2024: بداية مشروع تتريك سوريا؟

مدة القراءة 5 د

“أنقرة هي مفتاح دمشق اليوم”. هذه هي المحصّلة النهائية لاجتماع مطوّل تمّ الأسبوع الماضي بين مسؤولين أميركيين وإسرائيليين للتوصّل إلى كيفية مقاربة الحكم الجديد في دمشق… فهل نحن  أمام مشروع “تتريك” جديد في المنطقة، يحاول أن يطلّ برأسه من سوريا؟

الاجتماع بين الفريق الإسرائيلي والفريق الأميركي، سبق وصول الوفد الأميركي إلى دمشق للقاء القائد العامّ للنظام السوري، تمّ بناءً على طلب ووساطة وترتيب بين أنقرة وواشنطن.

جاءت الدعوة من “هيئة تحرير الشام” للقاء في القصر الجمهوري بدمشق. لكنّ الوفد الأميركي اعترض على المكان وأصرّ على أن يكون اللقاء في أحد الفنادق. وتأخّر اللقاء عن موعده أكثر من ساعة حتى يتمّ ترتيب الإجراءات الأمنيّة.

“أنقرة هي مفتاح دمشق اليوم”. هذه هي المحصّلة النهائية لاجتماع مطوّل تمّ الأسبوع الماضي بين مسؤولين أميركيين وإسرائيليين للتوصّل إلى كيفية مقاربة الحكم الجديد في دمشق

تعهّدات الشرع “الإقليمية”

في هذا اللقاء الذي وُصف بأنّه كان شبيهاً باختبار منح وظيفة جديدة، كما يحدث في اختبارات الوظائف الأميركية، أكّد الشرع عدّة تعهّدات، أهمّها:

  • تأكيد عدم التدخّل في شؤون كلّ جيران سوريا.
  • تأكيد عدم اللجوء إلى أيّ عمل عسكري ضدّ إسرائيل.
  • تأكيد عدم استخدام الأراضي أو المخازن أو الأفراد السوريين في نقل أو إيصال أيّ أسلحة برّاً أو بحراً أو جوّاً إلى الفصائل العراقية أو إلى الحزب في لبنان.
  • تأكيد إنهاء العلاقة الخاصّة بين الحكم الجديد في سوريا مع كلّ من إيران وروسيا.
  • تأكيد الرغبة السورية في فتح صفحة جديدة للتعاطي في كلّ المجالات مع الغرب بشكل عامّ، والولايات المتحدة بشكل خاصّ.
  • السعي إلى انطلاق كلّ إجراءات بناء المؤسّسات السياسية والحوار المنفتح على الجميع دون استبعاد أيّ من القوى أو التيّارات بهدف بناء نظام مدني قانوني يعتمد على دستور عصري لنظام ديمقراطي.

سبق هذا الاجتماع لقاء تمّ في دمشق بين مسؤولين أتراك وقطريين من أجل “تلقين” الجانب السوري المبادئ التي يستلزم التعهّد بها أمام الجانب الأميركي في اللقاء المرتقب.

لعب الجانب التركي 3 أدوار في هذه الأحداث:

  • “المحرّك” لهيئة تحرير الشام.
  • “الموجّه”.
  • “الضامن” لهم أمام الجانب الأميركي.

يوجد في تركيا أكثر من 3 ملايين لاجئ سوري تسعى أنقرة إلى عودتهم إلى بلادهم والحصول على جزء من كلفة إعادة تأهيلهم وإعمار منازلهم وقراهم

توسّع النفوذ التركي في الشرق

تقول مصادر خليجية إنّ عام 2025 هو عام الدور التركي الإقليمي بامتياز.

تدلّ المصادر على ذلك بقولها: انظروا أين يوجد النفوذ التركي الآن؟

تضيف: “تركيا ونفوذها وقوّاتها واقتصادها موجودة في كلّ من:

  • شمال سوريا.
  • وحدود العراق.
  • وطرابلس الغرب.
  • والصومال.
  • وجيبوتي.
  • وهناك تعاون أمنيّ مهمّ بين أنقرة والدوحة.
  • وهي أيضاً صاحبة أكبر عدد من القوّات البرّية بعد الولايات المتحدة في قوات الحلف الأطلسي.
  • وعلى أرضها تستضيف قاعدة إنجرليك.
  • وستكون في عام 2025 صاحبة السيادة الكاملة قانونياً (بعد مرور مئة سنة منذ 1925) على مضيق البوسفور والدردنيل”.

لا تخفى على المراقب الأهمّية الاستراتيجية الكبرى لسوريا في ترتيب المصالح التركية العليا للأسباب التالية:

  • كما يقولون: “الجغرافيا تصنع التاريخ”. لذلك يمكن القول إنّ الحدود المشتركة بين تركيا وسوريا، التي تبلغ 909 كلم وتمتدّ من غرب المتوسّط إلى نقطة الحدود الثلاثية مع العراق، ذات تأثير ضاغط على الطرفين.
  • يوجد في تركيا أكثر من 3 ملايين لاجئ سوري تسعى أنقرة إلى عودتهم إلى بلادهم والحصول على جزء من كلفة إعادة تأهيلهم وإعمار منازلهم وقراهم.
  • وجود تركيا بنفوذها وتأثيرها على نظام الحكم الجديد سوف يجعل بين يديها ورقة ضغط على إيران وورقة مساومة مع روسيا وورقة ابتزاز مع إسرائيل وورقة مقايضة مع الولايات المتحدة.
  • في إسرائيل قال لي أهمّ باحث إسرائيلي في العلاقات التركية – الإسرائيلية خاي إيتان كوهين إنّ سقوط نظام الأسد ووصول نظام “هيئة تحرير الشام” إلى السلطة سوف يجعلان من تركيا “دولة جارة سياسية بالأمر الواقع” لإسرائيل. على الرغم من عدم وجود حدود مشتركة.
  • سواحل سوريا الممتدّة على البحر المتوسط سوف توفّر وجوداً استراتيجياً تركيّاً في هذه المنطقة الساحلية الاستراتيجية التي تعتبر خزّان اكتشافات الغاز الذي حُرمت منه تركيا حتّى الآن.

وصل التهديد التركي لذروته حينما أقامت أنقرة في أوائل التسعينيات مجموعة من السدود على نهر الفرات لحجز القسم الأكبر من المياه السورية

أنقرة: الخلافة العثمانية الجديدة

سوف يحقّق الإشراف التركيّ السياسي على سلوك وسياسات هيئة تحرير الشام 3 نتائج غير مسبوقة:

  • أن يتمّ بالفعل تتريك النظام السوري الجديد.
  • أن تصبح أنقرة هي الخلافة العثمانية الجديدة.
  • أن يصبح إردوغان الخليفة العثماني الجديد لولاية سوريا بعد غياب الخلافة أكثر من قرن.

تاريخ العلاقات التركية – السورية هو تاريخ أطماع تركيا في السيطرة على الأراضي والمياه والحدود السورية.

وصلت هذه الأطماع إلى قيام تركيا بضمّ لواء الإسكندرون للسيادة التركية عام 1939، ولم تتخلّ عنه أو تفاوض حوله حتى اليوم.

وصل التهديد التركي لذروته حينما أقامت أنقرة في أوائل التسعينيات مجموعة من السدود على نهر الفرات لحجز القسم الأكبر من المياه السورية.

ينتظرون في أنقرة الآن أن تتّخذ دمشق موقفاً من حزب العمال الكردستاني الذي كان يحظى بالرعاية لأنّه لا يصحّ لحليف تابع أن يدعم عدوّ النظام التركي.

إقرأ أيضاً: الأردن: 5 أسباب للقلق “السّوريّ”

بهذا الولاء من قبل “هيئة تحرير الشام” للنظام السياسي والدور الأمنيّ التركيَّين المساندين لها، تصبح مسألة الضمّ السياسي تحصيل حاصل لمشروع تتريك سوريا… كي تصبح ولاية تركية تابعة للخلافة العثمانية الجديدة.

 

لمتابعة الكاتب على X:

@Adeeb_Emad

مواضيع ذات صلة

لبنان في حاجة إلى رئيس من “خارج الصندوق”

تغيّر الوضع الإقليمي ولم يتغيّر اللبنانيون بعد. ما زالت الطبقة السياسيّة ترفض أخذ العلم بالواقع الإقليمي الجديد الذي ولد من رحم “طوفان الأقصى”، وهو الهجوم…

جوزف عون: الاستثناء يصنع القاعدة

من الآن إلى 9 كانون الثاني، موعد الجلسة المفترض أنّها الأخيرة لانتخاب الرئيس، يدور معظم السجال من حول جوزف عون، كما لو أنّه المرشّح الوحيد……

تركيا – إيران: هل تتراجع طهران عن خطاياها؟

أبرزت الارتدادات التي تركتها متغيّرات المشهد السوري مزيج من التصعيد والاصطفافات المتباعدة في العلاقات التركية الإيرانية. دبلوماسية الجمع بين التعاون والتنافس باتت صعبة لأنّ توازنات…

الشّرق الأوسط الجديد: بين “مقصّ” نتنياهو و”ذكاء” إردوغان

كشف رئيس الحكومة الإسرائيلي بنيامين نتنياهو لأوّل مرّة في خطابه في 27 أيلول الفائت في الجمعية العامّة للأمم المتحدة عن رؤيته للشرق الأوسط الجديد، حين…