وزير خارجية لبنان … الديبلوماسية مع البندقية؟

مدة القراءة 6 د

في أوّل ظهور تلفزيوني له، أثار وزير الخارجية اللبناني يوسف رجّي سجالاً سياسيّاً لإعلانه الصريح حمله السلاح في صفوف القوّات اللبنانية. قدّم حزبيّته على خطّته الوزارية لإعادة ربط لبنان بالجانب المُضيء من العالم. بهذه الحزبيّة وضع رجّي صفته الدبلوماسية على منافسة مع سيرته في الحرب الأهلية.

 

 

إعلان الوزير يوسف رجّي انتماءه الحزبي في ظهوره مع الإعلامي مارسيل غانم في برنامج “صار الوقت”، سلب منه صفة “الوزير الوطني”، ما دام انتظم في صفوف الحكومة التي نالت الثقة من مجلس النواب بـ 95 صوتاً. ذلك أنّه متى يصبح السياسي عضواً في حكومة ما، يكون قد صار وزيراً بـ”إجماع وطني”، فكيف بتمثيل لبنان في الخارج.

فاخر رجّي بتناسله من محاور الحرب الأهلية، وهو الأمر الذي حُجب عن وزراء الثنائي الشيعي، وعن حقّ. أكثر من ذلك، فقد أصرّ رئيس الحكومة، وهو في طور التأليف، على التأكيد أنّ الوزراء يجب أن يكونوا غير محازبين، لكنّ مسارات التشكيل عكست حقيقة توازن القوى السياسية والحزبية في البلد. عمليّاً، صارت الحكومة مرآةً لمعضلة الانقسام اللبناني.

إعلان الوزير يوسف رجّي انتماءه الحزبي في ظهوره مع الإعلامي مارسيل غانم في برنامج “صار الوقت”، سلب منه صفة “الوزير الوطني”

كان الانقسام اللبناني قبل الحرب الأهلية مشكلة. لكنّه بعد الاقتتال الداخلي خلال السبعينيات والثمانينيات تحوّل إلى معضلة صارت تظهر بأوضح وجوهها خلال الأزمات الوطنية، منذ ما بعد إقرار اتّفاق الطائف مطلع تسعينيات القرن الماضي.

كاد هذا الانقسام أن يتبدّى خلال استحقاق تأليف مجلس الوزراء، وهو الاستحقاق الذي فضح قدرة كلّ من القاضي نوّاف سلام والأحزاب على إحكام الضغوط، وكشف أيضاً قدرة كلّ منهما على الخضوع الاضطراريّ لبعض الشروط. والعسر الذي رافق هذا الاستحقاق أكّد عمق أزمة البلد ومآزق القوى السياسية والطائفية في المنافحة عمّا تعتقده حقّاً لها في السلطة السياسية.

آنذاك سارع رئيس الهيئة التنفيذية في القوات اللبنانية الدكتور سمير جعجع للاجتماع مع الوزراء الأربعة الذين صُنّفوا من حصّة حزبه، وذلك لتظهير الشراكة مع العهد وحكومته الأولى. حصل ذلك مع تصعيد عامّ للسجال السياسي حول مضمون البيان الوزاري وهل سيتضمّن مُفردة “مقاومة”، مع تلويح بالشروط المُضادّة حول صياغة الموقف من سلاح “الحزب ـ المقاومة”.

كان الانقسام اللبناني قبل الحرب الأهلية مشكلة. لكنّه بعد الاقتتال الداخلي خلال السبعينيات والثمانينيات تحوّل إلى معضلة

“لبنانيّة” وزير الخارجيّة

وزير الخارجية الذي تمنّع عن إعطاء تقديره الشخصي لقضيّة “التطبيع مع إسرائيل”، طالباً أن يتمهّل لطرح الموضوع على طاولة مجلس الوزراء ويبدي رأيه داخل الحكومة، تباهى بحمل بندقيّة ساهمت على وجه من الوجوه في الاحتراب الأهلي اللبناني. و”المُقاتل” رجّي بصفته هذه لا يتمايز عن كثير من اللبنانيين الذين حملوا بنادق الحرب الأهلية، وخاضوا حروب “الجيران”، الأقربين والأبعدين على الأراضي اللبنانية.

لا ينال من “لبنانيّة” الوزير يوسف رجّي تصريحه عن ماضيه الحربي، الذي يحمل كغيره من القوى الحزبية اللبنانية الكثير من الالتباسات السياسية والوطنية التي تبقى إلى أمد طويل موضع نقاش وجدال، ما دامت كلّ هذه القوى لم تحمل إلى اللبنانيين مراجعات نقدية غير تلك التي ساقها الحزب الشيوعي ومنظّمة العمل الشيوعي، والاعتذار الذي قدّمه الدكتور جعجع عن “إساءات” حصلت خلال سنوات الاحتراب الأهلي.

صحيح أنّ وزير الخارجية أعرب عن استعداده للمشاركة في إعادة بناء لبنان وإعادته إلى الخارطة الدولية، لكنّه بتصريحه عن ماضيه الحربي ـ الحزبي، وهو حاضره الآن على المستوى السياسي، ساهم في تزخيم الانقسام السياسي الأهليّ القائم في البلد وبين أهله وجماعاته. ولذلك لم يكن مُفاجئاً أن يحيل عن غير قصد أعباء القضية اللبنانية على نقاش قائم على لغة الارتداد على الدستور واتفاق الطائف، ومناقشة حقّ الدولة في احتكار قرار الحرب والسلم، ما دام آتياً من ميليشيا شاركت كغيرها في صناعة مآسي الحرب.

جاءت مقابلة وزير الخارجية اللبناني مع الإعلامي مارسيل غانم خلواً من الحذر الذي يتّسم به رجال الدبلوماسية والوزراء عموماً

حقّ رجّي ونقيضه

يحقّ للسياسي يوسف رجّي في بلد كلبنان أن يعلن صوابيّة “احتكار الدولة لحمل السلاح”. ويستطيع أن يُعلن ما قاله عن وجوب التزام “الحزب” بما تطلبه منه الحكومة كي تُعيد العدوّ الإسرائيلي إلى خطوط اتفاقية الهدنة. يستطيع أن يعلن استراتيجية وزارته من ضمن الحكومة؟ له الحقّ أن يقول ما يريده في السياسة، لكنّه لا يستطيع أن يُباهي غيره بماضيه الحربي.

قد يقول قائل إنّ الوزير يوسف رجّي ذهب إلى ذلك لأنّه رأى عمله ومستقبله السياسي مفتوحين على تحشيد قاعدة حزب القوات، وإنّ هذه اللغة السياسية تستدرج الأنصار والمؤيّدين. لكنّ ما قاله لم يفعل غير التحشيد المُضادّ أيضاً، ذلك أنّه وضع عمله الدبلوماسي مقروناً بماضيه الحزبي.

قدّم وزير الخارجية اللبناني سيرته الحربية على عمله الدبلوماسي حين كان سفيراً لوطنه في المملكة الأردنية الهاشمية. هكذا جمع رجّي بين الحرب الماضية وحياته السياسية حاليّاً. والأمران نقيضان. الحرب تصنع العنف. السياسة تبني السلام والديمقراطية في النظم البرلمانية التي يُصنّف لبنان في خانتها.

 إقرأ أيضاً: لبنان في ظلال جهنّم: حكاية رفيق الحريري

السّياسة الأهليّة

جاءت مقابلة وزير الخارجية اللبناني مع الإعلامي مارسيل غانم خلواً من الحذر الذي يتّسم به رجال الدبلوماسية والوزراء عموماً. ولهذا لاحت الأسئلة عند اللبنانيين، الذين تابعوا الحوار الإعلامي، عن مدى تأثّر رجّي بماضيه الأهليّ أكثر من راهنه السياسي. ذلك أنّ اللبنانيين يتابعون بشقّ الأنفس مدى التزام لبنان، و”الحزب” خصوصاً، بالقرار 1701 ومندرجاته لجهة حقّ الدولة في اتّخاذ قرارَي الحرب والسلم واحتكار السلاح دوناً عن أية جماعة أهلية.

صحيح أنّ مفاخرة رجّي بعثت ابتهاجاً عند أنصار وبيئة حزب القوّات، لكنّها بعثت كآبة عند جمهور وبيئة غير القوات من الأحزاب. لكنّ اللبنانيين كثيراً ما خبروا محناً جرّاء ابتهاج جماعة أهليّة واكتئاب أخرى. ولدى اللبنانيين أيضاً تجارب كثيفة في انقلاب التوقّعات والآمال، وهذا ما ينبغي التنبّه له في مرحلة الاستعداد لقيام الدولة على أنقاض دويلة “الحزب”. وهذا ما يستحقّ مساحةً وأُفقاً من التفكير في كيفية النهوض بالسياسة من حيّزها الأهليّ إلى معناها اللبناني العامّ.

لمتابعة الكاتب على X:

@jezzini_ayman

مواضيع ذات صلة

فيصل سنّو يعود لمسرح الجريمة.. ماذا قال لبسّام برغوت؟ (2/2)

دخل بسّام برغوت على رئيس جمعيّة المقاصد فيصل سنّو في مكتبه بالجمعية كعادته يومياً، فهو عضو مجلس أمناء الجمعية ومسؤولها المالي ويعتبر من أصدقاء سنّو…

إيران تتمسّك بسلاح أذرعها في التّفاوض… إسرائيل تصعّد

قيل الكثير في أسباب موجة المواقف التي أطلقها “الحزب” رفضاً لمبدأ نزع أو تسليم سلاحه. من التفسيرات الرائجة أنّه يخاطب جمهوره ويرفع من معنويّاته، لكنّ…

الإصلاح التّجميليّ الفلسطينيّ.. وحزب الجمود الوطنيّ

ينبغي أن يبدأ إصلاح الحال الفلسطيني بإصلاح النظام السياسي الذي اضمحلّ وضعف وتشتّت جرّاء الانقسام والجمود والإهمال. كلّ الترتيبات التي يجري الحديث عنها، وأكثر ما…

البابا فرنسيس: آخر المُصلحين الفقراء..

اعتلى البابا فرنسيس السدّة البابوية راهباً “جزويتيّاً” مترفّعاً عن متاع الدنيا. احتفظ بملابسه الكهنوتية المخصّصة للكارديناليّة، ورفض استخدام الملابس الخاصّة بالبابا. ورفض الإقامة في البيت…