، في استعراض نادر للقوّة. فما هي تلك الأخطاء:

1- بادرت إيران منذ طوفان الأقصى إلى النأي بنفسها عن المحور الذي أنشأته، فتبرّأت من عمليّة “حماس”، ولم تتبنَّ حرب الإسناد من لبنان ولا من العراق أو اليمن. فلاحقها نتنياهو لجرّها إلى المعركة. قصف قنصليّتها في دمشق، واغتال جنرالات من الحرس الثوري في سوريا ولبنان، واغتال رئيس “حماس” إسماعيل هنيّة في طهران، واغتال زعيم “الحزب” السيّد حسن نصرالله. لكنّها حاولت التهرّب من المواجهة الجادّة.

هدأت عاصفة القصف المتبادل بين إسرائيل وإيران التي استمرّت 12 يوماً، وبدأ نزاع من نوع آخر، لإثبات من انتصر في هذه الحرب

2- إذا كان تجنّب المعركة طوال الأشهر الماضية نوعاً من الحكمة بغرض عدم التورّط في حرب غير متكافئة، إلّا أنّه كان واضحاً أنّ إسرائيل تقطع الأذرع تباعاً أو تحيّدها توصّلاً إلى توجيه الضربة الاستراتيجيّة إلى الرأس، على حدّ تعبير خبراء استراتيجيّين عرب، وأنّ العجز الأمنيّ عن رصد الاختراقات الإسرائيلية واحتوائها، لا سيّما بعد اغتيال هنيّة، يُضاف إليه الارتخاء الأمني عشيّة الجولة السادسة من المفاوضات النوويّة، كانا من الأخطاء التي كلّفت طهران خسائر كثيرة كان من الممكن تجنّبها.

إقرأ أيضاً: إيران تفقد أذرعها: القلعة الحصينة أم الدّولة الحاجز؟

3- أخيراً، قاتلت إيران كدولة قوميّة تدافع عن نفسها من أعداء خارجيّين، أهانوها وانتهكوا سيادتها، لا كدولة إسلاميّة تنافح عن الشعوب المستضعَفة في المنطقة، وعن أتباعها بصورة خاصّة، وهذا ما يضرب الأساس الذي قامت عليه نظريّة ولاية الفقيه، التي لا تقف عند الحدود التي رسمها الاستعمار الأوروبي، وإن كانت عاطفة الجمهور بمجمله اكتفى بمظاهر الدمار التي أحدثتها الصواريخ الإيرانية.

 

لمتابعة الكاتب على X:

@HishamAlaywan64

مواضيع ذات صلة

من يستدرج لبنان للعداء مع سوريا؟

تعاملت دول جوار سوريا مع تحوّلاتها بشكل متفاوت. لكنّها أجادت التموضع بدقّة ووضوح وثبات. بقي لبنان منذ ذلك الحدث قبل عام، منقسماً، متصدّعاً على المستوى…

الأزمة السّوريّة داخل السّجون اللّبنانيّة تتصاعد

بعد أسابيع على زيارة نائب رئيس الحكومة طارق متري لدمشق، ولقاء رئيس الحكومة نوّاف سلام بالرئيس السوريّ أحمد الشرع على هامش منتدى الدوحة، زار الأربعاء…

سيمون كرم يخلُف نعيم قاسم

لا يختلف اثنان على أنّ تعيين سيمون كرم، الدبلوماسيّ/المدنيّ، على رأس لجنة “الميكانيزم” المكلَّفة بالتفاوض مع إسرائيل، أوقف تدحرج “الحرب الشاملة” التي كانت إسرائيل تهدّد…

تكامل خليجيّ مُتصاعد… ورسائل وازنة لثلاثة جيران

لم تكن القمّة الخليجيّة الأخيرة عاديّة أو استثنائيّة. يُمكن القول إنّها بينهما، توقيتاً ومضموناً. تبني دول مجلس التعاون الستّ (السعوديّة والإمارات وقطر والكويت وعُمان والبحرين)…