سوريا تسبق لبنان إلى الحاضنة العربيّة

مدة القراءة 7 د

هل تسبق سوريا لبنان إلى الانضواء تحت الحاضنة العربية في سياق الجهد الدولي العربي لإخراج البلدين من العباءة الإيرانية وعدوانيّة إسرائيل؟

في لبنان ما زالت خطوات الانسجام مع المشهد الإقليمي الجديد متباطئة، بينما تتسارع في بلاد الشام. تحوم الشكوك حول قدرة الفرقاء اللبنانيين على اختيار رئيس للجمهورية وفق مواصفات المجتمع الدولي لإعادة تكوين السلطة واستعادة دينامية المؤسّسات. فالدول المعنيّة تعتبر الرئاسة حجر الزاوية في مسار طويل لنقل البلد من فوضى الهيمنة الإيرانية لعقود إلى حالة الانتظام. ومن هذا المنطلق اختارت دعم ترشيح قائد الجيش العماد جوزف عون.

 

سوريا لتكوين السلطة وفي لبنان تمسّكٌ بمكتسبات

بالمقابل تتسارع الخطى تحضيراً لانعقاد المؤتمر الوطني للحوار بين الفرقاء السوريين على الرغم من الصعوبات التي تفرضها موروثات النظام الأسدي. وتواكب دول عربية وغربية تفاصيل إعادة تكوين السلطة في سوريا، بموازاة الانفتاح المتبادل بين الإدارة الجديدة في دمشق وهذه الدول.

تواصل طهران نهج “الممانعة” والمعاندة إزاء التغييرات الجوهرية التي حصلت في سوريا ولبنان. المرشد علي خامنئي يحثّ “الشباب السوري” على طرد “المعتدين”. ويلقى ذلك صداه في إصرار “الحزب” على أنّ “المقاومة مستمرّة”، الأمر الذي لا ترجمة له سوى التمسّك بمكتسبات النفوذ على السلطة، التي حقّقها طوال عقدين مشحونة بقوّة السلاح. وهو يسعى إلى مواصلة هذا النفوذ في انتخابات الرئاسة، رافضاً الإقرار بالتغييرات التي تجرّده من فائض القوّة. ولذلك يعمل على الاحتفاظ بالسلاح خلافاً لما نصّ عليه اتّفاق وقف النار مع إسرائيل برعاية أميركية.

أمّا في سوريا، وعلى الرغم من كثرة الأسئلة في شأن مصيرها في ظلّ حكم “هيئة تحرير الشام”، فثمّة مؤشّرات واعدة. ومع أنّ البعض يخشى فشل نموذج أحمد الشرع بحلته الجديدة (بالانفصال عن فكر “القاعدة”)، فإنّ الدول العربية والغربية انخرطت جدّياً مع الحكّام الجدد.

تقول شخصيات سوريّة معنيّة بالمساعدات للبلد، وتقوم بزيارته في شكل متكرّر، إنّ المواطن العاديّ يميل إلى الصبر حيال تحسين أوضاعه

واشنطن تعتمد “الخطوة مقابل خطوة”

أخذ الحجّ الغربي والعربي إلى دمشق ينتج سياسات تساعدها على الانتقال التدريجي إلى دولة طبيعية في النظام العالمي. يسجّل ناشطون ومغتربون سوريون يعملون على ملفّ توفير المساعدات لنهوض بلاد الشام، جملة انطباعات:

– يحرص حكّام سوريا الجدد على تلقّف الانفتاح الغربي والعربي والمنظّمات الدولية حيالهم، بمقابلة ذلك بمزيد من الانفتاح والليونة إزاء المطلوب منهم، سواء كان ذلك في شأن إشراك الأقلّيات في النظام الجديد في دولة مدنية، أو ضمان الحرّيات السياسية والتعدّدية، وإشراك المرأة، وإخراج النفوذ الإيراني.

