بين الخامس من تشرين الثاني الحالي و20 كانون الأول الثاني تاريخ تسلّم إدارة دونالد ترامب مقاليد السلطة ثمّة حقائق ستكرّس نفسها وتكون “شريكة” في رسم مسار ما بعد إعلان وقف إطلاق النار. الأمر المؤكّد، وفق مصادر سياسية، أن لا انتخاب لرئيس الجمهورية ضمن المرحلة الانتقالية بين “إدارتين”، وإن غطّ آموس هوكستين في المنطقة فسيحلّ ضيفاً مودّعاً وليس مكرّساً لحلّ. استطراداً لا وقف لإطلاق النار بموجب اتّفاق مُعلن من إدارة أميركية راحلة أو مُقبلة لم تختَر طاقمها المُفاوض بعد. لذلك لا شيء يغطّي راهناً على خيار ملء الوقت الضائع بجولة إضافية من التمديد أهمّيتها أنّها باتت تثير حساسيّة عالية في المؤسّسات الأمنيّة والعسكرية بسبب اقتصارها على أشخاص فقط.
أولى حقائق الاستاتيكو القائم تسجيل حرب إسناد غزة خسائر بشرية ومادّية غير مسبوقة في تاريخ الحروب والصراعات على الأرض اللبنانية منذ نهاية الحرب الأهلية بلغت أضعاف رصيد حرب تموز 2006.
يقول الباحث في “الدولية للمعلومات” محمد شمس الدين لـ “أساس”: “أرقام الخسائر من بداية الحرب في 8 تشرين الأول 2023 لغاية 16 أيلول الماضي تمّ رصدها بموجب إحصاءات دقيقة، بعدها اعتمدنا على ما يرد في وسائل الإعلام. فالحدّ الأدنى لكلفة أيّ منزل متضرّر (200 م2 مساحة إجمالية) مع المفروشات يصل إلى 75 ألف دولار، بينما بالمقابل في العديد من القرى الجنوبية قصور بملايين الدولارات. في يارون مثلاً 150 قصراً قيمة كلّ واحد نحو 2 مليون دولار، وهو ما يجعل المجموع في بلدة واحدة مثلاً 300 مليون دولار، من دون باقي المنازل العاديّة. لذلك تبلغ قيمة الأضرار في الأبنية بشكل عام لغاية الآن (الدمار الكلّي) تقريباً 4 مليارات و250 مليون دولار، تضاف إلى قيمة الخسائر الاقتصادية”.
يقول الصمد لـ “أساس”: الأساس في التشريع هو الشمولية وعدم التشريع لأشخاص
يشرح شمس الدين قائلاً: “من تاريخ بدء حرب إسناد غزة إلى 16 أيلول الماضي سجّلت الخسارة اليومية في الاقتصاد 6 ملايين دولار ووصلت بالإجمالي إلى مليارين و60 مليون دولار. ومن 17 أيلول حتى 31 تشرين الأول الماضي ارتفعت الخسارة اليومية إلى 30 مليون دولار، أي مليار و320 مليون دولار، بحيث يصبح مجموع الخسائر الاقتصادية حتى الآن 3 مليارات و380 مليون دولار، والرقم إلى ارتفاع”.
مليون و500 ألف نازح!
الحقيقة الثابتة الأخرى هو النزوح “الداخلي” الذي قد يتجاوز عتبة المليون نازح في الأسابيع المقبلة إذا استمرّت الخطّة الإسرائيلية بالتدمير والتهجير واقتلاع قرى من “شلوشها”، وهو واقع يحتاج علاجه إلى سنوات طويلة، سيّما أنّ العدوّ الإسرائيلي يواظب على منع أيّ جنوبي من تفقّد منزله وبساتينه ضمن مسافة من الحدود نحو العمق اللبناني تصل إلى 60 كلم، وهو كرّر الأمر نفسه يوم أمس، فيما حوّل شريطاً من القرى الحدودية على مسافة بين 2 و4 كلم إلى قرى لا معالم لها وممسوحة بالكامل.
“ريّس” من دون مجلس
هي سوابق تتزامن مع سابقة “خواء” دولة بالكامل من رئاسة الجمهورية ونزولاً باستثناء مجلس النواب، فيما دولة بالوكالة أو التمديد تتوسّع على كامل المفاصل الأمنيّة والعسكرية والقضائية والإدارية. لكنّ أكثرها نفوراً خروج مجلس القضاء الأعلى عن الخدمة تماماً بعد إحالة كلّ أعضائه إلى التقاعد، بالأصالة وبالتكليف، باستثناء رئيسه القاضي سهيل عبود.
“الريّس” عبود بات رئيساً من دون مجلس ولا يمكن إعادة ترميم هذا الواقع من دون انتخاب رئيس للجمهورية وتشكيل حكومة تتولّى إجراء أكبر مروحة من التعيينات منذ الطائف، من ضمنها إعادة تشكيل جسم قضائي لا أحد تقريباً ضمن هيكليّته موجود في موقعه اليوم بالأصالة بل بالتكليف أو الانتداب.
القاسم المشترك البارز جدّاً بين كلّ الكتل النيابية، بما فيها القوات اللبنانية التي قدّمت اقتراح قانون بالتمديد فقط لقائد الجيش
برّي متردّد
وحده مشروع التمديد لقائد الجيش العماد جوزف عون وُضِع على نارٍ حامية بضغط دولي واضح وتردّد داخلي حياله عَكسَه بشكل واضح رئيس مجلس النواب نبيه برّي. ومع تعدّد اقتراحات القوانين في شأن التمديد فإنّ القاسم المشترك البارز جدّاً بين كلّ الكتل النيابية، بما فيها القوات اللبنانية التي قدّمت اقتراح قانون بالتمديد فقط لقائد الجيش، هو فَصل هذه الكتل بين “جبهة” التمديد لعون و”جبهة” رئاسة الجمهورية.
قبل أيام تقدّم النائب جهاد الصمد باقتراح قانون يضاف إلى اقتراح “القوات” واقتراح قانون قدّمه النائب بلال عبدالله سابقاً بالتمديد لجميع العسكريين في الأسلاك الأمنيّة والعسكرية لمدّة عامين ويستفيد منه قائد الجيش بعام واحد بعدما مُدّد له سابقاً، إضافة إلى تعديل نظام الموظّفين (موظّفي الفئات الأولى والثانية والثالثة) عبر تمديد سنّ الإحالة إلى التقاعد أربع سنوات.
ينصّ اقتراح النائب الصمد كما اقتراح عبدالله على الشمولية لجهة “التمديد لمن يرغب من العاملين في القطاع العامّ ومؤسّسات عامّة ومختلطة وأجهزة قضائية والجامعة اللبنانية وعناصر وضبّاط الأجهزة الأمنيّة والعسكرية والذين لا يزالون في الخدمة الفعلية لتاريخ صدور القانون، وذلك لمدّة سنة من تاريخ إحالتهم إلى التقاعد”.
الصّمد: شموليّة التّشريع
يقول الصمد لـ “أساس”: “الأساس في التشريع هو الشمولية وعدم التشريع لأشخاص. كما أنّه في ظلّ المعاشات التقاعدية التي لا تزال تحسب على أساس 1,500، وبانتظار إقرار سلسلة رتب ورواتب جديدة يجب حفظ حقّ الناس وإعطاء بعض الأمل لهم بأن لا يخرجوا من الخدمة “مبهدلين”، مع العلم بأن لا فراغ في العسكر، والبديل دائماً موجود بحكم طبيعة المؤسّسات. بالنسبة لي، كلّ ما يحدث اليوم هو حجج، وإذا أردتم التمديد تحت حجّة الفراغ فمدّدوا للجميع وليس لأشخاص”.
تشير مصادر نيابية لـ “أساس” إلى أنّ “نصاب جلسة التمديد سيكتمل (أكثرية 65 نائباً)
الخير: التّوافق أوّلاً
من جهة “تكتّل الاعتدال الوطني” يقول النائب أحمد الخير لـ “أساس”: “نحن بصدد توسيع مروحة المشاورات. وبين القانون الذي تقدّمنا به العام الماضي بالتمديد للضبّاط برتبة عماد ولواء وبين القوانين التي تُقدّم في شأن توسيع دائرة المستفيدين، المهمّ بالنسبة لنا حصول توافق على مبدأ الشمولية. وحين سنتقدّم الأسبوع المقبل باقتراحنا مهما كان مضمونه سيكون نتيجة تشاور مع كلّ الكتل النيابية، فإذا وجدنا أنّ هناك إمكانية لإقرار قانون أكثر شمولية ويمكن أن يمرّ في مجلس النواب فسنُقدِم على هذه الخطوة، وإلّا فسنعود إلى اقتراحنا الأساسي”.
إقرأ أيضاً: “إنزال” في البرلمان: التّمديد لقائد الجيش
في السياق نفسه، تشير مصادر نيابية لـ “أساس” إلى أنّ “نصاب جلسة التمديد سيكتمل (أكثرية 65 نائباً)، ومن المتوقّع أن يدعو الرئيس بري إلى جلسة تشريعية في الأسبوع الأوّل أو الثاني من شهر كانون الأول المقبل”.
لمتابعة الكاتب على X: