إنقاذ “الحركة”… أهمّ من إنقاذ غزّة!

مدة القراءة 6 د

منذ اليوم الأوّل لاندلاعها، في السابع من أكتوبر (تشرين الأوّل) 2023، لا تزال حرب غزّة التي افتعلتها حركة “حماس”، وصبّت في مصلحة إسرائيل، تبحث عن أفق سياسي. زادت البحث صعوبةً عودة دونالد ترامب مجدّداً إلى البيت الأبيض وقبوله التغطية الكاملة للمشروع الإسرائيلي الذي لا علاقة له من قريب أو بعيد بالسياسة، بمقدار ما له علاقة برغبة مستحيلة. تتمثّل هذه الرغبة في تصفية القضيّة الفلسطينيّة نهائيّاً، ومعها القضاء على خيار الدولتين.

 

 

ارتكبت “حماس” ولا تزال ترتكب الخطأ تلو الآخر. في الوقت ذاته، لا تزال إسرائيل مصرّة على الانتقال من حرب إلى أخرى، كي لا يعود من وجود لغزّة، بقيت “حماس” أم لم تبقَ. أكثر من ذلك، يلوح في الأفق خطر مواجهة مع إيران لن تكون الولايات المتحدة بعيدة منها.

كان هجوم “طوفان الأقصى” الذي استهدف مستوطنات إسرائيليّة قريبة من القطاع (في غلاف غزّة) جريمة في حقّ فلسطين. يكفي أنّ يحيى السنوار الذي خطّط لتلك الحرب لم يفكّر في ما سيفعله في اليوم التالي لـ”طوفان الأقصى”، وما سيترتّب على ذلك سياسياً، إن في الأراضي الفلسطينية وإن على صعيد المنطقة. لم يفكّر السنوار، الذي رحل عن عالمنا، في أنّ إيران ستعمل على استغلال الهجوم على مستوطنات غزّة انطلاقاً من حسابات خاصّة بها. ارتبطت الحسابات الإيرانيّة في كلّ وقت باستغلال أحداث المنطقة من أجل عقد صفقة مع “الشيطان الأكبر” الأميركي، تُكرّس اعتراف واشنطن بالدور الإقليمي المهيمن لـ”الجمهوريّة الإسلاميّة”.

بغضّ النظر عمّا إذا كانت حركة “حماس”، التي هي جزء لا يتجزّأ من تنظيم الإخوان المسلمين، أرادت قتل هذا العدد من الإسرائيليين واليهود أو أسرهم أم لا، يبقى أنّ العالم لم يتقبّل فكرة “طوفان الأقصى” من أساسها. لم يتقبّل العالم، خصوصاً الولايات المتحدة، فكرة شنّ هجوم انطلاقاً من غزّة وتصفية كلّ هذا العدد من اليهود وتهديد أمن الدولة العبريّة. بات على إسرائيل استعادة قوّة الردع التي فقدتها في السابع من أكتوبر 2023. شاركت أميركا إسرائيل في هوسها المرتبط بقوّة الردع. سارع الرئيس جو بايدن إلى الذهاب إلى تل أبيب، وكذلك وزير خارجيّته أنتوني بلينكن، الذي لم يتردّد لحظة في إعلان أنّه جاء بصفة كونه “يهوديّاً”.

ارتكبت “حماس” ولا تزال ترتكب الخطأ تلو الآخر. في الوقت ذاته، لا تزال إسرائيل مصرّة على الانتقال من حرب إلى أخرى، كي لا يعود من وجود لغزّة

أدوات قديمة

زاد الدعم الأميركي لإسرائيل من عجرفة بنيامين نتنياهو الذي يعتقد أنّ في استطاعته أخذ ما يريده من أيّ مقيم في البيت الأبيض. ساعده الدعم الأميركي في تحسين صورته في الداخل الإسرائيلي، على الرغم من كلّ متاعبه أمام القضاء والاتّهامات الموجّهة إليه. ساعده، أكثر ما ساعده، الوضع الإقليمي المتمثّل في هزيمة “الحزب” وفرار بشّار الأسد إلى موسكو، مع ما يعنيه ذلك من تقليص لنفوذ “الجمهوريّة الإسلاميّة”. صار مستقبل النظام القائم في طهران على المحكّ في ضوء ما أسفر عنه “طوفان الأقصى”.

لم تقرأ “حماس” المعطيات التي ولدت من رحم حرب غزّة. تشبه الحركة إلى حدّ كبير بنيامين نتنياهو الذي يرفض أن يتغيّر. المخيف في المرحلة الراهنة، مع تجدّد الحرب على القطاع وأهله، أنّ “حماس” لا تزال تمارس السياسة عن طريق أدوات قديمة تجاوزها الزمن وتجاوزتها الأحداث.

لم تعد الرهائن الإسرائيلية الموجودة لدى الحركة ورقة يمكن أن تستخدم في أيّ أخذ وردّ مع إسرائيل وأيّ مواجهات معها. تخلّى “بيبي” عن الرهائن منذ فترة طويلة. بكلام أوضح، إنّ إسرائيل ليست في وارد التفاوض، كما كانت تفعل في الماضي، من أجل إنقاذ أحد مواطنيها. دخلت إسرائيل مرحلة جديدة عجزت “حماس” عن فهم أبعادها وانعكاساتها على قضيّة شعب يحتاج إلى مشروع سياسي، وليس إلى إنقاذ قادة الحركة الذين ما زالوا موجودين في غزّة، أو مقيمين في هذه المدينة العربيّة أو التركية أو تلك.

زاد الدعم الأميركي لإسرائيل من عجرفة بنيامين نتنياهو الذي يعتقد أنّ في استطاعته أخذ ما يريده من أيّ مقيم في البيت الأبيض

هل إنقاذ “حماس” أهمّ من إنقاذ غزّة؟ الجواب أنّ العرب بشكل عام حريصون على أهل غزّة… لكن لا يوجد نظام عربي على استعداد لخوض حرب مع إسرائيل استناداً إلى أجندة تفرضها “حماس”. وحدها إيران تريد من العرب التورّط في حرب مع إسرائيل، لعلّ وعسى أن يخدم ذلك طموحها القديم – الجديد المتمثّل في عقد صفقة مع أميركا.

سيأتي يوم تتغيّر فيه إسرائيل من الداخل. لا يمكن للدولة العبريّة خوض كلّ الحروب التي تخوضها إلى ما لا نهاية بناء على رغبة بنيامين نتنياهو وحلفائه وخدمةً للمصالح الشخصية لرئيس الحكومة. سيحدث ذلك بعد التخلّص من خطر ملفّ المشروع النووي الإيراني.

رهان خاسر

يهمّ الخطر النووي الإيراني إسرائيل، كما يهمّ الولايات المتّحدة وكلّ القوى الغربية الأخرى. لم تعد توجد دولة في العالم الغربي وفي المنطقة على استعداد للوقوف موقف المتفرّج من المشروع النووي الإيراني، خصوصاً في ضوء “طوفان الأقصى” الذي كشف أنّ “حماس” لم تحترم قواعد الاشتباك المتّفق عليها مع الدولة العبريّة.

راهنت إسرائيل على “حماس” طويلاً من أجل قطع الطريق على تقدّم المشروع الوطني الفلسطيني. تبيّن أنّ مثل هذا الرهان في غير محلّه

راهنت إسرائيل على “حماس” طويلاً من أجل قطع الطريق على تقدّم المشروع الوطني الفلسطيني. تبيّن أنّ مثل هذا الرهان في غير محلّه. ارتدّ هذا الرهان على الدولة العبرية نفسها.

متى تتغيّر “حماس”؟ ذلك هو السؤال الكبير، لا لشيء إلّا لأنّه لا يمكن للشعب الفلسطيني وقضيّته البقاء رهينتَي “حماس” والذين يقفون خلفها. باتت “حماس” رهاناً خاسراً. باتت خطراً على القضية الفلسطينية، خصوصاً أنّ العالم منشغل في أمور أخرى، في طليعتها الحرب الأوكرانيّة ومستقبل المشروع النووي الإيراني.

إقرأ أيضاً: حماس ومراجعة الحسابات

أخطأت “حماس” وما زالت تخطئ. مثلما أنّ الصواريخ التي راحت تطلقها من غزّة بعد الانسحاب الإسرائيلي الكامل منها في آب 2005، وفّرت لإسرائيل فرصة للقول إنّه لا وجود لشريك فلسطيني يمكن التفاوض معه، نجدها الآن تستخدم ورقة الرهائن بما يسمح لرئيس الحكومة الإسرائيلي بالهرب إلى حرب جديدة، أقلّ ما يمكن قوله إنّ الشعب الفلسطيني، خصوصاً شعب غزّة، في غنى عنها.

مواضيع ذات صلة

البابا فرنسيس: آخر المُصلحين الفقراء..

اعتلى البابا فرنسيس السدّة البابوية راهباً “جزويتيّاً” مترفّعاً عن متاع الدنيا. احتفظ بملابسه الكهنوتية المخصّصة للكارديناليّة، ورفض استخدام الملابس الخاصّة بالبابا. ورفض الإقامة في البيت…

ماذا تفعل لو كنت جوزف عون؟

ماذا تفعل لو كنت اليوم الرئيس العماد جوزف عون؟ ماذا تفعل لو كنت رئيساً لدولة تقاوم التقسيم، تصارع الإفلاس، تعاني الاختراقات الإقليمية، وتتعرّض لضغوط دوليّة؟…

عودة النّزاع على سلاح “الحزب”!

يعلم “الحزب” والإيرانيّون أنّ الجبهة صارت من الماضي. فلماذا هذا الإصرار أخيراً على السلاح والمقاومة والتحدّي؟! الراجح أنّ في ذلك عودة إلى وظيفة “الحزب” التقليدية…

بلديّة بيروت: ماذا قال رفيق الحريري لتمّام سلام؟ (1/2)

.. يروي الرئيس تمّام سلام أنّ الرئيس الشهيد رفيق الحريري سأله يوماً: هل البلديّة مهمّة؟ فأجابه: “بالتأكيد”. وهل منصب رئيس البلدية مهمّ؟ فأجابه: “جدّاً مهمّ”….