توجّه مسؤول وحدة الإعلام في الحزب الحاج محمد عفيف ظهر يوم الأحد الماضي برفقة عدد من مساعديه إلى مقرّ حزب البعث في منطقة رأس النبع في بيروت لمتابعة بعض الأمور العملية. قبل ذلك بحوالي ساعة كنت أتواصل معه عبر هاتفه من خلال الواتساب. كان يتلقّى الرسائل بشكل اعتيادي. لكنّ العدوّ الإسرائيلي الذي كان يراقبه ويتابع نشاطاته، انتهز لحظة وصوله إلى المركز ووجّه صواريخه القاتلة له ولمرافقيه… فماذا يعني اغتياله في السياسة والأمن وبالنسبة إلى الحزب؟
رسائل عديدة تلقّاها الحزب وحزب البعث وأهالي بيروت والحكومة اللبنانية ورئيس مجلس النواب نبيه بري باغتيال مسؤول العلاقات الإعلامية في الحزب محمد عفيف في قلب بيروت.
أبرز هذه الرسائل أن لا ضوابط ولا خطوط حمر أمام الجيش الإسرائيلي. فقد تابع العدوّ اعتداءاته عبر استهداف محلّ لأجهزة الكمبيوتر في منطقة كركول الدروز في بيروت، بحجّة استهداف كادر في المقاومة، على الرغم من نفي أقرباء الشهيد من آل ماضي أيّ علاقة له بالحزب.
لكن من الواضح أنّ اغتيال عفيف هو ردّ واضح من قبل العدوّ على ما كان يقوم به من عمل إعلامي لتظهير مواقف المقاومة. وهو الذي لم يكن يخاف الموت وكان يتحرّك علناً في بيروت وضاحيتها الجنوبية.
رسائل عديدة تلقّاها الحزب وحزب البعث وأهالي بيروت والحكومة اللبنانية ورئيس مجلس النواب نبيه بري باغتيال مسؤول العلاقات الإعلامية في الحزب محمد عفيف
السّيرة والمصير: بين العراق والسّعوديّة
تعرّفت على الشهيد الحاج محمد عفيف في منزل والده الراحل العلامة الشيخ عفيف النابلسي في بداية الثمانينيات في بلدة البيسارية، حيث كنت أزور والده في إطار متابعة أمور مجلّة “المنطلق” التي كان يصدرها “الاتحاد اللبناني للطلبة المسلمين”، مع العلم أنّ الحاج محمد عفيف ولد في العراق حيث كان والده يتابع الدراسة الدينية في النجف الأشرف. وتلقّى علومه هناك. لكنّه انتقل إلى المملكة العربية السعودية بمنحة خاصّة لطلاب أوفدهم الإمام موسى الصدر لدراسة الهندسة .
لكنّه، بدل العمل في الهندسة، انتقل إلى العمل الإعلامي بتشجيع من العلّامة السيّد عباس الموسوي في بدايات تأسيس الحزب. إذ كان يتابع الأمور الإعلامية خلال تولّي السيد الموسوي مسؤولية العمل المقاوم في الجنوب قبل تولّيه الأمانة العامّة للحزب. وكانت تعقد الاجتماعات في منزل أهله في البيسارية قبل أن ينتقل والده الشيخ عفيف النابلسي إلى مدينة صيدا حيث أقام مجمع الزهراء (عليها السلام).
بدل العمل في الهندسة، انتقل إلى العمل الإعلامي بتشجيع من العلّامة السيّد عباس الموسوي في بدايات تأسيس الحزب
… إلى مجلس التّخطيط
أصبح الحاج محمد عفيف عضواً في مجلس التخطيط الإعلامي في الحزب في بداية التسعينيات خلال تولّي السيّد عباس مهمّة الأمانة العامّة للحزب. ثمّ عمل في قناة “المنار” حيث كان يتولّى إدارة الأخبار والبرامج السياسية. ثمّ تولّى إدارة “المنار” وصولاً إلى مسؤوليّته عن “وحدة الإعلام المركزي”، ثمّ بات مستشاراً إعلاميّاً لسماحة الأمين العامّ الراحل.
نجح الحاج محمد عفيف في إقامة العلاقات مع الإعلاميين والصحافيين، حتّى من مختلف الاتّجاهات. وكان حريصاً على الحوار مع الجميع، حتى مع من كان يختلف معهم في الرأي والسياسة .
كان آخر لقاء معه في خلال “اللقاء الوطني الإعلامي” يوم الإثنين في 11 تشرين الثاني الجاري في بيروت، بعدما شارك في مؤتمر صحافي لمناسبة يوم الشهيد في مجمع سيّد الشهداء في ضاحية بيروت الجنوبية. وكان حينها مطمئنّاً للانتصار، وزوّدنا بالمعلومات والمعطيات عن وضع الحزب وأدائه الميداني والسياسي .
أصبح الحاج محمد عفيف عضواً في مجلس التخطيط الإعلامي في الحزب في بداية التسعينيات خلال تولّي السيّد عباس مهمّة الأمانة العامّة للحزب
هل طلب الشّهادة؟
منذ استشهاد السيّد نصرالله، في 27 أيلول الماضي، كان يلاحظ كلّ من يلتقي الحاج محمد عفيف أو يتواصل معه أنّه لم يعد يبالي بالمخاطر الأمنيّة. فقد كان شجاعاً، يعقد المؤتمرات الصحافية في قلب ضاحية بيروت الجنوبية، خصوصاً في يوم الشهيد. وكان يجيب على الرسائل التي يرسلها إليه الإعلاميون عبر الواتساب. وفي اللقاء الأخير معه كان يشعر من يستمع إليه أنّه يعيش “روحية” السيّد نصرالله والسيّد هاشم صفي الدين وبقيّة الشهداء، كأنّه كان يبحث عن الشهادة ويطلبها ولا يخاف من الموت .
نال الحاج ما أراد. فهو كان قد أوصى أخوته بتجهيز قبر له إلى جانب قبر والده في صيدا. ودفن هناك.
إقرأ أيضاً: خشية غربيّة من جولة تصعيد جديدة