حسب الظاهر، يبدو أنّ رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو حسم خياراته في الذهاب لتوجيه ضربة عسكرية للعمق الإيراني في المرحلة المقبلة، قد تكون خلال الأيام القليلة المقبلة. ويبدو أنّه قد حصل على تأييد ودعم لهذه العملية من العواصم المعنيّة بتطوّرات المنطقة في مقدَّمها الولايات المتحدة الأميركية. إلا أنّ غير الواضح هو الحدود المسموح بها وحجم الضربة والأهداف التي ستكون في دائرة النار والاستهداف. وهل هذه العواصم قد اتّخذت قراراً بالتخلّص نهائياً من النظام في طهران؟ أم تريد توجيه رسالة قاسية له وتقليص نفوذه وإضعاف دوره ودفعه للانكفاء نحو الجغرافيا الإيرانية والتعامل مع أزماته ومشاكله الداخلية؟
من غير الواضح ما إذا كان نتنياهو، في الاتصال الذي حصل بينه وبين الرئيس الأميركي جو بايدن، قد حصل على ضوء أخضر يسمح له باستهداف المنشآت النووية والنفطية ومصادر الطاقة داخل العمق الإيراني أم ستكون العملية محصورة في المنشآت العسكرية والأمنيّة والاقتصادية.
الرهانات الإسرائيلية من وراء الضربة المفترضة لإيران، ترتبط بحجمها وأهدافها، خاصة آثارها وتأثيراتها على المستوى السياسي.
يبدو أنّ رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو حسم خياراته في الذهاب لتوجيه ضربة عسكرية للعمق الإيراني في المرحلة المقبلة، قد تكون خلال الأيام القليلة المقبلة
اغتيالات على طريقة الضّاحية؟
الضربة الموسّعة قد تستخدم فيها القنابل الخارقة للتحصينات، لتدمير المنشآت النووية والعسكرية المحصّنة تحت الجبال، بالإضافة إلى المواقع النفطية والعسكرية والأمنيّة والاقتصادية، وإلى جانب إمكانية استهداف واغتيال كبار المسؤولين السياسيين والقيادات العسكرية في مؤسّستي الجيش وحرس الثورة الإسلامية الذين يتبنّون موقفاً أيديولوجياً في العداء لإسرائيل، تماماً كما حصل في سلسلة اغتيالات قادة الحزب.
تختلف تداعيات هذه العملية الموسّعة عن أيّ عملية محدودة رمزية بالمستوى والأهداف كما كان الحال مع الهجوم الصاروخي الذي قامت به طهران، وتختبر مدى تحمّل إيران وقدرتها على السكوت وعدم الذهاب إلى ردّة فعل معاكسة، لأنّ المستوى التالي بعد ذلك سيأخذ منحى تصاعدياً مفتوحاً على جميع الاتجاهات والمستويات في إطار عملية عسكرية شاملة.
بغضّ النظر عن البعد المعنوي الذي يحكم الردّ الإسرائيلي والسعي لتأكيد تفوّقه العسكري والأمنيّ وعدم السماح لإيران باستعادة قوّة الردع في الدفاع عن مصالحها الداخلية والإقليمية، يدور الرهان الأوّل لدى رئيس الوزراء الإسرائيلي حول الآثار الداخلية لأيّ عمل عسكري ضدّ النظام الإيراني.
الرهانات الإسرائيلية من وراء الضربة المفترضة لإيران، ترتبط بحجمها وأهدافها، خاصة آثارها وتأثيراتها على المستوى السياسي
تغيير النّظام في إيران
الرهان الإسرائيلي، وتحديداً من قبل نتنياهو، هو أن تؤدّي العملية العسكرية ضدّ إيران إلى إحداث اضطرابات داخلية، وهو ما يسمح بتحريك الاعتراضات الشعبية، وبالتالي إضعاف القوى المعتدلة التي تتمحور حول الرئيس الجديد، والتي تتبنّى منهجاً وسياسة عقلانيَّين يحاولان إبعاد إيران عن مواجهة مصير معقّد… لمصلحة القوى المتشدّدة، وهذه المرّة لن تقتصر على القوى المؤدلجة والثورية في الداخل الإيراني، بل ستعيد تنشيط قوى المعارضة التي تسعى لتغيير النظام في الداخل والخارج على حدّ سواء.
هذه المتغيّرات إلى جانب الآثار التي ستحدثها الضربة الإسرائيلية على المستويين العسكري والأمني، ستضعف قبضة النظام والسلطة التنفيذية والقوى الأمنية وقدرتها على مواجهة إمكان اندلاع حراك سياسي أو شعبي معارض، بالإضافة إلى إمكان إصابة قدرات النظام والدولة على إدارة الشؤون اليومية الداخلية، خاصة في ظلّ ما يعانيه الاقتصاد الإيراني من أزمات متراكمة لم تستطع الحكومة الجديدة حتى الآن التوصّل إلى آليّات فاعلة لبدء الخروج منها. وبالتالي هذا سيؤدّي إلى إضعاف النظام سياسياً وخسارته للتأييد والمشروعية الشعبية والسياسية، ووضعه في مواجهة حالة من الفراغ السياسي.
تحريك الأطراف.. وسيستان وبلوشستان
بعض الرهانات الإسرائيلية أو النتنياهويّة ترتبط بالآثار التي ستترتّب على ما بعد الضربة أو العملية العسكرية. إذ ستكون الأنظار الإسرائيلية والأميركية مركّزة على إمكان حصول اضطرابات أمنية وعسكرية كبيرة في مناطق الأطراف التي تضمّ أقلّيات عرقية وقومية ودينية، خاصة أنّ العمليات الأمنيّة في هذه الأطراف قد تصاعدت في الأشهر الأخيرة، وتحديداً في إقليم سيستان وبلوشستان، الذي شهد تصاعداً في العمليات الأمنيّة التي تشنّها عناصر من “جيش العدل” وجماعات متطرّفة أخرى ضدّ القوى الأمنيّة ومراكز حرس الثورة والجيش في هذا الإقليم.
الرهان الإسرائيلي، وتحديداً من قبل نتنياهو، هو أن تؤدّي العملية العسكرية ضدّ إيران إلى إحداث اضطرابات داخلية، وهو ما يسمح بتحريك الاعتراضات الشعبية
بالإضافة إلى الرهان على توسّع الاضطرابات في سيستان وبلوشستان، يراهن الإسرائيلي أيضاً على تحريك القوى والجماعات الكردية في إقليمَي كردستان وكرمنشاه، والقوى العربية في إقليم خوزستان، خاصة أنّ الجماعات الكردية واجهت موجات من الهجمات الإيرانية ضدّ مواقعها في كردستان العراق، علاوة على فرض طهران على الحكومة العراقية وحكومة الإقليم الكردي العراقي إجلاء هذه الجماعات باتجاه صحراء الأنبار بعيداً عن الحدود الإيرانية.
قوى النّظام ستتشدّد أكثر
ستدفع هذه التطوّرات، التي تراهن عليها تل أبيب ومن ورائها واشنطن، النظام ومنظومة السلطة أو الدولة العميقة لفرض معادلات داخلية مختلفة، بحيث تعيد فتح الباب أمام عودة القوى المتشدّدة والمتطرّفة لتولّي مقاليد الأمور وإدارة البلاد، وإقصاء كلّ الأصوات المعتدلة أو العقلانية عن المشهد السياسي، وبالتالي الذهاب بالسلطة إلى ما يشبه السلطة العسكرية والأمنيّة غير المعلنة أو حتى المعلنة، لتتولّى مهمّة إعادة فرض الأمن وتثبيت النظام تحت شعار الحفاظ والدفاع عن المصالح الوطنية والقومية التي تسمح لها بممارسة شتّى أنواع قمع المعارضين أو الأصوات المطالبة بالتغيير.
من المتوقّع أن لا تتراجع القوى المتشدّدة عن موافقها الأيديولوجية في سياق الصراع مع قوى “الاستكبار العالمي والعداء لإسرائيل”
في حال ذهبت الأمور إلى هذا المستوى، من المتوقّع أن لا تتراجع القوى المتشدّدة عن موافقها الأيديولوجية في سياق الصراع مع قوى “الاستكبار العالمي والعداء لإسرائيل”، بل سيتحوّل الخطاب السياسي معهم إلى خطاب أكثر تشدّداً في هذا الإطار، وسيتحوّل إلى استراتيجية وعقيدة تستخدمان في إطار هذا الصراع.
أمّا الرهانات الإسرائيلية الأقلّ دراماتيكية فتدور حول إمكان أن تدفع هذه الضربة إلى انقسام سياسي داخل النظام الإيراني، وأن تجبر منظومة السلطة ومؤسّساتها لاعتماد خيار أكثر عقلانية، وإعطاء مساحة أوسع للقوى المعتدلة التي تدفع لتعزيز شعار “الوفاق الوطني” والتأسيس لمرحلة جديدة في السياسة الإيرانية الإقليمية. وذلك لقطع الطريق على القوى التغييرية الساعية لقلب النظام، خاصة قوى المعارضة في الخارج، التي سبق أن فتحت قنوات اتّصال وتنسيق مع الحكومة الإسرائيلية وأجهزتها الأمنيّة، وفي مقدَّمها المعارضة الملكية.
إقرأ أيضاً: إيران حضّرت سنوات لـ”الطّوفان”… لكنّها فوجئت به!
*غداً.. ضرب إيران خدمة إسرائيلية لواشنطن