في أربع وعشرين ساعة تغيّر المشهد. ما الذي تغيّر؟ لا بدّ أن نعترف أنّ المتغيّرات في البلد أصبحت حتميّة. وطوفان التغيير منذ 17 تشرين الأوّل 2019 أزهر تغييرات هادئة، بعدما أحبطت السلطة “الانتفاضة”.
بعد حرب قاسية، هبّت رياح دولية فحاكت عاصفة كانت لا تزال صامتة. اليوم، لم تستطع الكتل النيابية مواجهة الرياح. بعد انتخاب جوزف عون رئيساً، لم يكن المزاج الشعبي قادراً على أن يتقبّل تسمية نجيب ميقاتي رئيساً لحكومة العهد الأولى. فبدأ الطوفان مع كتلة المعارضة ونوّاب التغيير، ثمّ خرجت الكتل الأخرى غير قادرة على مواجهة المدّ الذي أنتجته أمواج الرئاسة. والزخم الذي جاء بجوزاف عون رئيساً، هو الذي جاء بنوّاف سلام إلى السراي.
لم تكن تسمية النائب فؤاد مخزومي منطلقة من قناعة لدى كلّ النواب. حتى بعد الإعلان عن تبنّيه خرج النائب ميشال الدويهي ليقول إنّ خيارات المعارضة لا تزال مفتوحة على الرغم من التسمية، ففتح الطريق أمام التلاقي على اسم نوّاف سلام مع المجموعة التي كانت سمّت النائب إبراهيم منيمنة لرئاسة الحكومة.
بعد انتخاب جوزف عون رئيساً، لم يكن المزاج الشعبي قادراً على أن يتقبّل تسمية نجيب ميقاتي رئيساً لحكومة العهد الأولى
حتى ساعات الصباح استمرّ الاجتماع حتى نتج عنه انسحاب مخزومي. في هذا الوقت كان نوّاف سلام يعلن من لاهاي استعداده لتولّي رئاسة الحكومة. وبعدها بدأت تتدحرج الأمور بشكل لم تقوَ كتل السلطة التقليدية على مواجهتها.
واجه النائب تيمور جنبلاط رغبة والده بتسمية نجيب ميقاتي. فالمعروف عن تيمور أنّه يشجّع على “التغيير”. ومعروف عن والده أنّه يسعى إلى المحافظة على “التوازنات”. لكن يبدو أنّ الجميع أصبح أمام توازنات جديدة في البلد، البعض يجاهر بها، والبعض لم يتقبّلها بعد، والبعض لا يزال في حال إنكارها.
لم تكن تسمية النائب فؤاد مخزومي منطلقة من قناعة لدى كلّ النواب
“الحزب”: عون وسلام أمام امتحان
حمل تصريح النائب محمد رعد عنوانين:
- الأوّل: هو التوجّه إلى عدم المشاركة في الحكومة بالقول: “فليحكموا وحدهم”.
- والثاني هو وضع عناوين يفترض أن يجد لها جواباً في الأيّام المقبلة، أبرزها إعادة الإعمار.
في المقابل، لا يزال الثنائي الذي يحتكر تمثيل الطائفة الشيعية عبر نوّابهما المنتخبين، يعرب عن حرصه على “الميثاقية”. لكن على أن لا تُواجه الميثاقية التوافق الوطني، تماماً كما قال النائب أيّوب حميّد بعد خروجه من الاستشارات النيابية الملزمة.
في معلومات “أساس” أنّ حالة استياء كبيرة عبّر عنها الثنائي بعد تصويت الكتل لنوّاف سلام. فالرئيس نبيه برّي في اجتماعه مع رئيس الجمهورية عبّر عن استياء كبير قائلاً إنّ ما حصل “انقلاب على الاتفاق”. وهنا كان يقصد الاتّفاق الذي حصل قبل انتخاب عون في المفاوضات بين الرئيس برّي والوفد السعودي.
في معلومات “أساس” أنّ حالة استياء كبيرة عبّر عنها الثنائي بعد تصويت الكتل لنوّاف سلام
عون وسلام: سياسة اليد الممدودة
تبدو أجواء كلّ من الرئيسين، جوزف عون ونوّاف سلام، متشابهة في التعامل مع المرحلة المقبلة. في الأساس، كان عون قد تقصّد أن يبعث رسائل بعدم إرادته كسر أحد من القوى في لبنان. كرّر عون هذه الرسالة بعد خطاب القسم في تصريح نشره القصر دعا فيه “لعدم الاستقواء بالخارج على الداخل”.
بدورهم، قال مقرّبون من نوّاف سلام لـ”أساس” إنّ سلام يصل اليوم صباحاً إلى بيروت حاملاً سياسة اليد الممدودة لا منطق الغلبة، وهو بحسب معلومات “أساس” كان قد بعث رسائل منذ أربع وعشرين ساعة إلى الرئيس برّي بأن لا نيّة له لتحدّي أحد بل بناء الدولة.
نوّاف سلام: براغماتيّ تحاوريّ إصلاحيّ
يقول مقرّبون من رئيس الحكومة المكلّف نوّاف سلام إنّه معروف بصرامته الإدارية، براغماتيّ بالسياسة وصاحب طبيعة إصلاحية وتحاوريّة. قليلاً ما تراه تصادميّاً. استيعابيّ إلى أقصى الحدود. وهو يحبّ الجنوب الذي تربّى فيه مقاتلاً مع حركة “فتح”. يعرف خصوصية الجنوب كأهل الجنوب. وهو اجتماعي يبني السياسة على أسس اجتماعية. يرفض سياسة الإقصاء، ولن يعمل بها في مساره في تشكيل الحكومة. يوافق مع رئيس الجمهورية على أن لا ثلثَ معطّلاً في الحكومة بل كفاءات، وكلٌّ وفق اختصاصه. لا حصص وتقاسم مغانم.
مباركة سعوديّة
منذ أن أصبح طرح الاسم جدّيّاً للغاية، يقول مصدر سياسي إنّ المملكة العربية السعودية عبّرت عن مباركتها بشكل غير مباشر. فظهر ذلك في موقف الكتل السنّية التي كانت اعتقدت أنّ ميقاتي يحظى بالدعم الأكبر. وقفت الرياض على الحياد ولم تدعم ميقاتي. وكان ذلك خير دليل على أنّ الرياض لا تمانع وصول نوّاف سلام إلى رئاسة الحكومة.
هذا ما كان مفاجئاً أيضاً لكثيرين ممّن خبروا السياسة منذ نصف قرن. لكنّهم لم يشهدوا يوماً مثل هذا اليوم الذي يجمع رئيسين من خارج الطبقة السياسية التقليدية.
إقرأ أيضاً: جوزف عون والإعمار: إشراف دوليّ وتمويل عربيّ..
لمتابعة الكاتب على X: