يستقوي الحكم السوري الانتقالي بتوالي الانفتاح الأوروبي عليه فيتّخذ موقفاً متشدّداً ضدّ اعتداءات إسرائيل. تستفيد روسيا من موجة انفتاح الرئيس الأميركي دونالد ترامب عليها لإنهاء حرب أوكرانيا، للاحتفاظ بنفوذها في سوريا.
حاجة الدول الغربية وترامب إلى إبقاء سوريا محيّدة عن احتمالات المواجهة مع إيران، تبقيهما مستنفرَين إزاء محاولات الأخيرة تقويض الاستقرار فيها. وعلى المدى الأبعد يخشى الأوروبيون تكرار إسلاميّين متشدّدين الارتكابات في الساحل السوري بحجّة مواجهة تحرّك النظام المخلوع، بقتلهم علويّين.
شهد الأسبوع المنصرم تسلسل وقائع عن احتضان دوليّ للحكم الجديد في سوريا، إثر هزّة اشتباكات الساحل مع فلول النظام الأسديّ مطلع آذار. بدا أنّ هناك توافقاً دولياً إقليمياً على أن لا بديل عن حكم أحمد الشرع في هذه المرحلة.
أوّل موقف رسميّ ضدّ توغّلات إسرائيل
من أبرز هذه المواقف يمكن ذكر الآتي:
1- كانت لافتة رسالة المندوب السوري في الأمم المتحدة قصيّ الضحّاك قبل يومين إلى رئيس مجلس الأمن والأمين العامّ للأمم المتحدة. فهي “ترفض رفضاً قاطعاً تصريحات رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بشأن حماية الدروز في سوريا، وإنشاء منطقة منزوعة السلاح جنوب البلاد، وعدم السماح للجيش السوري بالانتشار جنوب دمشق”. القيادة السورية تجنّبت في الأشهر الثلاثة الماضية تصعيد الموقف ضدّ إسرائيل إثر احتلالها أراضي سورية في الجنوب. راهن بنيامين نتنياهو على استدراج دمشق إلى التطبيع، للضغط على دول عربية أخرى تمتنع عن ذلك بسبب حرب الإبادة في غزة. الرسالة السورية وصفت للمرّة الأولى التعدّيات الإسرائيلية بأنّها “تعبّر عن النوايا العدائية الإسرائيلية لتقويض أمن واستقرار سوريا”. وطالبت مجلس الأمن بـ”إجراءات عاجلة لضمان انسحاب إسرائيل”. بهذا تقطع سوريا الجديدة الطريق على استثمار إيران في “مقاومة” الاحتلال.
حاجة الدول الغربية وترامب إلى إبقاء سوريا محيّدة عن احتمالات المواجهة مع إيران، تبقيهما مستنفرَين إزاء محاولات الأخيرة تقويض الاستقرار فيها
قطع الطّريق على استخدام إسرائيل للدّروز
شكّل عاملان رافعةً للموقف السوري بمواجهة الدولة العبرية. الأوّل الرفض العربي، لا سيما السعودي الشديد اللهجة، للتوغّلات الإسرائيلية في الجنوب السوري. والثاني تجاوب الفعّاليات الدرزية في السويداء والجولان المحتلّ مع نداء الزعيم الدرزي وليد جنبلاط الذي حذّر من “الاختراق الفكري الصهيوني لأبناء الطائفة الدرزية واستخدام بعضهم إسفيناً لتقسيم سوريا تحت شعار تحالف الأقليّات”.
بعد ساعتين على موقفه صدرت بيانات من شيخَي العقل في سوريا حمود الحناوي ويوسف جربوع، ومن “حركة رجال الكرامة” ومن حسن الأطرش قريب سلطان باشا الأطرش، تناصر موقف جنبلاط، خلافاً لموقف أحد مشايخ العقل حكمت الهجري، الذي انفتح على رجال دين دروز في إسرائيل يراهن عليهم نتنياهو.
مساعدات بروكسل ووزيرة خارجيّة ألمانيا
2- خصّص مؤتمر بروكسل عن مستقبل سوريا بدعوة من الاتّحاد الأوروبي 6.3 مليارات دولار مساعدات إنسانية ودعماً للتعافي، منها 1.6 قروضاً. وإذ ربط صرف الأموال بعدم تكرار الانتهاكات حيال الأقلّيات في الساحل، دان الهجمات ضدّ الحكومة المؤقّتة في الساحل من موالين للأسد، ورحّب بتشكيل الشرع لجنة تحقيق بالجرائم ضدّ المدنيين… واعداً بدراسة رفع المزيد من العقوبات على سوريا.
أعقبت ذلك زيارة وزيرة خارجيّة ألمانيا أنالينا بيربوك لدمشق، لإعلان افتتاح سفارة بلادها. وقالت إنّ العديد من الأطراف داخل البلاد وخارجها يحاولون “إفشال المسار السياسي السلميّ في البلاد”، ودعت إلى إشراك جميع المجموعات في السلطة. وربطت الاستثمارات بقيام دولة مستقرّة. هؤلاء السوريون الذين علّقوا أهمّية على مؤتمر بروكسل أبلغوا “أساس” أنّ أوروبا المختلفة بقوّة مع ترامب حول روسيا وطريقته لإنهاء حرب أوكرانيا تتقاطع مع البيت الأبيض على إضعاف إيران بإبعادها عن سوريا.
كانت لافتة رسالة المندوب السوري في الأمم المتحدة قصيّ الضحّاك قبل يومين إلى رئيس مجلس الأمن والأمين العامّ للأمم المتحدة
تعطيل الاستثمار في صدامات الحدود مع لبنان
3- إقفال الإدارة السورية الجديدة 3 معابر غير شرعية مع لبنان في منطقة البقاع الشرقي بعد الاشتباكات التي شهدتها الحدود. بذلك قطعت الطريق على استفادة “الحزب” وإيران من التوتّر الذي سبّبه المهرّبون على جانبي الحدود في الأسبوعين الأخيرين. حصلت الاشتباكات نتيجة تداخل عوامل عدّة بدءاً ببقاء هذه المنطقة مفتوحة للتهريب، وتجّار المخدّرات والسلاح، وتنافس العشائر، ووجود عشرات الآلاف من النازحين والمقاتلين الموالين للنظام الهاربين في الهرمل، وبينهم مقاتلو “الحزب”. وقف الصدامات الحدودية يعطّل قدرة الطرف المنظّم، أي “الحزب” وإيران، على الاستثمار فيها للانتقام من الحكم الجديد في سوريا.
رسالة بوتين للشّرع لأجل “التّعاون”
4- الأهمّ وفق قول مصادر سورية ولبنانية تتابع تأثير الساحة السورية على لبنان لـ”أساس”، إعلان الكرملين عن رسالة فلاديمير بوتين إلى الشرع يوم الخميس التي وجّه فيها إليه مجدّداً دعوة لزيارة موسكو. وتذكّر بأنّها جاءت بعد إعلان دونالد ترامب عن الإيجابيات التي انتهت إليها مكالمته المطوّلة مع القيصر، الثلاثاء الماضي، وسبقت الاجتماع الأميركي الروسي في جدّة الإثنين لمتابعة التفاوض على حرب أوكرانيا. المتّصلون بموسكو يعلّقون أهمّية على اللجان التي تشكّلت بينها وبين واشنطن بنتيجة الاجتماع الأوّل بين وزيرَي الخارجية سيرغي لافروف وماركو روبيو في الرياض في 18 شباط الماضي.
إضافة إلى اللجنة حول أوكرانيا، اتّفقا على لجان تتناول اتّفاقات خفض الأسلحة النووية، والأزمات الإقليمية (تشمل سوريا وملفّ إيران النووي ودورها في الشرق الأوسط). وأخذ مقرّبون من موسكو يسألون هل يلزّم ترامب، غير المهتمّ بسوريا لتركيزه على إيران، سوريا لبوتين. وتجلّى فتحُ صفحة تعاون جديدة في الدعوة المشتركة للمرّة الأولى منذ سنوات إلى عقد جلسة لمجلس الأمن انتهت بصدور بيان عن سوريا.
تستفيد روسيا من موجة انفتاح الرئيس الأميركي دونالد ترامب عليها لإنهاء حرب أوكرانيا، للاحتفاظ بنفوذها في سوريا
القريبون من الحلقة الضيّقة لحكّام سوريا الجدد يرسمون المقاربة الآتية للعلاقة مع موسكو:
– البراغماتية تقتضي تنويع العلاقات الدولية لمصلحة شيء من التوازن. فموسكو يمكن أن تلعب دوراً للحدّ من التوغّلات الإسرائيلية، وأن تلجم التدخّلات الإيرانية في بلاد الشام. وأحد مبرّرات دعم واشنطن اتّفاق الشرع مع مظلوم عبدي كان القوطبة على استثمار إيران في خلاف النظام الجديد مع الأكراد.
إقرأ أيضاً: هل يغيّر ظريف “سرّاً” حسابات طهران الخاطئة؟
– أبلغت دمشق الجانب الروسي (اجتماع لافروف مع نظيره السوري أسعد الشيباني) استعدادها لمناقشة بقاء قواعدها العسكرية في حميميم وطرطوس وغيرها، بعد تشكيل الحكومة الانتقالية المنبثقة عن البرلمان الذي حدّد الإعلان الدستوري كيفيّة تشكيله. وسبب ترحيل بحث هذا الأمر هو تفادي الاعتراضات في صفوف السوريين على احتفاظ موسكو بوجود عسكري سبق أن ساهم في إطالة معاناة السوريين لدعم الروس بقاء الأسد في السلطة.
لمتابعة الكاتب على X: