استدرج رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو قوى إقليمية ودولية إلى ملعبه “الأحبّ”، وهو مواجهة إيران، خصوصاً الولايات المتحدة الأميركية. منذ سنوات طويلة يطرح نتنياهو شعار “الحرب على إيران”، وسط تمنّع أميركي دائم لحسابات متعدّدة، خصوصاً أنّ واشنطن لا تريد الإخلال بتوازنات المنطقة، ولا تريد لأيّ طرف إقليمي أن يتقدّم على حساب إيران، إلّا إسرائيل. في وجهة النظر الأميركية الفعليّة والعميقة أنّ أيّ اهتزاز للنظام الإيراني ستكون تركيا أكثر المستفيدين منه، وهو ما لا تريده أميركا. لذلك تتمنّع عن القيام بأيّ مسعى لإسقاط النظام، لكن تبدو حريصة على تغيير سلوكه... وأمام إيران خياران لا ثالث لهما، ومجموعة شروط واضحة.
تقف إيران حالياً أمام خيارين:
- الأوّل هو مواصلة الحروب بالوكالة التي يمكنها أن تتحوّل إلى مواجهة مباشرة بينها وبين أميركا وإسرائيل، وهذا ما لا تريده إيران حتماً.
- والثاني هو ارتضاء التخلّي عن الكثير من المكتسبات والنفوذ في المنطقة. إذ يستشعر الإيرانيون مرارة كبيرة على ما فقدوه أيّام أوباما حين طرحت واشنطن مفاوضات حول ترتيبات الوضع في المنطقة ومناطق النفوذ الإيراني، لكنّ إيران رفضت وأرادت حصر المفاوضات في حينه بالملفّ النووي.
استدرج رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو قوى إقليمية ودولية إلى ملعبه “الأحبّ”، وهو مواجهة إيران، خصوصاً الولايات المتحدة الأميركية
بعدئذٍ تغيّر المسار وخسرت طهران الاتّفاق، وها هي تخسر مراكز قواها العسكرية والأمنيّة من فلسطين فلبنان إلى سوريا فالعراق. أمام هذه الوقائع تواصل طهران تواصلها مع الأميركيين، ولا سيما مع فريق عمل ترامب، وسط معلومات عن مفاوضات عقدت قبل أيام تسلّمت خلالها طهران الشروط الأميركية التالية:
- الالتزام الكامل بأن لا تغيّر إيران عقيدتها النووية ولا تتّجه إلى صناعة قنبلة.
- القبول بتفكيك دور حلفائها في مختلف دول المنطقة وإنهاء التنظيمات العسكرية.
- تحويل دور حلفاء إيران إلى المجالات السياسية حصراً.
- وقف سياسة دعائية تركّز على محاربة إسرائيل حتى زوالها.
- وقف سياسة العداء للولايات المتحدة الأميركية.
في المقابل ما تطالب به إيران هو عدم إسقاط النظام، والسماح لها باستخدام التكنولوجيا النووية لأغراض سلمية حصراً، ورفع العقوبات الاقتصادية عنها.
ما تطالب به إيران هو عدم إسقاط النظام، والسماح لها باستخدام التكنولوجيا النووية لأغراض سلمية حصراً، ورفع العقوبات الاقتصادية عنها
عقدان من الحروب والمفاوضات
خاضت إيران حروباً كثيرة بالوكالة ضدّ إسرائيل، وأميركا، منذ عقدين من الزمن. ومع كلّ حرب أو جولة جديدة، كانت تعقد جولات من المفاوضات في سبيل تعزيز وضعيّتها الإقليمية وبحثاً عن اتفاق نووي يرفع العقوبات عن طهران.
بعد حرب تموز عام 2006 أطلق الجمهوريون المفاوضات بفعّالية في ظلّ رئاسة جورج بوش الابن، وتعزّزت أكثر في عهد ولاية باراك أوباما الذي توّج اتّفاقه مع طهران بالانقلابات في العراق على إياد علاوي وفي لبنان على حكومة سعد الحريري، وهو ما تكرّس في سوريا بانقلاب أميركي على قوى المعارضة وعلى رغبتها في محاسبة النظام السوري ومعاقبته، بهدف إرضاء إيران في سبيل إبرام الاتفاق النووي معها.
خاضت إيران حروباً كثيرة بالوكالة ضدّ إسرائيل، وأميركا، منذ عقدين من الزمن. ومع كلّ حرب أو جولة جديدة، كانت تعقد جولات من المفاوضات في سبيل تعزيز وضعيّتها الإقليمية
أميركا عاندت مشروع نتنياهو
خرج الرئيس الجمهوري دونالد ترامب من مندرجات الاتّفاق النووي، واعتمد سياسة العقوبات القصوى على إيران، وهو ما لم يستطع الرئيس الديمقراطي جو بايدن العودة عنه، بالذهاب إلى اتفاق جديد، ولا استطاع الوصول إلى نتيجة في المفاوضات مع إيران. في هذا السياق جاءت عملية طوفان الأقصى التي فجّرت الوضع في المنطقة وتسبّبت بحرب إسرائيلية أرادها نتنياهو أن تكون على إيران وحلفائها في المنطقة. حاول نتنياهو كثيراً دفع الأميركيين إلى مواجهة طهران مباشرة وتوجيه ضربات لمشروعها النووي لتعطيله أو تأخيره. لكنّ الأميركيين رفضوا في مقابل حصول إسرائيل على ضوء أخضر لضرب حلفاء إيران وتقليم أظافرها في الإقليم، وذلك ضمن سياسة تضعها إسرائيل وأميركا لتغيير موازين القوى في الشرق الأوسط، وفتح مسارات جديدة عنوانها الاتفاقات الإبراهيمية، أي إضعاف إيران بشكل تستفيد منه الدول العربية وتظهير إسرائيل صاحبة الفضل في ذلك، على أن تدخل في المقابل باتفاقات سياسية واقتصادية واستثمارية.
إقرأ أيضاً: إيران والترويكا: حوار الوقت الضّائع
تلقّت طهران ضربات قاصمة من خلال إبعاد تأثيرها في الملف الفلسطيني عبر ضرب حركة حماس، وإضعاف درّة تاج مشروعها في المنطقة عبر ضرب “الحزب” في لبنان وتعطيله عسكرياً للحدّ من تأثيره في الموازين الإقليمية أو ضدّ إسرائيل، ونقل مشروع إضعاف إيران إلى سوريا من خلال الضغط على دمشق لقطع طرق الإمداد ولإخراج إيران من سوريا، وهو ما سينسحب لاحقاً على العراق.
يبرز هنا تكامل في الاستراتيجية الأميركية الثابتة التي لا تختلف في ظلّ إدارة الجمهوريين أو الديمقراطيين. وهو ما أيقنته طهران التي استبقت الانتخابات الأميركية ونتائجها بالدخول في مفاوضات مباشرة وغير مباشرة مع جهات أميركية متعدّدة، بما فيها فريق عمل دونالد ترامب.