اعتمدت الولايات المتحدة سياسة الخطوة مقابل خطوة في شأن رفع العقوبات العديدة، سواء تلك التي تتناول رعاية الإرهاب أو قانون قيصر الذي يحظر التعاون مع الحكومة في سوريا. وكانت البداية مع منح استثناءات فوريّة حيال المساعدات الإنسانية مع وعد بتدفّقها بسلاسة، مقابل حلّ “هيئة تحرير الشام” الذي وعد به الشرع خلال مؤتمر الحوار. أعطت واشنطن إشارة بتسمية الحكومة المؤقّتة بـ”حكومة تصريف الأعمال” بدلاً من حكومة “الهيئة”. وتراقب مع الدول الأوروبية ما إذا كانت الأقلّيات، لا سيما المسيحية، ستخضع للتضييق من قبل الجهات الإسلامية المتشدّدة.

سوريا

– تجلّت مظاهر الانفتاح في عدم فرض الحجاب على النساء، وعدم الاعتراض على تقديم المطاعم المشروبات الروحية… يروى أنّه حين ارتاد الشرع نفسه مطعماً، ليلة دخوله دمشق (8 كانون الأول)، همّ صاحبه بإزالة زجاجات الخمر من الرفوف، فأبلغه أن لا داعي لذلك واكتفى بالجلوس مع صحبه في جهة أخرى من المطعم. وتمّ تعيين سيّدة مسيحية مديرة عامّة للمستشفيات اعتماداً على كفاءتها.

اللافت أنّ حكّام دمشق الجدد يصارحون بعض الجهات التي تُقبِل على بحث احتياجات سوريا، بطلب خبرتها

التّواضع… وأولويّة التّحالف مع الرّياض

– أسرعت الحكومة المؤقّتة في إرسال الوفود برئاسة وزير الخارجية أسعد الشيباني إلى دول عربية في مقدَّمها المملكة العربية السعودية. وثمّة معطيات تفيد بأنّ بعض القادة العرب يعمل على اقتراح عقد الاجتماع المقبل للجامعة العربية على مستوى وزراء الخارجية في دمشق. الهدف إعطاء دفع سياسي للاحتضان العربي للتغيير الحاصل ولأبعاده الجيوسياسية. وعلاوة على حديثها عن “شراكة استراتيجية” مع قطر، فإنّ قيادة “العمليات المشتركة” تشدّد على أنّها تتطلّع إلى “تحالف استراتيجي” مع المملكة العربية السعودية. يُنسب إلى هذه القيادة قولها إنّ التعاون مع الرياض يشكّل أولويّة، وإنّ الأخيرة كانت السبّاقة في تقديم الدعم.

– اللافت أنّ حكّام دمشق الجدد يصارحون بعض الجهات التي تُقبِل على بحث احتياجات سوريا، بطلب خبرتها، سواء السياسية أو الاقتصادية أو حتى الأمنيّة. يقولون: “نحن لا خبرة لدينا في إدارة الدولة، وأحياناً لا معرفة لدينا، ولذلك نطلب منكم المشورة وملاحظاتكم لنستفيد منها وسنأخذ بها”. كان ذلك محطّ إعجاب بعض من التقوا قيادة “إدارة العمليات العسكرية”، خصوصاً أنّها اقترنت بالاستعداد للاستماع إلى ما يعتبره الآخرون أخطاءً لتصحيحها.

شراكة دوليّة في التّحضير لمؤتمر الحوار

– انخرط القيّمون على التحضير لمؤتمر الحوار الوطني في نقاش مع خبراء أميركيين ودوليين من دول أوروبية وعربية، في صيغة الدعوات للمؤتمر، وفي شأن اللجان التي ستنبثق عنه في المرحلة الانتقالية، سواء حول صوغ الدستور الجديد والنظام المقبل، أو القوانين الأساسية والانتخابية وإعادة هيكلة الدولة.

– مع لجوء وزارة الدفاع إلى صيغة التسويات مع مناصري النظام السابق لمعالجة مسألة انتشار السلاح، بتسليمه للجيش الجديد، لم يخلُ الأمر من صدامات مع مناصرين للنظام السابق. فبعد انتهاء مهلة التسويات، وعلى الرغم من التزام “الهيئة” عدم الانتقام، لم يكن من بدّ أن يلجأ جيشها إلى اعتقال المتّهمين بارتكاب المجازر في حقّ السوريين الذين يطالب جمهور واسع منهم بمحاسبتهم.

يحرص حكّام سوريا الجدد على تلقّف الانفتاح الغربي والعربي والمنظّمات الدولية حيالهم، بمقابلة ذلك بمزيد من الانفتاح والليونة

المزاج الشّعبيّ والصّبر على الحكّام

في سوريا قوّة دفع داخلية تساعد على انتشالها من حالة التصحّر السياسي والانحياز التي أغرقها فيها بشار الأسد وقبله والده. ارتياح المزاج الشعبي العامّ بعد سقوط النظام يواكب التعاطي بعقلانية مع أهمّية سوريا في المعادلة الإقليمية.

التّسامح مع الحكومة المؤقّتة

تقول شخصيات سوريّة معنيّة بالمساعدات للبلد، وتقوم بزيارته في شكل متكرّر، إنّ المواطن العاديّ يميل إلى الصبر حيال تحسين أوضاعه الاجتماعية والاقتصادية. فرحة التخلّص من نظام الأسد تتيح التسامح مع الحكومة المؤقّتة. تنقل هذه الشخصيات عن المواطنين أنّهم مستعدّون للانتظار سنة أخرى كي تتحسّن التغذية بالكهرباء التي كانت الإدارة الأسدية تقنّنها. تسجّل هذه الشخصيات ملاحظاتها:

– تبيّن أنّ النظام السابق كان يتسبّب بشحّ الموادّ الغذائية عبر ما يسمّى البطاقة التموينية التي ابتدعتها جمعية لأسماء الأسد، لأنّ هدفه إلهاء السوريين بتحصيل يوميّاتهم. وحين فُتحت المستودعات تبيّن أنّها مليئة.

– المحكومون بالإعدام من قبل النظام السابق لأنّهم معارضون أو ممّن هم على صلة بهم، باتوا يتحرّكون بحرّية ويشاهَدون في المقاهي والشوارع.

– اختفت كلّياً أغاني التبجيل لآل الأسد، ورعب العائلات من التجنيد الإجباري، ورعب التجّار من دوريّات “الاستعلام الضريبي” التي كانت تقتادهم إلى السجن وتفرض عليهم دفع مبالغ هائلة بتهمة إخفائهم العملات الأجنبية. واختفت الرشوة اليومية وعلى الحواجز العسكرية.

إقرأ أيضاً: السّعوديّة تسحب لبنان من مستنقع الشّرق إلى أوروبا الجديدة

– مع تعميم الحزن على عشرات آلاف العائلات التي تبحث عن أبناء لها أخفتهم أجهزة النظام السابق، فإنّ اكتشاف بعض هذه العائلات أبناءها أفرحها إذا كانوا أحياء، وأراحها إذا ثبت موتهم، لأنّها عرفت مصيرهم، بدل الانتظار القاتل.

 

لمتابعة الكاتب على X:

@ChoucairWalid

مواضيع ذات صلة

التّاجر السّوريّ الجديد في الخليج العربيّ..

بعد وفاة الرئيس السوري الأسبق حافظ الأسد، اجتمع كلٌّ من الملك عبد الله بن عبد العزيز والرئيس حسني مبارك بالدكتور بشار الأسد في دمشق، وقال…

إعفوا عن السُّنّة كي يعفوا عنكم

ليست مصادفه أن يكون مطلب سُنَّة العراق اليوم إقرار قانون العفو العامّ متوازياً مع مطلب سُنّة لبنان إقرار قانون العفو العامّ أيضاً لإطلاق سراح الموقوفين…

العلاقات اللّبنانيّة – السّوريّة… مشقّة التاريخ والجغرافيا

لا ينفك لبنان يتحمّل مشقّة الجغرافيا. هي المشقّة لوجوده بين دولتين: إسرائيل التي لا يعترف بها، وسوريا التي لا تعترف به وطناً مستقلّاً، حتى عام…

سوريا الجديدة: نبوءة لم تتحقّق وسرّان كبيران

منذ الستّينيات تنبأ حنّا بطاطو الأستاذ يومها بالجامعة الأميركية ببيروت أنّ مشكلات داخلية كبرى ستحصل بالعراق لأسباب إثنية ودينية وجغرافية، فليس هناك شعب عراقي، وإنّما…