2024: 183 صراعاً مسلّحاً… وأميركا “الحَكَم”

مدة القراءة 6 د

سجّل المعهد العالمي للدراسات الاستراتيجية في لندن نشوب 183 صراعاً مسلّحاً في العالم خلال العام الماضي. وهو رقم يزيد على عدد الصراعات التي نشبت في الأعوام السابقة.

أكثر هذه الصراعات كان في إفريقيا، وخاصة على طول الخطّ الذي يمتدّ لمسافة 4,600 ميل من المحيط الأطلسي إلى البحر الأحمر. ففي دولة إفريقيا الوسطى وحدها قُتل في عام 2023 ما يعادل سدس السكّان. وربّما يتقدّم عليها الآن السودان، حيث تتواصل الحرب بين الجيش وقوات الدعم السريع بعد فشل (أو تفشيل) كلّ محاولات التسوية العربية والدولية لوقف إطلاق النار حتى الآن. وتتواصل الحرب الإسرائيلية على غزة التي أخذت أبعاداً إنسانية خطيرة من خلال التجويع واستهداف الأطفال (رجال الغد).

في حين تقترب عقارب ساعة الانفجار العالمي من منتصف الليل، يرنّ جرس الإنذار النووي في كلّ من أوكرانيا (وسط أوروبا) ، وتايوان (وسط آسيا).

سجّل المعهد العالمي للدراسات الاستراتيجية في لندن نشوب 183 صراعاً مسلّحاً في العالم خلال العام الماضي

ترامب: حلول في أوكرانيا وفلسطين

تقوم استراتيجية الرئيس الأميركي (القديم الجديد) دونالد ترامب على أساس تخطئة سياسة سلَفه الرئيس جو بايدن في رسم استراتيجية العلاقات الأميركية مع كلّ من الصين وروسيا. ويرى أنّ أكبر خطأ، بل خطيئة ارتكبها بايدن هي دفع موسكو وبكين إلى التحالف. في حين كان يفترض الالتزام بالدبلوماسية الناجحة التي اعتمدها الرئيس الأسبق ريتشارد نيكسون مع وزير خارجيّته في ذلك الوقت هنري كيسنجر بعزل الصين عن الاتحاد السوفيتي واستثمار صراعهما لاستدراج بكين إلى التعاون مع الولايات المتحدة وبالشروط الأميركية.

يرى الرئيس ترامب أنّ التعاون الروسي – الصيني العسكري ينعكس اليوم في أوكرانيا، وأنّ هذا الخطأ الاستراتيجي الذي ارتكبه بايدن يحتّم عليه التدخّل لإيجاد حلّ للحرب الأوكرانية بما يسمح مجدّداً للولايات المتحدة باعتلاء مقعد اللاعب الأوّل في لعبة الأمم بين أوروبا والشرق الأقصى على حدّ سواء.

في حسابات الرئيس الأميركي الجديد – القديم أيضاً فرض حلّ، لا تسوية وحسب، في الشرق الأوسط بين الدول العربية وإسرائيل (وليس بين السلطة الفلسطينية وإسرائيل فقط)، انطلاقاً من وقف إطلاق النار في غزة.

في حين تقترب عقارب ساعة الانفجار العالمي من منتصف الليل، يرنّ جرس الإنذار النووي في كلّ من أوكرانيا (وسط أوروبا) ، وتايوان (وسط آسيا)

تنطلق استراتيجية ترامب ممّا هو واقع. والواقع في أوكرانيا هو أنّ روسيا تحتلّ (أو تسترجع) القسم الشرقي منها. لذا حملُ كييف على الاعتراف بتبعية هذه المناطق لموسكو يشكّل البوّابة لحلّ يسمح بفتح أبواب حلف شمال الأطلسي أمام عضوية أوكرانيا. وهي الاستراتيجية التي اعتمدها ترامب في دورته الرئاسية الأولى عندما اعترف بالسيادة الإسرائيلية على مرتفعات الجولان المحتلّة، وأنّ القدس هي عاصمة إسرائيل، ناقلاً السفارة الأميركية إليها للمرّة الأولى منذ عام 1948.

إيران.. وتوسيع “الطّريق الإبراهيميّ”

تقوم استراتيجية الرئيس ترامب في الشرق الأوسط من جهة أولى على قاعدة استثمار عدم ثقة الدول العربية بمطامح إيران التوسّعية (اليمن، سورية، لبنان والعراق)، ومن جهة ثانية على توسيع “الطريق الإبراهيمي” لتشمل بقيّة الدول العربية تحقيقاً لتسوية شاملة مع إسرائيل تكون واشنطن وحدها (وليس المجتمع الدولي) ممسكة بناصيتها ومستثمرة لنتائجها على المدى البعيد.

تتطلّب هذه الاستراتيجية القيام بعمليات قطع وزرع مستبعدة أسلوب التسويات الترقيعية التي تحمل في طيّاتها بذور فشلها. من أجل ذلك يعتمد القوّة في التنفيذ، أو على الأقلّ التهديد بالقوّة. وقد ردّد ذلك في المواقف التي أعلنها، خاصة بعد تجديد انتخابه. وربّما العناصر التي اختارها للعمل في إدارته في البيت الأبيض تؤكّد هذه التوجّهات العامّة لاستراتيجيّته، وتؤكّد الأسلوب غير التقليدي وغير الدبلوماسي الذي يعتمده أساساً وحيداً للعمل.

تنطلق استراتيجية ترامب ممّا هو واقع. والواقع في أوكرانيا هو أنّ روسيا تحتلّ (أو تسترجع) القسم الشرقي منها

إفشال مصالحة الصّين بين إيران والسّعوديّة

يعتقد الرئيس ترامب أنّ من يمسك بمفاتيح الشرق الأوسط (من باب المندب حتى جبل طارق) ترجح كفّته في لعبة الأمم. ومن هنا أهمّية نجاح مشروع ترامب في الشرق الأوسط في صراعه المقبل مع الصين.

إنّ فكّ ارتباط الصين بالشرق الأوسط عن طريق تفشيل المصالحة السعودية – الإيرانية، وإعادة الاعتبار إلى الطريق الإبراهيمي المفتوح من جهة أولى، ووقف الحرب في أوكرانيا (التي تستنزف الاقتصاد الأوروبي والروسي معاً) من جهة ثانية، تجعل من الرئيس الأميركي اللاعب الأوّل في لعبة الأمم.

هل يتمكّن الرئيس ترامب وإدارته الجديدة من تحقيق هذه المتغيّرات والمكتسبات الاستراتيجية في لعبة الأمم؟

روسيا مستنزفة، وكذلك أوروبا، الأمر الذي يسهّل على الرئيس الأميركي تحقيق برنامجه الأوّل.

غير أنّ الصين ولّادة للإمكانات الحديثة والمتطوّرة التي تترافق مع طموحات وتطلّعات عالمية جديدة.

من هنا حرص الرئيس ترامب على إعادة فكّ الارتباط بين موسكو وبكين من جهة أولى، وبين إيران والعالم العربي من جهة ثانية، لاستفراد كلّ منهما وعزله عن التحالفات التي يستقوي بها.

يعتقد الرئيس ترامب أنّ من يمسك بمفاتيح الشرق الأوسط ترجح كفّته في لعبة الأمم. ومن هنا أهمّية نجاح مشروع ترامب في الشرق الأوسط في صراعه المقبل مع الصين

تحالف أوباما مع السُّنّة

في الأساس أعاد الرئيس الأميركي الأسبق باراك أوباما تركيب السياسة الأميركية في الشرق الأوسط على قاعدة محاربة الإرهاب، معتبراً أنّ الإرهاب سنّيّ: داعش، بن لادن، القاعدة.. وأنّ من المفيد التحالف مع إيران ضدّ السنّة. وهكذا قدّمت الولايات المتحدة العراق إلى إيران على طبق من فضّة، ثمّ أعطتها سورية الأسد ولبنان عبر “الحزب”. وفوق ذلك أعطتها الضوء الأخضر للمضيّ قدماً في برنامجها النووي على أساس أنّ إيران لا تنوي إنتاج قنبلة نووية، إلّا أنّها ستكون أكثر قدرة على تخويف الدول العربية. وهو التخويف الذي يدفع بهذه الدول إلى حضن الولايات المتحدة.

لم تنجح هذه المعادلة. ولم ينجح الرئيس بايدن في تصحيحها. الآن يحاول الرئيس الجديد ترامب العودة إلى دبلوماسية ما قبل الثنائي الديمقراطي أوباما – بايدن ليفرض دبلوماسيّته الجديدة. هذه دبلوماسية “الطريق الإبراهيمي” التي تؤدّي إلى تسوية سياسية عربية – إسرائيلية شاملة.

إقرأ أيضاً: 2024: بداية مشروع تتريك سوريا؟

من هنا السؤال: هل ينتقل مسرح الصراع العالمي في العام الجديد 2025 من أوروبا والشرق الأوسط إلى آسيا والشرق الأقصى؟

مواضيع ذات صلة

هذا هو الرّئيس!

رحم الله سجعان قزّي. أروع من رصّع صورة رئيس الجمهورية، حين وضعَ على لسان بشير الجميّل في خطاب أنطلياس الشهير في تشرين الثاني 1981، هذه…

جورج خوري: تقاطع المستعصين

صعد في الأيام الأخيرة المدير السابق للمخابرات والسفير السابق في الفاتيكان العميد جورج خوري كأحد الأسماء المرشّحة بقوّة لانتخابات الرئاسة. لم يكن في صدارتها في…

2025: ترامب العائد.. يربك أميركا والعالم

إنّه عام يشبه انتخابات أميركا الرئاسية، التي كلّ شيء فيها وارد. فقد شهد هذا العام أكبر عودة في التاريخ السياسي لرئيس بعدما وصل طالعه السياسي…

لبنان في حاجة إلى رئيس من “خارج الصندوق”

تغيّر الوضع الإقليمي ولم يتغيّر اللبنانيون بعد. ما زالت الطبقة السياسيّة ترفض أخذ العلم بالواقع الإقليمي الجديد الذي ولد من رحم “طوفان الأقصى”، وهو الهجوم…