تواجه أجواء التفاؤل بالتوصّل إلى وقف النار بين إسرائيل ولبنان أسئلة حول فرص نجاح الموفد الرئاسي الأميركي آموس هوكستين بالمهمّة. ومع اعتقاد البعض بأنّ المحاولة أكثر سهولة من وقف حرب غزة، فإنّ إصرار كثرٍ على استرجاع الخيبات هناك يعزّز الشكوك.
ينظر المتشكّكون في إمكان نجاح المحاولة في لبنان إلى العديد من العوامل المتعلّقة بحقيقة نوايا إسرائيل، واستعدادات إيران، وحقيقة الدور الأميركي. فوقف المقتلة المجنونة لبنانياً اختبار لما يمكن أن تؤول إليه العلاقة الأميركية الإيرانية، وكذلك علاقة بنيامين نتنياهو بالرئيس دونالد ترامب.
هل يكفي الاستناد إلى قول ترامب إنّه يريد دخول البيت الأبيض في 20 كانون الثاني المقبل، والحرب قد توقّفت؟
من يستطيع الجزم بأنّ إسرائيل استنفدت الأهداف الميدانية – السياسية لحملتها العسكرية ولم يعد لديها ما تنجزه وباتت تميل لوقف الحرب؟
وهل حصلت طهران على إشارات من واشنطن بأنّ الضغوط عليها ستتراجع مقابل إبدائها حسن النيّة بتسهيل حصول اتفاق في لبنان؟
وإذا صحّ أنّها تفصل وقف الحرب لبنانياً عن وقفها في غزة، فكيف ستتصدّى للنوايا الغربية – الإسرائيلية بإنهاء الدور العسكري للحزب؟
تواجه أجواء التفاؤل بالتوصّل إلى وقف النار بين إسرائيل ولبنان أسئلة حول فرص نجاح الموفد الرئاسي الأميركي آموس هوكستين بالمهمّة
من مقدّمات الفشل: زوال الضّغط الأميركيّ
في الردّ اللبناني على النقاط الـ13 التي صاغها هوكستين، نجد مطالبة بتوضيحات حول آليّة تنفيذ بعض البنود الغامضة الصياغة. هذا من دون الحديث عمّا سيطرح الجانب الإسرائيلي من ملاحظات ومطالب حين يزور هوكستين تل أبيب غداً.
المقدّمات تشي بالنتائج:
– التجارب تفيد بأنّ تقصّد الغموض حول بنود أيّ اتفاق يعني توقّع أجوبة معترضة من أحد فرقائه، فيتأخّر بتّه. وفي أثناء البحث عن صياغات أخرى يشتعل الميدان ويتصاعد اللهيب والقتل.
هذا ما حصل مع أكثر من عشر بروفات في شأن غزة، على مدى 13 شهراً، من تغطية الإبادة بمسرحية التفاوض. والهدنة اليتيمة بين إسرائيل وحماس قبل سنة أدّت إلى الإفراج عن الرهائن الإسرائيليين وأسرى فلسطينيين ومهّدت لتعميق حرب الإبادة.
مع اعتقاد البعض بأنّ المحاولة أكثر سهولة من وقف حرب غزة، فإنّ إصرار كثرٍ على استرجاع الخيبات هناك يعزّز الشكوك
بلينكن انقلب على تحذير تل أبيب
– من المقدّمات لاحتمال فشل محاولة هوكستين أنّ إدارة الرئيس جو بايدن ما زالت تمارس ألاعيب المناورة نفسها. أحدثها وأكثرها انكشافاً حول غزة خديعة الرسالة التحذيرية التي بعث بها وزير الخارجية “الباهت” أنتوني بلينكن مع زميله وزير الدفاع لويد أوستن إلى إسرائيل في 15 تشرين الأول الماضي. فالرسالة أمهلت إسرائيل شهراً من أجل تحسين إدخال المساعدات الإنسانية إلى غزة، تحت طائلة تطبيق القانون الأميركي بوقف تزويدها بالسلاح إذا لم تلتزم. انتهت المهلة مع تزايد المحنة الإنسانية في القطاع، ومنع الجيش الإسرائيلي دخول المساعدات بشهادة منظمات الأمم المتحدة. لكنّ بلينكن اعتبر بلسان المتحدّث باسم وزارته، بعد اجتماعه بوزير الشؤون الاستراتيجية رون ديرمر الأسبوع الماضي، أنّ “الولايات المتحدة لم تتوصّل في الوقت الراهن إلى تقويم يفيد بأنّ إسرائيل انتهكت القانون الأميركي، بعدما أجرت بعض التغييرات لتلبية المطالب الواردة في رسالة واشنطن”.
أزال بلينكن بتبرئته نتنياهو من حجز المساعدات الإنسانية، مخاوف الأوّل من أن تمرّر واشنطن قراراً في مجلس الأمن بوقف فوري للنار في غزة ولبنان. وهي المخاوف التي استند إليها بعض المتفائلين بأن يلجأ رئيس الوزراء الإسرائيلي إلى استباق أيّ قرار من مجلس الأمن باتفاق على وقف النار في لبنان تجنّباً لصفعة يتلقّاها من واشنطن. وبالتالي لم يعد الحافز لوقف الحرب في لبنان قائماً. كما أنّ افتراض العسكريين الإسرائيليين أنّ وقف النار في لبنان قد ينهي جبهة إسناد الحزب لغزة، في شكل يحمل الأخيرة على خفض شروطها للإفراج عن رهائن إسرائيليين لا يعود قائماً في هذه الحال، فنتنياهو ما زال على استخفافه بتحرير الرهائن أساساً.
من المقدّمات لاحتمال فشل محاولة هوكستين أنّ إدارة الرئيس جو بايدن ما زالت تمارس ألاعيب المناورة نفسها
– تبرير الاستعداد الإسرائيلي لاتفاق في لبنان إرضاءً لترامب قبل تسلّمه مهمّاته، لا يلغي التقديرات أنّ نتنياهو لن يهدي إدارة جو بايدن الراحلة هذا الإنجاز. وعند تسلّم ترامب مهمّاته لا شيء يمنع أن يقنعه صديقه نتنياهو بأنّ تفكيك الحزب العسكري لم يكتمل، فيمدّد له الوقت. أقصى ما ينتظره متشائمون ممّن يواكبون مهمّة هوكستين هو حصول اتفاق مؤقّت، إرضاء لترامب، سرعان ما يسقط. فالمطروح بالنسبة إلى الضمانات التي تطالب بها إسرائيل أن تحصل على رسالة ضمانات من واشنطن بحقّها في التدخّل العسكري في لبنان إذا خرق الحزب الاتّفاق.
العوائق الإسرائيليّة تواكب التّفاؤل
بالإضافة إلى العوامل الأميركية تبدو العوائق التي تقف وراء التسريبات المتفائلة من الجانب الإسرائيلي مدعاة للشكوك بدورها للأسباب الآتية:
– تصعيد إسرائيل غاراتها على لبنان منذ آخر الأسبوع الماضي لا يوحي باتّجاهها نحو وقف الحرب. فمن إدخالها بطّاريات مدفعية بعيدة المدى إلى قرى حدودية بهدف توسيع استهدافاتها البرّية، إلى تكثيف غاراتها التدميرية للضاحية الجنوبية ومدن صور والنبطية وبعلبك… تظهر تصميماً على إجبار الحزب ورئيس البرلمان نبيه بري على قبول شروطها المرفوضة. والهدف هو وضع الحزب في خانة المهزوم الذي يوافق على تلك الشروط.
– توسيعها استهدافاتها باغتيال مسؤول العلاقات الإعلامية الحاج محمد عفيف يفتح مرحلة جديدة من حملتها العسكرية. كما أنّ قصفها قلب العاصمة بيروت مرّتين يوم الأحد يُسقِط أيّ التزام منها بتفادي قصف العاصمة. وهو أمر يناقض الوعود الأميركية بتجنيب بيروت الدمار، ويشير إلى نيّتها أن تشمل الاغتيالات المستوى السياسي في الحزب.
تصعيد إسرائيل غاراتها على لبنان منذ آخر الأسبوع الماضي لا يوحي باتّجاهها نحو وقف الحرب
– قادة سكّان شمال إسرائيل النازحين رفضوا (بحسب جريدة “هآرتس”) دعوات الحكومة إلى العودة إلى بيوتهم بحجّة أنّهم لا يثقون بأنّ مناطقهم صارت آمنة. فعلى الرغم من أنّ الجيش جعل قرى الحافة الحدودية منطقة عازلة بتدمير منازل زهاء 40 قرية للحؤول دون عودة مقاتلي الحزب وأسلحتهم إليها، تواصل المقاومة ضرب العمق الإسرائيلي.
– على الرغم من انطباع المحلّلين بأنّ توسيع العمليات الإسرائيلية مؤشّر إلى اقتراب نهاية الحرب، وللضغط في اللحظات الأخيرة، فإنّ وزير الدفاع الجديد يسرائيل كاتس كان أعلن الأسبوع الماضي أنّ أهداف الحرب لم تتحقّق وأنّ الجيش سيواصل ضرب الحزب.
– نتنياهو يلعب مناورته بأن يتظاهر بالإقبال على وقف الحرب مع لبنان لتجنّب الضغوط الغربية والأميركية، وعينه على الضغوط الداخلية المتعدّدة. فحليفاه في الائتلاف الحكومي بتسلئيل سموتريتش وإيتامار بن غفير يرفضان وقف النار ويصرّان على مواصلة الضربات ضدّ الحزب.
أعلن زير الدفاع الجديد يسرائيل كاتس الأسبوع الماضي أنّ أهداف الحرب لم تتحقّق وأنّ الجيش سيواصل ضرب الحزب
إيران والنّصر وقبول الـ1701
من الجهة الإيرانية، وعلى الرغم من إصرار طهران على وقف فوري للنار تفادياً لمزيد من إضعاف الحزب، ينظر المتشكّكون بشيء من الريبة إلى موقفها:
– يسجّل هؤلاء أنّ إعلان المسؤولين الإيرانيين، وآخرهم مستشار المرشد علي لاريجاني، دعم تطبيق القرار الدولي 1701، يأتي على الدوام بصيغة “دعم ما تقرّره الحكومة اللبنانية”. والمعروف أنّ صيغة الحكومة للتطبيق تأخذ في الاعتبار موقف الحزب، أي أنّ طهران تتفادى، كما حصل منذ عام 2006، تبنّي القرار وتأييده مباشرة وتكتفي بتأييد الحكومة في تطبيقه. وهي تعطي لنفسها هامش المناورة في هذا الشأن وتترك للحزب، الذي تديره مباشرة، أن يضع الضوابط الممكنة في المفاوضات حول تطبيقه. هكذا تأتي شروطها عبر الجانب اللبناني الذي يتأثّر بموقف الحزب، لا سيما بالنسبة إلى سلاح الحزب في شمال الليطاني. وآخر مواقف الأمين العامّ للحزب الشيخ نعيم قاسم، قبل 3 أيام، كان تشديده على معادلة “الجيش والشعب والمقاومة”. وبرأيه أنّ هذه المعادلة التي تصنع النصر. هذا على الرغم من أنّ أكثرية القوى السياسية اللبنانية ترفضها.
إقرأ أيضاً: هوكستين في بيروت وتل أبيب: الاتّفاق قاب قوسين
– في تقدير الأوساط السياسية المتابعة بحذر للمفاوضات مع هوكستين أنّ وقف النار في لبنان متّصل باتّضاح تصوّر الولايات المتحدة والدول الغربية للوضع الإقليمي برمّته. وهذا يشمل موقع إيران الإقليمي والحزب إحدى وسائل نفوذها في المنطقة. وبالتالي يصعب رسم صورة التفاوض حول لبنان من دون اتّضاح ما ستؤول إليه علاقة طهران مع إدارة ترامب. فالأخير يتعامل مع الحزب على أنّه امتداد لإيران التي ينوي اتّباع سياسة “الضغوط القصوى” حيالها بمزيد من العقوبات.
ما ينويه ترامب هو أن يخضع طهران للرقابة على برنامجها النووي، ويقلّص نفوذها الإقليمي، ويحدّ من برنامجها للصواريخ البالستية. وإذا كان المقابل رفع العقوبات عنها، فمن المبكر حصولها على ذلك، وهو ما يدفعها للتشدّد في ميادين أخرى، منها لبنان… فهي تدرك أيضاً حاجة ترامب إلى وقف الحروب.
لمتابعة الكاتب على X: