تتوالى الخروقات الإسرائيلية للترتيبات الأمنيّة المرتبطة بتطبيق القرار 1701، جنوب الليطاني وشماله وصولاً إلى صيدا وبعلبك، إلى حدّ التهديد بنسف هدنة الـ60 يوماً. يحدث ذلك في ظلّ قرارٍ واضح من قيادة “الحزب”، بحسب المعطيات، بتسليم الجيش طوال هذه المدّة دفّة التعاطي مع هذه الخروقات، وتحميل الحكومة مسؤولية تقديم شكاوى في شأنها ومعالجتها دبلوماسياً.
فعليّاً، تتصرّف إسرائيل وكأنّها في طور تطبيق “اتفاق الإجهاز” على “الحزب” ومنعه من تنفيذ إعادة تموضع لمواقع سلاحه وذخيرته، كما ينصّ الاتفاق، والانسحاب من جنوب لبنان بالتزامن مع انسحاب عناصر المقاومة وترك مهمّة نزع السلاح للجيش اللبناني.
أحال وزير الدفاع موريس سليم، يوم الجمعة، إلى الأمانة العامّة لمجلس الوزراء مشروع مرسوم إعطاء وزارة الدفاع سلفة خزينة بقيمة 113 ملياراً و250 مليون ليرة لتغطية كلفة تطويع 1,500 عسكري في الجيش لمدّة ثلاثة أشهر بعد توقيعه يوم الأربعاء، ضمن سياق تعزيز انتشار الجيش في الجنوب تنفيذاً لقرار وقف إطلاق النار.
سبق ذلك تمنّع الوزير عن التوقيع بسبب تجاوز قائد الجيش والحكومة، برأيه، لصلاحيات وزير الدفاع بعدم اعتماد الأصول ومخالفة القوانين، متّهماً قائد الجيش من دون أن يسمّيه في بيانٍ أصدره “بالمبالغة بالاستئثار بالسلطة”.
آموس يتدخّل
وفق معلومات “أساس”، دخل الوسيط الأميركي آموس هوكستين خلال زيارته الأخيرة لبيروت مباشرة على خطّ حلّ أزمة التوقيع بعد لقائه الرئيس ميشال عون في الرابية في 20 تشرين الثاني الجاري، طالباً من رئيس الجمهورية السابق التوسّط مع وزير الدفاع للتوقيع.
سبق ذلك تمنّع الوزير عن التوقيع بسبب تجاوز قائد الجيش والحكومة، برأيه، لصلاحيات وزير الدفاع بعدم اعتماد الأصول ومخالفة القوانين
لا توقيع على تعيين رئيس المحكمة
في المقابل، عَلِم “أساس” أنّ وزير الدفاع يتمسّك بقراره رفض التوقيع على قرار تعيين العميد وسيم فياض رئيساً للمحكمة العسكرية مكان العميد خليل جابر الذي يحال إلى التقاعد في حزيران المقبل.
هناك وجهان لهذه الأزمة: رفض الثنائي الشيعي تفرّد قائد الجيش باختيار الاسم من دون استشارة “الحزب” أو الرئيس نبيه بري أو حتى “إعطاء علم وخبر”. من جهة ثانية رَفض وزير الدفاع تجاوزه مجدّداً من قبل قائد الجيش عبر اختياره الاسم من دون العودة إليه، فيما المحكمة العسكرية هي من المؤسّسات التابعة لوزارة الدفاع لا لقيادة الجيش.
اتّفاق “الانتهاكات”!
هذه الجلبة الداخلية حيال التطويع وكلفته وشؤون المؤسّسة العسكرية “تذوب” في صحن “اتّفاق الهدنة” الذي يتعرّض يوميّاً لكمّ من الانتهاكات الإسرائيلية الفاضحة التي استمرّت أمس، ولليوم الخامس على التوالي، من خلال قصف أهدافٍ عسكرية، كما يقول العدوّ، وتحليق المسيّرات والمقاتلات الحربية واستخدام المدفعيّة وتفجير المنازل وتحذير أهالي القرى من العودة أو الانتقال إلى جنوب الليطاني. فيما تؤكّد بيانات جيش العدوّ أنّه “منتشر في جنوب لبنان ويعمل ضدّ كلّ تهديد وسيرفض كلّ خرق لتفاهم وقف إطلاق النار”.
وفق مصادر مطّلعة لـ”أساس”، فإنّ الجانب الإسرائيلي أبلغ الأميركيين صراحة، قبل إعلان الاتفاق، بأنّه سيكمل مهمّته، وأنّ أيّ محاولة من جانب “الحزب” لسحب سلاحه، أو إخفائه، أو تنفيذ مناورة تبقي السلاح قائماً، بمعزل عن عملية تسليم هذا السلاح للجيش، ستُواجه على الفور، وسيكون عناصر “الحزب” كلّ هذه الفترة أهدافاً مرصودة من جانب الإسرائيليين.
تتحدّث المصادر عن “وقوع الحزب بين فكّي كمّاشة عبر الاستمرار في استهدافه إسرائيلياً في لبنان، لكن تحت سقف وقف إطلاق النار أمام مرأى واشنطن وباريس والحكومة اللبنانية والجيش، وبين ما يحدث على أرض حلب وحماة والضغط على الرئيس السوري بشار الأسد وقطع طرق الإمداد بالسلاح عبر الأراضي السورية والقصف المستمرّ للمعابر الحدودية بين لبنان وسوريا”.
وفق معلومات “أساس”، دخل الوسيط الأميركي آموس هوكستين خلال زيارته الأخيرة لبيروت مباشرة على خطّ حلّ أزمة التوقيع
“الأمر” للعدوّ!
في المعطيات، يبدو القرار الإسرائيلي واضحاً لجهة “تنظيف” جنوب الليطاني، وخارجه، من الوجود المسلّح ضمن مهلة الـ60 يوماً، بغضّ النظر عن جهوزية الجيش للقيام بدوره المطلوب في مواكبة انسحاب قوى الطرفين، أو انتظار تعيين الضابطين الفرنسي واللبناني ضمن اللجنة التقنيّة العسكرية المواكبة والمراقبة لتنفيذ القرار.
هذا مع العلم أنّ قائد الجيش عقد الاجتماع الأوّل مع رئيس اللجنة الضابط الأميركي غاسبر جيفرز يوم الجمعة، وتباحثا في آليّة التنسيق وانتشار الجيش والشكوى من الخروقات ودور اللجنة لاحقاً في متابعتها.
هنا تؤكّد معطيات “أساس” وجود تململ كبير لدى قيادة الجيش من عدم تمتين اتفاق وقف إطلاق النار سياسياً، وترك الجيش يتفرّج على خروقات لا يستطيع صدّها. وهو يُحاذر في الوقت نفسه من الدخول في اشتباكات بأيّ مرحلة من مراحل اتفاق وقف النار مع “الحزب” أو الأهالي الذين سمعوا الرئيس نبيه بري يدعوهم في اليوم الأوّل إلى العودة إلى قراهم التي كان بعضها لا يزال تحت السيطرة الإسرائيلية.
الأفظع أنّ الإسرائيلي يتمدّد ولا ينسحب، فيما لا يستطيع الجيش ممارسة الدور المطلوب منه في ظلّ حالة الاحتلال المستمرّة، وضبّاطه يعيشون مرحلة إرباك حقيقية.
مخالفات بالجملة
حتى الآن خالف العدوّ الإسرائيلي البنود 2 و3 و7 و9 و12 من اتفاق وقف الأعمال العدائية، مع العلم أنّ البندين 7 و12 في ترتيبات القرار 1701 يفصّلان مهامّ الجيش لجهة مراقبة ومنع أيّ دخول غير مرخّص للأسلحة، بما في ذلك المعابر الحدودية، وتفكيك المنشآت غير المرخّصة، وتفكيك البنى التحتية والمواقع العسكرية، ومصادرة الأسلحة غير المرخّصة. لغاية الآن “الإمرة” هي لإسرائيل في “مطاردة” الحزب وسلاحه وعناصره، فيما يستكمل الجيش تمركز عناصره جنوب الليطاني المعزّزين بفوج التدخّل الثاني وسريّتين من فوج المغاوير وضبّاط وعسكريين من فوج الأشغال وفوج الهندسة.
تؤكّد معطيات “أساس” وجود تململ كبير لدى قيادة الجيش من عدم تمتين اتفاق وقف إطلاق النار سياسياً
كما أصدر الجيش خلال خمسة أيّام من الخروقات بياناً واحداً عن هذه الخروقات “ومتابعتها مع المراجع المختصّة”، وتحدّث عن فتح الطرقات، وإقامة الحواجز الظرفية، وتفجير الذخائر لمواكبة عودة النازحين، والتحذير من عدم الاقتراب من المناطق التي يوجد فيها العدوّ.
جلسة من دون خطّة!
بالتزامن مع الاستباحة الإسرائيلية للاتّفاق، ينعقد مجلس الوزراء يوم الخميس، على الأرجح، وعلى جدول أعماله 48 بنداً على رأسها إصدار القوانين التي أقرّها مجلس النواب في جلسة 28 تشرين الثاني، ومنها قانون التمديد لقادة الأجهزة الأمنيّة والعمداء، إضافة إلى إصدار مراسيم الترقيات في كلّ الأجهزة الأمنيّة والعسكرية.
حتى الآن لم يتمّ التأكّد بعد من حضور قائد الجيش للمرّة الثانية لعرض خطّة انتشار الجيش جنوب الليطاني، وذلك بعدما اعترض عدّة وزراء في الجلسة السابقة بسبب عدم استفاضة العماد عون في شرحها بشكل وافٍ، وتأكيد وزير الدفاع أنّه لم يطّلع عليها مسبقاً.
إقرأ أيضاً: “التمديد” يوصِل إلى الجنوب وليس بعبدا
كما علم “أساس” أنّ تعيين الضابط اللبناني في اللجنة المشرفة على تطبيق ترتيبات القرار 1701 لا يحتاج إلى موافقة أو قرار من مجلس الوزراء، بل أخذ العلم فقط. لكن في حال تعيين قائد قطاع جنوب الليطاني العميد إدغار لاوندس ممثّل لبنان في اللجنة العسكرية، فيقتضي الأمر موافقة مجلس الوزراء على الاسم الذي تقترحه قيادة الجيش لشغل موقع قيادة جنوب الليطاني.
لمتابعة الكاتب على X: