دخلت المرحلة الثانية من التوغّل البرّي جنوباً، التي أعلنها الجيش الإسرائيلي، شريكة أساسية في حياكة معالم تسوية وقف إطلاق النار التي لم تنضج بعد. “تكثيفٌ” واضح في القتل والتدمير من المحاور الثلاثة على طول الحدود الجنوبية و”الأجرَمة” المستمرّة في العمق الجنوبي، إلى استهداف بقع النازحين بعيداً عن مناطق القتال، وضرب الضاحية الجنوبية وضفافها بعنف أكبر. هذا الواقع يُبعِد أكثر فأكثر الاستحقاق الرئاسي عن طاولة الحسم، وربّما يُبعِد التسوية برمّتها إلى أوائل العام المقبل.
يُجمِع الوسطاء الدوليون على خطّ حرب إسرائيل على لبنان على أن لا رابط بين وقف إطلاق النار وملفّ رئاسة الجمهورية. وصل الأمر بأحد الدبلوماسيين الغربيين حدّ الجزم أمام مرجعية رسمية: “قد تُفاجَؤون، لكن ليس لدى أيّ دولة من أصحاب القرار مرشّح لرئاسة الجمهورية. المهمّ التزام الرئيس برنامج عمل المرحلة المقبلة الذي يقتضي نهجاً “إصلاحياً وسيادياً” يواكب مسار هائل من التطوّرات والأحداث بدأ بالانفجار المالي وانتهى بحرب كبيرة، وهذا ما يطلبه اللبنانيون قبل أن نطلبه نحن”. هكذا سمعت المرجعيات الرسمية أكثر من مرّة من الموفدين الدوليين كلاماً صريحاً بضرورة انتخاب رئيس بمعزل عن الحرب: “هذا ممكن الآن. القرار لكم”.
يتكامل هذا المشهد مع واقع فَصل اللجنة الخماسية مسألة التمديد لقائد الجيش عن ملفّ رئاسة الجمهورية، حتى لو كان لواشنطن وفرنسا مرشّحون مفضّلون. ستقود الواقعية السياسية الرئيس نبيه بري، وفق المعطيات، إلى تحقيق المستلزمات القانونية و”العدديّة” لجلسة التمديد لثلاثة من القادة الأمنيّين لتعذّر السير باقتراح توسيع التمديد ليطال كلّ الرتب العسكرية، وهو مطلب تمّت مفاتحة الرئيسين نبيه بري ونجيب ميقاتي به أكثر من مرّة، لكن لا رئاسة مجلس النواب ولا الحكومة بوارد السير بخيار كهذا لاعتبارات عدّة.
أمس أكّد لاريجاني علناً موافقة طهران على أيّ قرار تتّخذه المقاومة والحكومة وسندعمه
في المقابل، يتحدّث رئيس مجلس النواب عن صعوبات لوجستية تمنع نواب “الحزب” من المشاركة في جلسة انتخاب الرئيس. هذا عنوان شكليّ، بالتأكيد، يَحجُب القرار الكبير لدى الثنائي الشيعي بعدم الانخراط راهناً بورشة الرئاسة غير الناضجة داخلياً أصلاً. المفارقة أنّ رئيس الحكومة الأسبق فؤاد السنيورة قال في حديث تلفزيوني إنّ “بعض نواب الحزب ينامون في المجلس”!! في المحصّلة يمكن الجزم بأنّ الثنائي الشيعي وحده يقف ضدّ انتخاب رئيس الجمهورية قبل حلول التسوية.
بين لاريجاني وليزا
أمام واقع التمديد الحتميّ للقادة الأمنيّين والرئاسة المؤجّلة حتماً إلى ما بعد توقّف آلة القتل الإسرائيلية وترتيب الحزب أوراقه الداخلية وتمتين جبهة التفاوض مع “شركاء الداخل” على ملفّات ما بعد الحرب، تقدّمت في الساعات الماضية إلى الواجهة السياسية ثلاثة عناوين رئيسية:
1- زيارة كبير مستشاري المرشد الإيراني علي لاريجاني بيروت آتياً من دمشق. سبق هذه الزيارة تسريب معطيات قبل أيام من جانب عين التينة، تحديداً بعد التواصل الهاتفي بين بري ونظيره الإيراني محمد قاليباف الذي ووجِه بمضبطة اتّهام رسمية خلال وجوده في بيروت أخيراً، بأنّ طهران “مع التطبيق الكامل للقرار 1701”.
أمس أكّد لاريجاني علناً موافقة طهران على “أيّ قرار تتّخذه المقاومة والحكومة وسندعمه”، لكن كان لافتاً في الوقت نفسه تكرار الرئيس ميقاتي “طلب دعم إيران لتطبيق القرار 1701 وعدم اتّخاذ مواقف تولّد حساسيّات”.
الأمر المؤكد أنّ الرئيسين نبيه بري ونجيب ميقاتي باتا في مناخ “مشهدية” بالغة الوضوح: أمام اللبنانيين أيام قليلة حاسمة
2- تزامنت زيارة لاريجاني مع الأسئلة الكبيرة التي طرحت حول مدى قبول لبنان بالعرض الاميركي الذي نقلته السفيرة الاميركية ليزا جونسون يوم الخميس إلى الرئيس بري حول مقترح وقف إطلاق النار وجواب بري-ميقاتي-الحزب عليه. بدا لافتاً في هذا السياق أنّه في اليوم نفسه الذي سلّمت فيه جونسون الرئيس بري مقترح الـ 13 بنداً أكّدت مساء قناة “أن بي أن” التابعة لحركة أمل أنّ “لبنان لا يزال ينتظر عبر القنوات الرسمية أي شئ يتعلّق باستئناف الوساطة الاميركية عبر مقترح ملموس”.
فيما تفيد المعطيات بأنّ برّي يكرّر أمام جميع ضيوفه الغربيين والعرب: وقف إطلاق النار أولاً، لا تفاوض تحت النار، تطبيق 1701، وعدم القبول بأي تجاوز يؤسّس لوصاية عسكرية – أمنية على لبنان لا في النصّ المكتوب ولا في سياق الضمانات التي يمكن أن يمنحها الاميركيون للجانب الإسرائيلي. كما كشف برّي لـ “الشرق الأوسط” بأنّه تسلّم المقترح الاميركي، مشيراً إلى “تضمّنه نصّاً غير مقبول يتعلّق بتأليف لجنة إشراف على تنفيذ القرار 1701 تضمّ عدداً من الدول الغربية، ونحن لن نسير فيها بوجود آلية لا مانع لدينا من تفعليها”.
3- الأمر المؤكد أنّ الرئيسين نبيه بري ونجيب ميقاتي باتا في مناخ “مشهدية” بالغة الوضوح: أمام اللبنانيين أيام قليلة حاسمة. وهم في الخيار بين أمرين: إمّا اتّفاق على وقف إطلاق النار من ضمنه توضيح كافة ملابسات تطبيق القرار 1701 تحديداً لجهة نقطتين حسّاستين:
1- عدم تحقيق المطلب الإسرائيلي العلني بحريّة التصرف برّاً وبحراً وجوّاً عند التيقّن من حصول خرق للاتفاق في حال تقاعس الجيش اللبناني عن القيام بالتصدّي لهذا الخرق. وهو ما نفاه الرئيس بري أمس مؤكداً أنّ الاقتراح لا يتضمّن حرية الحركة للإسرائيليين.
2- الدور الفعلي والتفصيلي المطلوب من الجيش.
تزامنت زيارة لاريجاني مع الأسئلة الكبيرة التي طرحت حول مدى قبول لبنان بالعرض الاميركي الذي نقلته السفيرة الاميركية ليزا جونسون إلى الرئيس بري
وإمّا حربٌ مفتوحة واستنزاف بحكم موازين القوى قد لا يكون لمصلحة المقاومة، وبالطبع ليس لمصلحة لبنان الذي يتعرّض لأوسع عملية تدمير وقتل في تاريخه الحديث.
تقول مصادر مطّلعة لـ”أساس”: “ضمن سياق المصلحة اللبنانية لن يتضمّن اتفاق وقف إطلاق النار بنوداً مفصّلة في ما يتعلّق بعلاقة الجيش و”الحزب” ومهامّه المفترض أن يقوم بها لإلغاء كلّ مظاهرالتسليح ومنع الانتشار الحزبي والقضاء النهائي على ما بقي من البنى التحتية العسكرية للحزب”.
إقرأ أيضاً: الميدان يَنسِف المفاوضات؟
تضيف: “إذ إنّ هذه النقطة تحديداً هي مشروع صدام داخلي مفتاحه الأوحد مدى تجاوب قيادة الحزب مع مطلب الانسحاب من جنوب الليطاني وطمر أنفاقه وتفكيك ترسانته العسكرية. والأهمّ إلى أين سيتمّ نقل ما بقي من هذه الترسانة؟”.
لمتابعة الكاتب على X: