وسط أمواج مُتلاطمة وتحدّيات ضخمة آنيّة ومستقبلية تواجه المنطقة، تنعقد القمّة الخامسة والأربعون لقادة دول مجلس التعاون الخليجي بالكويت في أول أيام شهر كانون الثاني المقبل، بجدول أعمال حافل بالملفّات المرتبطة بمسار التعاون الجماعي بين دول المجلس الستّ، والقضايا الإقليمية من العدوان الإسرائيلي على غزة ولبنان وصولاً إلى التعامل مع إيران، ومستقبل العلاقات والتعاون مع القوى الكبرى، خصوصاً الولايات المتحدة والصين وروسيا والاتّحاد الأوروبي.
تحت عنوان “المستقبل خليجيّ”، تستضيف الكويت القمّة الخليجية للمرّة السابعة منذ تأسيس مجلس التعاون في عام 1981، بعدما استضافتها 6 مرّات في السابق: 1984 – 1991 – 2003 – 2009 – 2013 – 2017.
القمّة هي الأولى في الكويت منذ 7 سنوات، وهي السابعة التي تستضيفها الكويت خلال 43 عاماً من عمر المجلس، ويمكن الحديث عن 7 ملفّات رئيسية على جدول أعمالها، في مقدَّمها تعزيز قوّة الكيان الخليجي الذي يعتبر بمنزلة عمود خيمة الاستقرار في المنطقة، وهذا ما ثبت جليّاً في القمّة الأخيرة التي استضافتها السعودية لحشد الدعم العالمي للقضية الفلسطينية وبذل كلّ الجهود الممكنة لوقف العدوان على الشعبين الفلسطيني واللبناني، بعد حوالي شهر من أوّل اجتماع لـ”التحالف الدولي لدعم حلّ الدولتين” بقيادة المملكة أيضاً.
ما بين التعاون الجماعي على مختلف المستويات الاقتصادية والتنموية والسياسية والاجتماعية والثقافية، وتوحيد الرؤى في ما يتعلّق بالتحدّيات الإقليمية، تتلخّص الملفّات السبعة في ما يلي:
تنعقد القمّة الخامسة والأربعون لقادة دول مجلس التعاون الخليجي بالكويت في أول أيام شهر كانون الثاني المقبل
1- الأمن الإقليميّ: العلاقة مع السّعوديّة أوّلاً
يعدّ أمن منطقة الخليج الملفّ الأوّل والأكثر أهمّية وحساسية في صلب المناقشات، خاصة في ما يتعلّق بضمان أمن الملاحة في مضيق هرمز الذي يعدّ شرياناً رئيساً لإمدادات النفط، وأيضاً في البحر الأحمر الذي بات أشبه بمنطقة عسكرية نتيجة الهجمات الحوثية المتواصلة على السفن.
من المتوقّع أن تأخذ العلاقات مع إيران حيّزاً مهمّاً في النقاشات، خاصة أنّها تمرّ بمرحلة “اختبار” في انتظار اقتران الأقوال بالأفعال، لأنّ الواقع لم يتغيّر بعد على الرغم من المؤشّرات الإيجابية المتعدّدة، التي كان آخرها حديث نائب الرئيس الإيراني محمد رضا عارف بعد لقائه وليّ العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، على هامش القمّة العربية – الإسلامية في الرياض، عن أنّ تعزيز العلاقات مع السعودية “أمر لا رجعة عنه”، وأنّ تعميق تلك العلاقات “سيشمل التعاون الإقليمي”.
تنتظر دول الخليج من إيران تغييرات كبرى في العديد من الملفّات الثنائية، مثل حقل الدُرّة للغاز المشترك بين الكويت والسعودية الذي تطالب إيران بحصّة فيه، ووقف التدخّلات في شؤون دول مجلس التعاون، والكفّ عن دعم الميليشيات في المنطقة.
لكن يبدو أنّ المحكّ الأساس الذي سيُبنى عليه المقتضى هو سلوك إيران في لبنان وسورية والعراق لجهة التخلّي تماماً عن دعم المجموعات المسلّحة غير النظامية، ووقف مساعي الهيمنة، والتخلّي عن أوهام “التمدّد الإمبراطوري”.
تحت عنوان “المستقبل خليجيّ”، تستضيف الكويت القمّة الخليجية للمرّة السابعة منذ تأسيس مجلس التعاون في عام 1981، بعدما استضافتها 6 مرّات في السابق
2- التّعاون الاقتصاديّ: انخفاض أسعار النّفط
يلي الأمن الإقليمي ملفّ التعاون الاقتصادي، الجماعي والثنائي، لا سيما في ظلّ عدم الاستقرار الاقتصادي، والتوقّعات لاحتمال انخفاض أسعار النفط في الأشهر المقبلة، مع تولّي إدارة الرئيس الأميركي الجديد دونالد ترامب في نهاية شهر كانون الثاني المقبل.
لذا تسعى دول المجلس إلى الاستفادة من الفرص الاقتصادية المتاحة من خلال تعزيز التجارة البينية وإلغاء العوائق أمام حرّية حركة رأس المال وتنمية المشاريع المشتركة في الطاقة المتجدّدة والسياحة والصناعة وغيرها من المجالات الحيويّة.
3- التّكامل الخليجيّ: الرؤى المستقبليّة
يعدّ التكامل بين دول المجلس هدفاً استراتيجياً طويل الأمد، ويتوقّع أن يحظى بحيّز مهمّ في القمّة، مع بروز تعاون مشترك في الفترة الأخيرة للتنسيق بين الرؤى التنموية الاستراتيجية لدول المجلس: رؤية السعودية 2030، رؤية قطر 2030، رؤية كويت جديدة 2035، رؤية نحن الإمارات 2031، رؤية البحرين الاقتصادية 2030، رؤية عُمان 2040، التي تهدف إلى تطوير اقتصادات الدول بما يحقّق الاستدامة في المستقبل بعيداً عن الاعتماد على النفط.
تنتظر دول الخليج من إيران تغييرات كبرى في العديد من الملفّات الثنائية، مثل حقل الدُرّة للغاز المشترك بين الكويت والسعودية
4- الأزمات الإقليميّة: إعمار غزّة ولبنان
بالانتقال إلى الأزمات والحروب في المنطقة، سيناقش القادة الخليجيون سبل تعزيز الضغوط على إسرائيل لوقف حرب الإبادة في غزة ولبنان، لا سيما في ظلّ العلاقات الوطيدة التي تربط ترامب بالعديد من القادة الخليجيين.
يدرك الجميع أنّ دول الخليج هي الرافعة لإعادة الإعمار بعد أن تضع الحروب أوزارها، لكن هذه المرة تبدو مختلفة تماماً عن سابقاتها.
في هذا السياق، كشفت مصادر دبلوماسية كويتية لـ”أساس” أنّ دول الخليج حدّدت متطلّبات إلزامية في غزة ولبنان للمشاركة في إعادة الإعمار، أبرزها وضع مسار واضح لحلّ الدولتين في فلسطين بما ينهي “دوريّة الحروب والدمار”، وإعادة الاعتبار للدولة واتّفاق الطائف في لبنان بما يعنيه ذلك من إنهاء الحالة الشاذّة للسلاح غير الشرعي والابتعاد تماماً عن “المحور الإيراني” من أجل الانخراط في “المحور العربي”، مع الالتزام التامّ وبلا مواربة بالقرارات الدولية لضمان استدامة الاستقرار.
5- العلاقات مع أميركا: قوّة الثّبات
لا توجد أوهام في الخليج بأنّ “ترامب الثاني” (2024 – 2028) سيكون أكثر لطافة من “ترامب الأوّل” (2016 – 2020). لكنّ ما هو واضح أنّ الثاني أكثر خبرة من الأوّل في التعاطي مع الملفّات الشائكة، خصوصاً الشرق الأوسط.
يرجّح أن تبحث القمّة كيفية الاستفادة من تقاطع المصالح مع إدارة ترامب في الرغبة المشتركة بإرساء الاستقرار في الشرق الأوسط وإنهاء الحروب، والتي من خلالها يمكن البناء على تفاهمات مستقبلية، لكن من دون رهانات كبرى.
يدرك الجميع أنّ دول الخليج هي الرافعة لإعادة الإعمار بعد أن تضع الحروب أوزارها، لكن هذه المرة تبدو مختلفة تماماً عن سابقاتها.
تبقى العلاقات الخليجية – الأميركية ثابتة في قوّتها، أيّاً كان اسم الرئيس، ومهما علا الضجيج في الإعلام.
6- العلاقات مع الصّين وروسيا والأوروبيّ
من الملفّات المهمّة أيضاً مناقشة كيفية البناء على نتائج القمّة الخليجية – الأوروبية الأولى التي عقدت في بروكسل الشهر الماضي، والتي نقلت العلاقات بين الكيانين الكبيرين إلى مستوى الشراكة الاستراتيجية.
من المرجّح استمرار دول الخليج في علاقاتها الوثيقة مع الصين وروسيا التي شهدت قفزات نوعية في السنوات القليلة الماضية، عكستها صفقات تبادل الأسرى بين روسيا وأوكرانيا بوساطات سعودية وإماراتية، والاتّفاق السعودي – الإيراني الذي توسّطت فيه الصين وكان نقطة الانطلاق للتحوّل في علاقات الجارين الكبيرين.
إقرأ أيضاً: الكويت: تأكيد الهوية الوطنية لأهلها فقط..
7- الاستثمار في المستقبل
يبقى التحوّل الرقمي والتكنولوجيا الحديثة من الملفّات التي ستأخذ حيّزاً كبيراً في القمّة. ومع تزايد الاعتماد على التكنولوجيا، والابتكار في مختلف القطاعات، من المتوقّع أن تُناقش القمّة سبل تعزيز التعاون الخليجي في مجالات الذكاء الاصطناعي، والأمن السيبراني، والاقتصاد الرقمي، خاصة أنّ الدول الخليجية تعمل على تسريع التحوّل الرقمي وتعزيز البنية التحتية التكنولوجية، وتبادل المعرفة والخبرات، وبناء الشراكات العالمية.